جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

بطولات فى المزاد

المشاركون فى دورات الألعاب الأوليمبية، أو فى غيرها من البطولات الدولية، يكون هدفهم، عادة، دخول تاريخ لعبتهم، بتحطيم أرقام قياسية أو بالحصول على ميدالية ذهبية، فضية أو برونزية. لكن هناك مَن لا يعنيهم غير العائد المادى، لدرجة قد تدفعهم إلى بيع الدول التى يحملون جنسيتها واللعب لصالح مَن يدفع، أو بيع الميداليات نفسها فى مزادات!

القيمة المعنوية للميداليات الأوليمبية، تجاهلتها، أيضًا، وسائل إعلام أمريكية، أبرزها شبكة «سى إن إن» وجريدة «نيويورك تايمز»، وتجاهلت معها تصميم الميداليات، الذى يعكس ثقافة البلد المضيف ورموزه، وركزت فقط على قيمتها المادية، فى تقارير نقلت فيها عن خبراء أن قيمة الميدالية الذهبية تزيد قليلًا على ٨٠٠ دولار، وقيمة الميدالية الفضية ٤٥٠ دولارًا، والبرونزية ٥ دولارات. ثم نقلت عن خبراء مزادات أن نوع الرياضة قد يلعب دورًا فى تحديد قيمة الميدالية، إضافة إلى حالتها، ووجود الشريط والعلبة الأصليين. وأوضحت أن الحفاظ على العلبة وشريط تعليق الميدالية على الرقبة، يزيد من قيمتها، حال بيعها!

سعر الميدالية قد يعتمد على شهرة الفائز بها، لكن الغريب هو أن ميداليات الألعاب الأوليمبية الصيفية تكون، عادة، أغلى من نظيرتها الشتوية. وبحسب تقرير جريدة «نيويورك تايمز»، المنشور أمس الإثنين، فقد يلجأ الفائزون بتلك الميداليات إلى بيعها للتغلب على مصاعب مالية تواجههم، وحينها يُقبل هواة جمع التحف والمقتنيات الرياضية على شراء هذه التذكارات. 

الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، قُطرها ٨٥ ملم، ويتراوح سمكها بين ٧.٧ ملم و١٢.١ ملم، ويختلف وزنها والمواد التى يتم تصنيعها منها: الميدالية الذهبية تكون مصنوعة من الفضة النقية المطلية بالذهب، مع حوالى ٦ جرامات من الذهب، من إجمالى وزن ٥٥٦ جرامًا، والميدالية الفضية مصنوعة من الفضة النقية وتزن حوالى ٥٥٠ جرامًا، أما البرونزية فوزنها ٤٥٠ جرامًا، ومصنوعة من ٩٥ فى المائة نحاس، و٥ فى المائة زنك. ويكون مع كل ميدالية علبة خشبية، والحلقات الأوليمبية الخمس، وصورة «نايكى»، ربة النصر فى الأساطير اليونانية.

جوناثان شيهير، مدير التراثات الرياضية فى مزادات «هيريتاجى»، قال إن سعر الميدالية الذهبية فى المزاد يتراوح بين ٢٠ و٥٠ ألف دولار، بينما يبدأ سعر الفضية من ١٠ آلاف، وتباع الميداليات البرونزية بأقل من ذلك. ولو كنت معنيًا بالأمر، وليس لديك الكثير من المال، يطمئنك بوبى ليفينجستون، نائب الرئيس التنفيذى لشركة «آر آر» للمزادات، بأن الميداليات البرونزية ستكون مناسبة. وأكد «ليفينجستون» أن الطلب مرتفع على هذه الميداليات، والسوق متعطشة لها. 

تقع شركة «آر آر» للمزادات بمدينة بوسطن الأمريكية، وبيعت بها ميدالية فضية من أوليمبياد «باريس ١٩٠٠» مقابل ١٢٨٣ دولارًا فقط، وميدالية برونزية من دورة ١٩٥٦ فى كورتينا دامبيزو، الإيطالية، بيعت بـ٣٧٥٠ دولارًا. فى حين ذكرت تقارير أن ميدالية فضية من أوليمبياد أثينا ١٨٩٦ بيعت، فى يوليو الماضى، مقابل ١٨٠ ألف دولار، وأن واحدة من الميداليات الذهبية الأربع، التى فاز بها جيسى أوينز فى دورة ألعاب برلين ١٩٣٦، بيعت بـ١.٥ مليون دولار.

شراء الميداليات، من أصحابها أو عبر مزادات، قد يحل مشكلة ضعف الحصاد الأوليمبى لبعض الدول، بدلًا من قيامها بتجنيس لاعبين من دول أخرى، الذى يُعد أيضًا نوعًا من الشراء، وصار لدى بعض الدول وسيلة أساسية للفوز بالبطولات، خاصة بعد أن استفحلت تلك الظاهرة، وأصبحت بعض الدول تلجأ إلى «التجنيس المؤقت»، أو ما اصطلح على تسميته بـ«جواز سفر المهمات»، الذى يتم منحه لبعض اللاعبين لتمثيلها فى البطولات!

بوجود دول تحاول غسل سمعتها، أو تريد تعويض عقدة نقص، ومع كثرة عدد اللاعبين، الذين يرفعون شعار «اللعب لمن يدفع أكثر»، فقرًا أو جهلًا أو لأسباب أخرى، تم تفريغ بطولات كثيرة من معناها واسمها، كأن تذهب، مثلًا، غالبية ميداليات دورة الألعاب الآسيوية إلى لاعبين ينتمون إلى قارة إفريقيا. وكادت هذه المعادلة تفسد بطولة كأس العالم لكرة القدم، لولا أن الاتحاد الدولى للعبة، الفيفا، التفت مبكرًا إلى تلك الكارثة، ووضع ضوابط معقولة لـ«التجنيس»، بعد أن قال السويسرى جوزيف سيب بلاتر، رئيسه السابق، أمام «كونجرس الفيفا»، سنة ٢٠٠٢: «لن نسمح أن يأتى اليوم الذى نرى فيه منتخب البرازيل يلعب ضد البرازيل فى نهائى كأس العالم». تعليقًا على قيام بعض الدول بتجنيس لاعبين برازيليين.

.. وتبقى الإشارة إلى أن ميداليات أوليمبياد «طوكيو ٢٠٢٠» مصنوعة بالكامل من نفايات معاد تدويرها، بحسب اللجنة المنظمة، التى أوضحت أن معادن تلك الميداليات مستخرجة من ٧٩ ألف طن من أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الألعاب والكاميرات الرقمية، ما قد يؤثر على سعر تلك الميداليات، حال بيعها!