جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

سقوط الغنوشى.. زعيم «إخوان تونس» يستقوى بالأجنبى ويطالب بالتدخل الخارجى

سقوط الغنوشي
سقوط الغنوشي

دون أى حياء أو خجل، طالب راشد الغنوشى، زعيم إخوان تونس، أوروبا بالتدخل فى تونس وممارسة ضغوط على الرئيس قيس سعيد للعودة عن قراراته. جاء ذلك فى حوار لصحيفة «كارييرا دى لا سيرا» الإيطالية، حيث استعمل لغة التهديد والوعيد محذرًا الإيطاليين من انتشار الفوضى فى تونس وبوصول نصف مليون لاجئ بين ليلة وضحاها إلى الشواطئ الإيطالية وجنوب المتوسط كله المقابل لتونس، ملوحًا بسلاح الإرهاب الذى ما إن تنطلق نشاطاته فى تونس، من خلال العمليات الإرهابية، حتى تقفز إلى الضفة الجنوبية من المتوسط- على حد زعمه. ولعل جملة التهديدات التى أطلقها مرشد إخوان تونس ترمى إلى بث الرعب فى مفاصل الاتحاد الأوروبى، وتخويف جيران تونس بالفوضى المزعومة التى ستعم وتنتقل عدواها على وجه السرعة، خاصة إلى إيطاليا وفرنسا، ويتضرر منها كامل أوروبا بمقدار الضرر لتونس وأكثر، مستعرضًا فى الوقت ذاته قوة الإخوان وأنصارها، ومهددًا بأنهم سينزلون الشارع، وتتحول البلاد إلى عنف واقتتال إذا لم تتدخل إيطاليا والدول الأوروبية وتمارس ضغوطها على الرئيس قيس سعيد لدفعه للتراجع عن قرارات الأحد الماضى.

التهديد بتدفق المهاجرين

استخدم الغنوشى جملة من الملفات شديدة الحساسية لدى الإيطاليين، على رأسها الهجرة غير الشرعية، زاعمًا أن جحافل من المهاجرين غير الشرعيين التوانسة والأفارقة على أهبة الاستعداد للتدفق إلى شواطئهم وتهديد أمنهم، وذلك فى محاولة للاستقواء بالأجنبى لدفعه للتدخل فى الشئون الداخلية.

لم يهمه أمر السيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطنى والديمقراطية المزعومة التى يتشدق بها فى كل تصريحاته، زاعمًا أن الرئيس سعيد لم يحترمها، فى حين يحاول الغنوشى أن يدوس عليها فى سبيل العودة للتمكن من مقاليد الحكم.

وتقول صحيفة «كارييرا دى لا سيرا» الإيطالية إن الغنوشى، البالغ من العمر ثمانين عامًا، يقع اليوم فى قلب العاصفة التى أطلقها الرئيس سعيد مع قراره إقالة الحكومة وتجميد البرلمان لمدة ٣٠ يومًا على الأقل. 

ووصفت الصحيفة كلام الغنوشى- بعد مقابلتها له لمدة أربعين دقيقة- بـ«المقلقة»، والقلق المقصود هنا يتمثل فى رسائل التهديد المبطن التى حاول أن يبعث بها إلى الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا بأن الخطر سيداهمها هى أولًا إذا لم يتراجع قيس سعيد عن قراراته، وتتم استعادة الديمقراطية الإخوانية المزعومة فى تونس قريبًا، معلنًا صافرات إنذاره بأن تونس ستنزلق بسرعة إلى الفوضى ويمكن للإرهاب أن ينمو، وستدفع زعزعة الاستقرار الناس إلى مغادرة تونس بأى شكل من الأشكال، معلنًا أن السيناريو المقبل المخيف للأوروبيين هو إقدام أكثر من ٥٠٠ ألف مهاجر على الوصول إلى السواحل الإيطالية فى وقت قصير للغاية. 

ويشير الصحفى فى مستهل الحوار إلى أن جائحة كورونا مستشرية بشكل متأزم فى جميع أنحاء البلاد، وأن الغنوشى نفسه أصابه الفيروس.

وواجه زعيم إخوان تونس بغضب الناس منه وانتقاداتهم له فى ضوء البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة والتحديات التى أضافتها الجائحة على الوضع المتردى أصلًا، فى حين أن هذا الغضب قابلته شعبية جارفة للرئيس سعيد وانعكس ذلك خلال الاحتفالات الشعبية بقراراته. 

ديكتاتورية «المجمد» 

الغنوشى أصر فى الحوار مع الصحيفة الإيطالية على عناده مكررًا رفضه كل قرارات الرئيس، مدعيًا أنه ارتكب أخطاء جسيمة، واستخدم مجددًا وصف ما حدث بـ«الانقلاب»، وأنه عمل ضد الدستور، وخارج عن القانون، زاعمًا أن «سعيد» يود جمع السلطات الثلاث فى يده «التنفيذية والتشريعية والقضائية» فى إشارة إلى نزعته الديكتاتورية.

والحقيقة أن «الغنوشى» نفسه هو الديكتاتور، حيث إنه الحاكم الوحيد والممسك بقبضة «النهضة» التى يترأسها منذ نحو ٥٠ عامًا، على أنها ملكية عائلية وليست حزبًا، بل دفع بزوج ابنته وعينه وزيرًا للخارجية بعد ٢٠١١ دون أى مؤهلات تذكر.

وقد عمد لحل المكتب التنفيذى لحركة النهضة الإخوانية عندما شعر بمعارضة متزايدة لعدد من الشباب له حتى يحبط محاولاتهم لاختيار رئيس جديد فى مؤتمرهم العام، متحديًا بذلك اللوائح الداخلية التى تفرض عليه تسليم القيادة بعد استيفاء مدتيه.

ويلجأ الغنوشى كالعادة إلى تهديداته بأن الإخوان سيرفضون القرارات بكل الوسائل، وأنهم سيقاومون من أجل عودة مجلس النواب المُجمّد ورجوعهم إلى مواقعهم، محذرًا: «يجب أن يفهم (سعيد) أن البرلمان يجب أن يعود إلى مركز آليات صنع القرار فى الدولة». 

ووجه إلى الصحفى كلامه وكأنه يصدر تعليمات لأنصاره: «يجب إخبار قيس سعيد بأن كل حكومة أو رئيس وزراء يعينه يجب أن يصوت ويوافق عليه البرلمان الحالى، ولا توجد وسيلة أخرى». 

وكان من الطبيعى أن يسأله الصحفى إذا ما كان لديه اتصال بالرئيس.. وكأنه يقول له «الأجدى لك أن تتصل به بنفسك من أن تطلب إبلاغه عن طريقنا بما تنوى عمله».

وأجاب «الغنوشى» بأنه لا يوجد هناك اتصال حتى الآن، مدعيًا أنه سيحاول ذلك مستدعيًا عباءة الحكماء دعاة الحوار، وأنه لا يزال من الممكن حل المأزق بالحوار. 

ولا أحد يدرى كيف الجنوح للحوار مفتوحًا و«الغنوشى» لا يتحدث إلا عن العنف والفوضى! لكن يبدو أنه لا يعرف حوارًا مع مؤسسات بلاده، وإنما مع وسائل الإعلام الأجنبية، وهذا هو كل ما حرص على القيام به منذ احتجاجات ٢٥ يوليو.

بل إن الحوار غائب حتى عن قيادات أو قواعد تنظيمه الإخوانى، الذى سارع العديد من عناصره إلى الإعلان، أمس الأول، عن رفضهم دعوات الغنوشى التحريضية على العنف ودعوته أنصار الحركة بالنزول إلى الشوارع.

وهذا ما ذكره، على سبيل المثال، سمير ديلو القيادى الإخوانى، وقد شهد شاهد من أهلها، موضحًا أن اللجوء للعنف وتعريض حياة التونسيين للخطر ومواجهة قوات الأمن «خط أحمر». 

وقال «ديليو» بالحرف إنه حاول تفسير موقفه ومعه قيادات أخرى فى النهضة لرئيس الحركة راشد الغنوشى بأن الأوضاع تغيرت «لكن هناك من اتهمنى برغبتى فى الحصول على منصب الغنوشى، وتمت شيطنتى، وهناك من قال إننى أرغب فى القفز من سفينة غارقة».

إذن «الغنوشى» وكيل الاستعمار، كما يطلق عليه شباب الحراك التونسى، وقد كان يعيش فى حمايته بعد هروبه من تونس خلال حكم بن على، لا يفلح الآن إلا فى التوجه إلى العواصم الغربية وبعث رسائل لها عن طريق وسائل إعلامها تارة بالتهديد والوعيد لما يجهز له مع أنصاره من نزول للشارع والتمرد على القرارات ونشر الفوضى وما تجره من عنف واقتتال وانتقال هذه الفوضى إلى أوروبا، وتارة أخرى باستعراض قوة الإخوان المزعومة والتعويل عليها كحليف لتلك الدول لتمرير مصالحها فى تونس، وأن تكون رهن الأمر والطاعة فى محاولة لاستجداء التدخل الأجنبى. وقد فعلها من قبل ونفذ أوامر «أسياده» عندما أقدم عام ٢٠١٢ على تسليم آخر رئيس وزراء ليبى فى عهد القذافى البغدادى المحمودى الذى كان مستجيرًا بتونس! 

تنصل من المسئولية

تنصل الغنوشى من المسئولية عن الأوضاع المتردية عندما واجهه الصحفى باتهامات التونسيين لـ«النهضة» بالفساد، والتسبب فى الأزمة الاقتصادية، والفشل فى إدارة الجائحة ضد «كوفيد»، فى مقابل تمتع الرئيس قيس سعيد بشعبية واسعة.

وقال إن الاتهامات ضد «النهضة» لا أساس لها، وإن الإخوان ليست لديهم مسئولية فى إدارة الشئون الاقتصادية وفى انهيار الرعاية الصحية، بل وتنصل حتى من علاقته بهشام المشيشى نفسه، رئيس الوزراء المقال، وأنكر أن يكون للإخوان أى وزير فى حكومته، مدعيًا أن «النهضة» حاولت دعمه فقط لتجنب الفراغ الحكومى، متناسيًا أنه كان يستخدم «المشيشى» كورقة ضغط على رئيس الجمهورية، مثلما استخدم من قبل رئيس الوزراء يوسف الشاهد ضد الرئيس الراحل الباجى قايد السبسى.

وقد حاول الغنوشى أن يفرض عليهما وزراء متهمين بالفساد، وإذا ما رفضا تبقى حقيبة الوزارة معطلة بدون وزير، ولتذهب مصالح الناس للجحيم!

أكاذيب ومغالطات

تابع الغنوشى أكاذيبه ومغالطاته فى الحوار مع الصحيفة الإيطالية زاعمًا أن الإخوان لا يحكمون فى تونس، وأن المدة المحدودة التى حكموها إبان الترويكا لم تتعد العامين، زادت خلالهما معدلات النمو الاقتصادى، لتصل إلى ٣٪، بينما انخفضت خلال السنوات الثمانى بعد ذلك لتصل إلى -٨٪، بانخفاض ١١ نقطة، مدعيًا أن شعبية «النهضة» عالية وأنها بريئة من التدهور الاقتصادى فى تونس كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب!

هذا الشيخ المخادع الذى يتنفس كذبًا قبلها بساعات معدودة، وعلى طريقة انحناءة مؤقتة للظهر لحين مرور العاصفة، حاول استعطاف الشعب التونسى بالاعتراف بالأخطاء فى المجالين الاقتصادى والاجتماعى، قائلًا إن «النهضة» تتحمل جزءًا من المسئولية عنها- على حد تعبيره لفرانس برس- وذلك بعد ثلاثة أيام من قرارات الرئيس قيس سعيد بإقالة الحكومة وتجميد عمل مجلس النواب فى محاولة منه لخداع الناس وتهدئة غضبهم ضد الإخوان والحد من الدعم المتزايد لقرارات الرئيس من قبل المواطنين والقوى السياسية والنقابات.

كما ناقض «الغنوشى» نفسه بشكل سافر فى ذات الحوار مع الصحيفة الإيطالية عندما يقول فى سياق الدفاع عن شعبية «النهضة» المزعومة إن نصف أعضاء المجالس البلدية فى جميع أنحاء البلاد هم أعضاء فى حزب النهضة الإخوانى، بما يعنى أنه يعترف بأنهم يسيّرون أمور البلاد على المستوى الجهوى؛ وأن أكثر من نصف التكتلات بمجلس النواب تقف مع النهضة.. فكيف لا يتحملون إذن المسئولية عن تدهور الوضع كما يدعى قبل ذلك، خاصة أنهم يسيطرون على البلديات والمحليات والبرلمان، دون ذكر لوبيهات «البيزنس» والتعيينات لأنصارهم، التى شارفت على نصف مليون وظيفة فى الوظائف العمومية وقيادات الشركات العامة والخاصة، وأقارب الغنوشى بالعشرات دون أى مؤهلات، الذين عينهم فى مجلس النواب مستشارين له بمرتبات متضخمة على حساب نزيف الخزانة العامة المفلسة؟!

مثقفون وسياسيون يدعمون الرئيس

وجهت ٣٠ شخصية، من المفكرين والأكاديميين والكُتّاب والإعلاميين والشعراء والمثقفين والفنانين، إضافة إلى سياسيين من مختلف الاتجاهات ومن كل الفئات العمرية- رسالة مفتوحة إلى الرأى العام الداخلى والدولى أكدت دعم استجابة الرئيس قيس سعيّد لمطالب الشعب التونسى.

وقال الموقعون على الرسالة إن قرارات الرئيس لا تعد انقلابًا على الدستور ولا على الشرعية، داعين إلى محاسبة كل من خالف القانون محاسبة قانونية دون أى تشفٍ ولا انتقام، ومطالبين الدول الصديقة إلى مساندة اختيارات الشعب التونسى التى تضمن له الكرامة والعزة والحرية.

وأكدوا أن «البلاد التونسية تعيش منذ إحدى عشرة سنة أزمة عميقة طالت كل المجالات، فبلغ النمو الاقتصادى أدنى مستوياته، وتقلص التصنيف السيادى لتونس فى المؤسسات الدولية، وتدهورت المقدرة الشرائية للمواطن، والتجأ المسئولون إلى الاقتراض والتداين بشكل مهول، مما رهن البلاد وسيادتها الوطنية»، مشيرين إلى أن المنظومة الصحية والتعليمية والإدارية قد تردت ترديًا لم تعرف له تونس مثيلًا قبل اليوم.

وأضافوا أن الإعلام، وهو السلطة الرابعة، قد أصبح فى جله تحت سلطة النهضة وحلفائها، باستثناء قلة من الإعلاميين المتمسكين بشرف المهنة.. إن مجال الثقافة، أساس التقدم الفكرى والحضارى للشعوب، قد وقع تهميشه بشكل مُفزع لدرجة أن رئيس الحكومة السابق اعتبر، فى تصريح رسمى، أن الثقافة لا تعدو أن تكون مجرد تسلية يمكن الاستغناء عنها، لافتين إلى أن الفساد ونهب المال العام قد استشرى فى أغلب مفاصل المنظومة السياسية التى أصبحت قائمة على حسابات «التموقع» السياسى، وعلى خدمة مصالح الأحزاب وخدمة «لوبيهات» متنفذة دون أى اكتراث بمصلحة الشعب والوطن. 

وذكروا أن بعض المنظومة القضائية قد تم اختراقه، فأصبح فى خدمة الإرهاب يخفى ملفاته ويحمى مموليه وداعميه، إضافة إلى حماية الفاسدين والتستر عليهم، فيما مجلس النواب لم يعد يقوم بوظيفته التشريعية، وإنما قد أصبح ساحة لمهاترات وصراعات وعنف متبادل لا سيما ضد النساء، كما أن تسييره كان يخدم مصلحة رئيس المجلس تنفيذًا لأجندة حزبه، حركة النهضة، بدلًا عن خدمة مصلحة الشعب.

وأكد الموقعون على البيان أنهم «متيقظون إزاء أى إمكانيّة لعودة الاستبداد أو استئثار جهة واحدة بالسّلطات، وحريصون على الانتقال الديمقراطى وعلى الحفاظ على مدنية الدولة والحريات العامة والمساواة بين المواطنات والمواطنين»، مطالبين كل الدول الأجنبية بعدم التدخل فى الشئون الداخلية التونسية، خاصّة عدم محاولات فرض مواصلة هيمنة الإسلام السياسى على المجتمع التونسى بعد أن قاسى منه الويلات طيلة العشرية الماضية.