جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

آخر معاقل «الإرهابية».. «النهضة» والغنوشى فى مهب الريح

الغنوشى
الغنوشى

 

 

 

لا تزال تداعيات قرارات الرئيس التونسى، قيس سعيد، مستمرة، وتجد صدى واسعًا خصوصًا داخل حركة «حزب» النهضة، بزعامة الإخوانى راشد الغنوشى.. إذ يتوالى الإعلان عن انشقاقات فى صفوف «إخوان تونس»، لكنّ مراقبين يعتبرونها مجرد مناورات إخوانية لتحسين صورتهم فى لحظة انهيار تاريخى تعصف بوجودهم.

 

من بين المنشقين قيادات كانت الأكثر قربًا من «الغنوشى»، مثل الوزير السابق لأكثر من وزارة فى حكومات «النهضة»، عماد الحمامى، الذى أثنى بشكل واضح على قرارات الرئيس سعيد، ووصفها بالشجاعة، فيما دعا قادة النهضة إلى ضرورة التفاعل مع المستجدات فى البلاد، ومنح الفرصة للشباب.

نفس هذا الموقف عبّر عنه عضو مجلس النواب عضو المكتب التنفيذى لـ«النهضة»، محمد القومانى، طالبًا الاعتذار للشعب التونسى لأن الحركة فشلت فى إدارة البلاد.

وتزامن ذلك مع رسالة وجهها ١٣٠ من شباب الإخوان إلى «الغنوشى» طالبوه فيها بحل المكتب التنفيذى لقيادة النهضة، واتهموه بعدم التجاوب مع مطالب الشعب، وعدم فهمه رسائل الشارع. 

لكنّ مراقبين لهذه الانشقاقات حذروا من السير وراء هذه المناورة التى لا تعبر عن مراجعات حقيقية وإنما تهدف للإيحاء بأن «النهضة» بصدد تغيير جلدها، لكن الحقيقة التى يعرفها الجميع أن الانتماء للإخوان يعتمد على المبايعة للمرشد التى أقسموا عليها وبالتالى لا تغيير للمبايعة، كون الأوامر والتغييرات تأتى دائمًا من فوق أى من المرشد وليست من القواعد.

وبعد «مجموعة الـ١٠٠» والرسالة التى وجهتها إلى «الغنوشى»، برزت مجموعة من شباب الحركة أكثر تصميمًا على وضع حد لسيطرة الرجل على القرار السياسى، وقد أصدرت بيانًا داخليًا «أطلقوا عليه عريضة»، طالب القيادة الحالية لـ«النهضة» بحلّ المكتب التنفيذى «فورًا» على حد تعبير البيان وتحمّل مسئولية التّقصير فى تحقيق مطالب الشعب التونسى، فى ضوء تمادى القيادة فى عدم فهم حالة الاحتقان والغليان، باعتبار عدم نجاعة خيارات الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وطريقة إدارته الأزمات السياسية. 

وطالبت هذه المجموعة بتحمل مسئوليته وتكليف خلية أزمة يراعى فى أعضائها القبول الشعبى حتى تكون قادرة على التعاطى مع الوضعية الحادة التى تعيشها تونس لتأمين العودة السريعة لنشاط المؤسسات الدستورية واستئناف المسار.

كما حث البيان «الغنوشى» على تغليب المصلحة الوطنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات من أجل تونس، كما طالب قيادة الحزب بتحمل مسئولياتها والتفاعل بجدية مع هذه المطالب فى أقرب الآجال، وذلك للقطع مع حالة التخبط الواضحة، والتأكيد على استعدادها للتضحية فى سبيل مستقبل أفضل للوطن والحزب.

لكن من جهة أخرى، ليست هذه الانشقاقات والصراعات داخل «النهضة» بأمر جديد على «إخوان تونس» فقد سبق ونشر منذ عامين، مراد حيدر، القيادى السابق فى «النهضة» رسالة إلى شيخه الغنوشى، قال فيها بالخصوص إنه يشعر بالندم بعد أن أضاع سنوات الشباب وهو يعتقد واهمًا فى طهر «الغنوشى» وعفته وورعه وتقواه لدرجة أنه صدقه صدقًا أعمى فشتم جمال عبدالناصر وبورقيبة من أجل «الغنوشى»، وردد أن الشرطة طاغوت، وأن جيش بلاده فى خدمة الديكتاتورية، وأن السجن ظالم، كما صدّق عداءه لإسرائيل وردد عبارة شيخه الشهيرة «القدس آية من آيات الكتاب ومن ضيّعها فقد ضيّع الكتاب»، كما رفض تحية العلم كل صباح لأنه أطاع شيخه الذى يرى فى العلم التونسى «خرقة بالية ووثنًا تقديسه يؤدى للشرك بالله».

ويشير «حيدر» فى رسالته إلى تغاضيه عن تقلب شيخه من نظام إلى نظام، وكيف غض الطرف عما أشيع عن كونه عنصرًا فاعلًا وعميلًا لجهاز MI6 «الاستخبارات البريطانية»، كما سدّ أذنيه عن كل ما قيل عن «الغنوشى» وانتهازيته، حيث إنه فى خدمة من يدفع. 

ويتابع فى رسالته موضحًا أيضًا كيف أنه يعتبر «الغنوشى» أخطر شخص فى تونس، مشيرًا إلى أنه خان الآلاف، بل كان السلاح الذى قتل حلمهم بعد أن وعدهم بحماية الوطن من استغلال المستعمر الفرنسى، لكنه باع البلاد والعباد لمستعمر آخر أخطر- كما يقول- و«الآن مشكلته هى كيف يسحب من يد هذا ليضع فى حضن ذاك».

ويُحمّل «حيدر» شيخه «الغنوشى» مسئولية فقر الناس وزيادة معاناتهم وخصاصتهم فى وقت تكدست الأموال تحت قدميه وسالت السيولة أنهارًا فى مشاريع بناته.

ويقول له: «لقد ربيّت ذئابًا بأنياب طويلة وأطلقتها تعيث فينا فسادًا من شمال البلاد إلى جنوبها دون حسيب أو رقيب، لا لشىء إلا لتضمن ولاءها لشخصك، ثم لأولياء نعمتك فى أنقرة والدوحة ولندن!».

ويكشف «حيدر» كيف أن أهالى من سفّرهم «الغنوشى» للموت فى سوريا عرفوا أنّ ابنه يعيش حياة الملوك مدللًا مترفًا بين تونس ولندن وباريس، يخاف عليه من النسيم العابر، كما يقول، كما أنهم اكتشفوا خداعه حول الحور العين فى الجنة التى وعد بها الغنوشى من شحنهم إلى الموت «لأن الجنة فصّلها على مقاس الأغبياء».

ووصف «حيدر» فى نهاية رسالته شيخه بالأعمى وأيضًا من أطلق عليهم «قطيعه»، مشيرًا إلى أنهم لا يقدرون على بناء وطن ولا يستطيعون المحافظة على أى مكتسبات، قائلًا: «من كان فى هذه الدنيا أعمى فهو فى الآخرة أعمى بإذن الله!».

انتهت رسالة الإخوانى السابق مراد حيدر إلى «الغنوشى»، وهى لم تكن مجرد رسالة ثائرة من شاب إخوانى وإنما استشرفت أيضًا ما حدث فى تونس بعد سنتين من هذه الوثيقة، ومدى الوهم الذى عاشه المتاجرون بالدين من كونهم قادرين على قيادة أى بلد، أو أن هناك أملًا يُرجى فى الغنوشى أو أى غنوشى أو إخوانى آخرين.

أما مصير بقية الأحزاب فى تونس فلن تكون أفضل من مصير الإخوان.. هذا ما يتنبأ به مراقبون للوضع السياسى فى تونس حاليًا، حيث إن الأحزاب التى شكلت الأغلبية البرلمانية وجدت نفسها اليوم أمام مصير لم تكن تتوقعه ولا هى مستعدة له، مما جعلها فى تخبط انعكس فى انفراط عقد التحالف بين مكوناتها وفى محاولة كل طرف النجاة بمفرده.

انفراط عقد هذه الأحزاب استدعى تلويح عناصرها بضرورة إجراء مراجعات داخلية واستيعاب درس ٢٥ يوليو، غير أنه لم ينعكس بشكل فعلى حتى الآن فى الخطاب السياسى أو المناورات التى ما زالت تجريها هذه الأحزاب.

ومن الواضح أنها لا تدرك بعد أن المشهد السياسى الجديد يهدد تلك الأحزاب فى وجودها وتحجيم أدوارها، بما فى ذلك تلك الأحزاب التى أعلنت عن دعمها الرئيس وقراراته.

فالمشهد الحالى يقود إلى نتيجة مهمة، وهى أن المنظومة الحزبية والسياسية فى تونس قد وصلت إلى حالة من الضعف تجعلها اليوم عاجزة عن لعب دور القوة المقابلة القادرة على فرض توازن فى المشهد مقابل الإخوان أو حتى لصالح الرئيس والجموع الشعبية التى تقف وراءه وتؤيد مساعيه لتصحيح المسار وإرساء سياسات تنموية رشيدة.