جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ليلة الفخرانى.. دون محسن حلمى

عندما قرر الفنان الراحل محسن حلمى التعامل مع أوبريت «ليلة من ألف ليلة» أول مرة سنة ١٩٩٤، كان يريد مواصلة مشروعه كمخرج مسرحى يمزج بين الحس الشعبى الاحتفالى وبين التقنيات الحديثة، لتقديم رؤية مصرية خالصة تعتمد البداهة والمتعة والغناء والاستعراض، ولمناقشة القضايا الكبرى التى تشغل الناس دون حذلقة ولا هتافات، وكان اختيار الفنان الكبير يحيى الفخرانى وعلى الحجار وأنغام ولطفى لبيب لهذا العرض جزءًا من رؤيته كمخرج يبحث عن إجابات.

النص للعبقرى بيرم التونسى كتبه فى ثلاثينيات القرن الماضى واستلهم أحداثه من ألف ليلة، أو بمعنى أدق استعارة آليات الحكى التى قامت عليها ألف ليلة من خلال حكاية تبدو ساذجة، لكنها محملة بكل التناقضات التى تحزم المجتمع، بيرم بانحيازه لثقافة الحى الشعبى ووجدانه وحيله وخفة ظل ساكنيه نجح فى غزل الحكاية.

وقام بالتلحين واحد من أهم أساطين التلحين هو أحمد صدقى، ابن مدينة العياط، خريج الفنون التطبيقية وتلميذ عالم المصريات العظيم سليم حسن والرسام بالمتحف المصرى آنذاك، مزيج رائع بين ثقافة الحى الشعبى والثقافة الفرعونية وأجواء ألف ليلة وخيال محسن حلمى وطموحه، وبالطبع موهبة الفخرانى وصوتا الحجار وأنغام.

استمر العرض ٢٦ يومًا على مسرح الجمهورية، وصنع حالة عظيمة بين عشاق المسرح، والفن الراقى بشكل عام، حضرت جانبًا من البروفات، وكنت مستمتعًا بطريقة المخرج فى ابتكار الحلول وبالروح الجميلة التى يدير بها العمل، وشاهدت العرض أكثر من مرة، وبعد ٢١ عامًا، وبمناسبة إعادة افتتاح المسرح القومى سنة ٢٠١٥ عادت المسرحية مرة أخرى بالفخرانى وبمحمد محسن ومى مجدى «بدلًا من الحجار وأنغام»، وحققت رقمًا قياسيًا فى الإيرادات، وبالطبع وجود نجمنا الكبير بطل العرض على الأفيشات كان له الفضل الأكبر.

هذه الأيام يستعد الفخرانى لتقديمها مرة ثالثة مع القطاع الخاص، وسيتم الافتتاح فى مكتبة الإسكندرية وباسم آخر ومع مخرج آخر هو مجدى الهوارى، بالطبع من حق أى شخص أن يفعل ما يحلو له، وأن يقدم رؤيته الخاصة لنص بعينه، ولكن اختيار الفخرانى فى المرتين كان جزءًا من رؤية المخرج.

نحن أمام عمل من الصعب اللعب فيه، لأنك أمام نص غنى مكتوب بلغة ستعيش طويلًا، وألحان نجح يحيى الموجى فى توزيعها المرة الأولى بطريقة مبهرة، وإذا كان المخرج فى المرة الثالثة يريد أن يقدم رؤيته الخاصة، فلماذا لم يبحث عن وجه آخر للبطولة حتى لا يقال إنه جاء حسب توجيهات النجم الكبير الذى كان بطلًا للعرض قبل ٢٧ عامًا؟

وجود الفخرانى سيجلب الجمهور لا شك، لأنه موهبة كبيرة جدًا وله جمهور عريض، وحضوره على المسرح لا مثيل له، وربما خيب العرض الجديد ظن بعض المتربصين من أمثالى.

ولكن تجربة محسن حلمى فى تناول هذا الأوبريت ستظل ناصعة، وكنت أتمنى أن تكون وزارة الثقافة قد سجلتها؛ ليشاهدها الجمهور، ولكنى عرفت أنها سجلت بكاميرا واحدة فقط، لا تصلح للعرض العام.

وسيضم العرض الجديد النجوم إياد نصار ومحمد الشرنوبى وكارمن سليمان وشريف دسوقى، وهم إضافة لأى عمل، ولكنهم أمام تحد صعب أعانهم الله عليه، والمسرحية تتناول شخصية المتسول شحاتة خفيف الظل، الذى يحلم بالثراء، نجد ابنته الوحيدة تعيش قصة حب مع الخليفة الشاب دون أن تعرف أنه الخليفة، الأب حزين على فقد زوجته التى خطفها اللص قاطع الطريق وتزوجها وأنجب منها ولدًا، رحل وهو طفل، تدفعه رغبته فى الثراء لسرقة التجار فى السوق، ولكن يتم القبض عليه ويطلب منه الوزير الفاسد قتل الخليفة ليعفو عنه، ولكنه يفشل فى مهمته ويدخل السجن، قبل أن يهرب بعد أن يقتل قاطع الطريق، ثم يقتل الوزير الفاسد، ولا يجد الخليفة سوى نفى والد حبيبته من بغداد ويطلب منه أن يذهب لأداء فريضة الحج؛ لكى يتطهر من كل ذنوبه.