جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

العذراء وأيقوناتها الخالدة

 

غدًا السبت، ٧ أغسطس، يبدأ صيام السيدة العذراء والاحتفاء بالمناسبة والاقتراب من أيقوناتها التى عاشت وتعيش فى وجدان المصريين وبيوتهم وكنائسهم، أما عن ظاهرة تنوع شكل الظهور الذى بدت عليه السيدة العذراء فى أيقوناتها عبر العالم، فلا أجد غضاضة من أن يراها كل شعوب الدنيا بالشكل الأقرب لثقافاتهم ورؤاهم. 

وإن كنت أتمنى الاتفاق على أهمية الاقتراب من ملامح أبناء المنطقة التى عاشت فيها هى وكل قديسى وشخوص الكتاب المقدس، بل إننى كنت أتمنى الاقتراب من استخدام الثقافة والحس التراثى واللغة «الأرامية» التى تحدّث بها السيد المسيح، والمناداة بالتعريف بها عبر المراكز العلمية المتخصصة لنقل كل ما روى رموز تلك المرحلة من بداية السنوات الثلاث الأخيرة من حياة السيد المسيح، وأرى أهمية أن تجد نفس اهتمامنا وتعلقنا باللغة القبطية. 

وهنا، كان يؤكد الفنان الكبير المصرى العالمى «عادل نصيف»، الذى أدمى قلوبنا رحيله منذ شهور، أن الأيقونة هى المُعبّر الأول عن روحانية الكنيسة، لأنها كانت تُرسم للقديسين والخليقة السمائية فقط.. وهى تبسّط الملامح وتعبّر عن سمو الجوانب الروحانية، حيث لا تميل الأيقونة لتمثيل الواقع، بل تستخدم الجوانب المادية لتصل لأروع التجليات الروحانية.. وقد كانت بدايات فن الأيقونة فى رسوم بورتريهات الفيوم فى القرن الأول، التى أخذ عنها الفنان القبطى فكرة الأيقونة وطريقة رسمها على رقائق من الخشب بمواد أكاسيد طبيعية مخلوطة بصفار البيض خامة التمبرا.. والموروث المصرى أضاف للفن القبطى خصوصية فى الشكل والمضمون.. فهو فن شعبى وبسيط ويعبّر عن الروح، ولا يهتم بالواقعية الشكلية بل بالبساطة، ويتميز بروح الفرح والبصيرة الداخلية للقديس، فيُرسم منتصبًا وفى وضع أمامى ناظرًا للمشاهد فى حوار بينهما ليجذبه ليتشبه بالقديس.. وللسيدة العذراء مكانة سامية فى وجدان شعوبنا فى مصر، بل العالم بشكل عام، فالجميع يحبها ويتشفع بها.. وتحتل أيقونة العذراء أهمية قصوى، وتوجد فى جميع الكنائس.. والأيقونة المشهورة هى العذراء الملكة، وتُرسم جالسة وهى تحمل السيد المسيح على يدها اليسرى، وتكون العذراء على يده اليمنى «جلست الملكة على يمين الملك» وتنظر العذراء للمشاهد، وتُرسم ثلاثة نجوم على غطاء رأسها والكتفين، وترمز النجوم إلى بتوليتها قبل البشارة، وأثناء حملها المقدس، وبعد ولادتها المعجزة للطفل يسوع، ويُرسم المسيح كطفل يحمل رسالة ويشير بيده بالبركة.. لقد افتقدنا بالفعل فنون وإبداعات وفكر وثقافة «عادل نصيف» برحيله المؤثر، رحمه الله. 

نعود لصورة وأيقونة التجسد التى يحكى لنا عن تفاصيلها أهل الإبداع الدينى والروحى والتى منها: 

¿ العذراء وهى تحمل الطفل يسوع نجدها لا تلتفت إليه وإنما تنظر إلى بعيد، إلى مستقبل الأيام، وإلى العذابات التى سيراها ابنها الوحيد الذى سيقدم نفسه فدية عن كثيرين، بذلك يرتسم على وجهها صورة آلام ابنها المستقبلية وحزنها يبدو واضحًا على وجهها، لأن هذا الابن سيُصلب من أجل خلاص البشر ولكنهم غافلون عن أمر وأهمية هذا الخلاص.

وحول ملابس السيدة العذراء: نجد السيدة العذراء دائمًا تلبس الأزرق والأحمر والأبيض..

¿ الأزرق أو السماوى: لأنها السماء التى حل فى بطنها الله ويشير اللون إلى الحق السماوى.

¿ اللون الأحمر أو القرمزى: هو لون معروف بأنه اللون الملكى لا يلبسه إلا الملوك والأباطرة، والعذراء بالطبع تلقبها الكنيسة بأنها الملكة وأم الملك، فهى لذلك ترتدى اللون الأحمر القرمزى.

¿ اللون الأبيض: هو رمز الطهارة، ودائمًا نجد أنها تلبس طرحة بيضاء على رأسها، فهى العذراء الطاهرة النقية بلا دنس ولا غش. 

¿ الصندل المفكوك: هذا الصندل الذى نلاحظه مفكوكًا فى إحدى قدمى الطفل يسوع ويكاد يسقط منه فهو رمز الفكاك، حيث كان فى العهد القديم «عادة» أن الرجل الذى يموت دون أن ينجب أولًا تتزوج زوجته من أخيه، والابن الأول يُنسب إلى الزوج المتوفى والابن الثانى يُنسب إلى الزوج الحالى وهو أخو الزوج الأول المتوفى حتى يقيم نسلًا لأخيه المتوفى، فلعل يأتى المسيح المنتظر من هذا النسل، وإذا رفض أخو الزوج المتوفى أن يتزوج من زوجة أخيه، كانت تخلع هذه الزوجة نعله من رجله وتبصق فى وجهه، وذلك أمام شيوخ مدينته، ويدعى اسمه مخلوع النعل، فجاء المسيح المنتظر وقام بفكنا من هذه العادات القديمة أو الطقس اليهودى القديم لأنه لا خوف بعد ذلك، لأن المسيح قد جاء بالفعل وكأنه يقول لنا: لا تعودوا تتزوجوا زوجة الأخ المتوفى بغير نسل، وما دمتُ قد جئت فقد فككتكم من هذا لأنى «أنا هو وليس آخر سواى».