جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

صورة جديدة لتونس

بينما كانت دول ومنظمات، تحت مستوى الشبهات، تشيد بما شهدته تونس، منذ ٢٠١١، كانت صورة الدولة الشقيقة تتضرر بشدة نتيجة سلسلة أعمال إرهابية نفذها تونسيون فى عدة دول أوروبية، لدرجة أن وسائل إعلام فرنسية وصفتها بأنها «قاعدة خلفية للإرهاب، والمصدر الأول للإرهابيين فى بؤر التوتر»، ما جعل ٢٣ منظمة حقوقية تونسية، تستنكر كل «أشكال الحشر والخلط والوصم»، وتدعو، فى أول مايو الماضى، إلى إجراء حوار وطنى حول الإرهاب. 

كان ذلك بمناسبة الهجوم على مركز الشرطة الفرنسى، الذى نفذه المواطن التونسى جمال قرشان، أواخر أبريل الماضى، وأودى بحياة شرطية بمدينة «رامبوييه»، وهو ما أدانته هذه المنظمات، فى بيان، وصفت فيه هذا الهجوم بـ«العمل الشنيع والجبان»، ونددت بإرهاب الإخوان وسلوكهم المحرض على التطرف، واستنكرت استمرار حركة النهضة «الإخوانية» والتنظيمات والجمعيات المُوالية لها، وعلى رأسها «ائتلاف الكرامة»، فى ترويج الخطابات المُحرّضة على الكراهية والفتنة والعنف، عبر شبكات التواصل الاجتماعى، ووسائل الإعلام.

البيان، الذى توقفنا عنده وقتها، حمل توقيعات ٢٥ منظمة، أبرزها «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و«المنظمة الوطنية لمناهضة التعذيب» و«المرصد الوطنى للدفاع عن مدنية الدولة» و«النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين» و... و... جاء فيه أن «الأبحاث الأولية فى الملف تفيد بأن هذه الجريمة تدخل ضمن سلسلة الأعمال الإرهابية التى تقترفها حركات سياسية متطرفة تسمّى نفسها إسلامية، وتُوكل تنفيذها إما لأعوانها أو لعناصر ذات مُستوى ثقافى هزيل وقعت فريسة سهلة للخطابات التحريضية الحاقدة والمُضلّلة، التى ترعاها تلك التنظيمات». 

حركة النهضة كانت، ولا تزال، هى رأس الإرهاب، الذى يحرك أكثر من شبكة عنقودية، بين فرنسا وتونس، لخدمة أجنداتها فى فترات ضعفها السياسى وتراجع شعبيتها. والأكثر من ذلك، هو أن النائبة ليلى الحداد، عضو «حركة الشعب»، أكدت، أن جمال قرشان، منفذ عملية «رامبوييه» الإرهابية، زار البرلمان التونسى، بصحبة نواب من «ائتلاف الكرامة»، ودعت السلطات التونسية إلى ضرورة فتح تحقيق فى هذا الأمر ومحاسبة المتورطين فيه.

الحركة الإخوانية، التى يتزعمها راشد الغنوشى، رئيس البرلمان المجمّد، غنية عن التعريف، أما «ائتلاف الكرامة» فهو من الكتل السياسية التابعة، لتلك الحركة، ويعمل رئيسه، المدعو سيف الدين مخلوف، بالمحاماة، ويوصف بأنه «محامى الإرهابيين»، وكان محاميًا لأحد الإرهابيين اللذين فجرا نفسيهما، منذ سنة تقريبًا، قرب السفارة الأمريكية فى العاصمة التونسية. كما سبق أن قام بتهديد أحد القضاة خلال توليه الدفاع عن قيادات إخوانية أدينت فى قضية اغتصاب أطفال بإحدى المدارس الدينية فى محافظة سيدى بوزيد. كما حاول ذلك «المخلوف» مع بعض زملائه، أو أمثاله، تمرير إرهابية ممنوعة من السفر، وقاموا بالاعتداء على أمن المطار.

سواء زار جمال قرشان البرلمان التونسى أم لم يزره. وسواء فعل ذلك بصحبة نواب من «ائتلاف الكرامة» أو «حركة النهضة»، أو ذهب منفردًا، فالثابت، هو أنه قاد بتنفيذ هجومه على مركز الشرطة الفرنسى، بعد فترة قصيرة من زيارته تونس، ما أثار تساؤلات حول علاقته بعناصر إرهابية أخرى داخل البلاد. خاصة، بعد قيام السلطات التونسية، بعد أيام من الحادث، بالإعلان عن تفكيك خلية إرهابية مختصة بتقديم التمويلات المالية لعناصر خارج البلاد. 

لم تكن تلك هى المرة الأولى، التى يتم الكشف فيها عن خلية إرهابية تقدم تمويلات مشبوهة إلى العناصر الإرهابية الناشطة خارج تونس. إذ سبقها بأيام، تحديدًا فى ٧ أبريل الماضى، إعلان منير الكسيكسى، رئيس اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب، فى مؤتمر صحفى عن تجميد أموال ١٢٩ شخصًا وجمعية تونسية بعد رصد تلقيها تمويلات مشبوهة من أطراف تونسية وأجنبية لديها اتصالات وتحركات مالية فى تونس للاشتباه فى تمويلها الإرهاب.

قانون مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، الذى أقرته تونس، سنة ٢٠١٥، يتيح للسلطات تعقب التونسيين المتورطين فى قضايا إرهابية داخل البلاد وخارجها. غير أن المنظمات الحقوقية الـ٢٣، المشار إليها فى البداية، طرحت فى بيانها أو دعوتها، تساؤلات حول الطريقة التى أدارت بها الحكومات التونسية المتتالية، منذ ٢٠١١، المواجهة مع الإرهاب. وأكدت أن الدولة تخلت «عن مسئوليتها الأساسية فى التعليم والصحة والثقافة والعدالة، تاركة شرائح كاملة من المجتمع وأجهزة الدولة فريسة للأيديولوجيات المتطرفة والشبكات الإرهابية»، وأشارت إلى أن أصحاب تلك الشبكات لديهم إمكانات مالية ضخمة وحواضن إعلامية وسياسية تضمن لهم الحماية. 

صورة تونس تضررت كثيرًا. وتصدرت الدولة الشقيقة، بالفعل، قائمة الدول المصدرة للإرهابيين. وبعد قرارات الرئيس قيس سعيد، التى استرد بها للتونسيين وطنهم، نعتقد أن الوقت قد حان، لتصحيح هذا الوضع، وإعادة رسم صورة جديدة لتونس تمحو الأثر السيئ، الذى تركته عشر سنوات من وقوعها تحت سيطرة، أو فى قبضة، تلك الحركة الإرهابية.