جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حركة النهضة وقرارات الرئيس قيس سعيد

اختار الرئيس التونسي "قيس سعيد" الذكرى الرابعة والستين لإعلان الجمهورية التونسية، موعداً لاتخاذ قرارات سياسية جريئة، وتدابير استثنائية أحدثت جدلاً وحراكاً كبيراً في الفضاء السياسي التونسي والعربي، وكان أهم هذه القرارات هو إقالة حكومة هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه، وجاء التحرك الرئاسي التونسي استجابةً لتحركات شعبية تونسية خرجت يوم 25 يوليو، احتجاجاً على الأوضاع المأزومة التي تعيشها البلاد منذ ما يزيد على العام، وهي الأوضاع التي تجسدت بشكل رئيسي في تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والصراعات السياسية التي أدت إلى تأزم العلاقة بين السلطات الثلاثة، مما أدى إلى حالة من الفشل والتخبط، أوصلت تونس لما هي عليه اليوم.
بطبيعة الحال مثلت قرارات الرئيس التونسي ضربة قوية لحركة النهضة، خصوصاً وأن هذه القرارات جعلت الحركة تخسر المساحة البرلمانية التي كانت توظفها من أجل تمرير مشروعها في تونس والانطلاق منها للتحكم في كافة مفاصل الدولة، وبالتالي كان من الطبيعي أن تلقى قرارات "سعيد" معارضة كبيرة من حركة النهضة وحلفائها "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، وهي الأحزاب التي وصفت ما حدث بـ "الانقلاب على الشرعية"، كما أعربت العديد من التيارات الإسلامية في المنطقة فضلاً عن الحكومة التركية، عن رفضها لإجراءات الرئيس التونسي، وسارت على نهج حركة النهضة، في مشهد أعاد للأذهان بعض ملامح الحالة المصرية عقب الانتفاضة العشبية في 30 يونيو 2013، والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين.
لكن اللافت هو أن حركة النهضة وبعد أن طغى عليها "الثورية" مع بداية هذه التغيرات في تونس، وهو ما تجسد في حشد الأنصار والدعوة للتظاهر ورفض قرارات الرئيس "سعيد"، عادت مرة أخرى بعدها بيومين فقط وأعلنت أنها تدعو إلى "مزيد من التضامن والتآزر والوحدة والتصدي لكل دعاوي الفتنة والاحتراب الأهلي"، كما طالبت الحركة أنصارها "بوقف التصعيد، وإنهاء الاعتصام أمام البرلمان"، وأضافت الحركة أنها "مستعدة لانتخابات تشريعية ورئاسية مُبكرة ومُتزامنة، من أجل ضمان حماية المسار الديمقراطي وتجنب كل تأخير من شأنه أن يُستغل كعذر للتمسك بنظام استبدادي"، وطالبت الحركة بـ "إطلاق حوار وطني للخروج من الأزمة التي تمر بها البلاد".
وهو الموقف الذي يمكن قراءته في ضوء أمرين:
1- التأييد الواضح الذي حظيت به قرارات الرئيس قيس سعيد من العديد من القطاعات المجتمعية التونسية، وهي الفئات التي كان جزء منها من أنصار الرئيس قيس سعيد والتنسيقيات المحيطة به، والجزء الآخر هو من عموم المجتمع التونسي الساخط على الأوضاع، والذي ينظر إلى حركة النهضة على أنها أحد الأسباب الرئيسية لوصول تونس إلى هذه النقطة، في ضوء ما حدث من فساد، وتدمير للمؤسسات، ورفض للتعاون مع القوى التونسية الأخرى، والسعي لجعل تونس تدور في فلك المشروعات الإقليمية المُتبنية للإخوان المسلمين في المنطقة.
بالإضافة لذلك يبدو أن حركة النهضة أدركت مع عدم قدرتها على حشد الجماهير في تونس في الساعات الأولى لهذه القرارات، أن حاضنتها المجتمعية والشعبية قد تآكلت، وهو ما فرض على الحركة إعادة النظر في الآلية الأمثل للتعاطي مع هذه المتغيرات التي تشهدها الساحة التونسية.
2- الأمر الثاني الذي يجب النظر في ضوءه إلى موقف حركة النهضة، هو ديناميكية وبراغماتية حركة النهضة، بما يميزها عن كافة التيارات التي تدور في فلك الإخوان المسلمين في المنطقة، فالحركة منذ أن وصلت إلى الحكم في تونس أثناء ما اصطُلح على تسميته بحكم الترويكا (نهاية 2011 – أوائل 2014)، لم تغادره حتى اليوم، وكان زعيم الحركة "راشد الغنوشي" قد ردد عبارة في المؤتمر العاشر لحركة النهضة عام 2016، لها دلالات كبيرة، حيث قال: "حزب النهضة حزب حكم"، فالهدف الرئيسي للحركة هو مسألة الحكم، سواءً عبر قيادة منظومة الحكم، أو عبر المشاركة فيه، وبناءً عليه يتبنى إخوان تونس مواقف أكثر "ديناميكية" وقد تبدو أكثر "عقلانية" من جل تيار الإخوان في المنطقة، بما يضمن السيطرة على منظومة الحكم أو المشاركة فيها.
تواجه الدولة التونسية في المرحلة المقبلة العديد من التحديات، منها ما يرتبط بأزمات خانقة تواجه الدولة مثل: أزمة كورونا، والأزمة الاقتصادية الحادة، ومنها ما يرتبط باحتمالية تبني حركة النهضة لمواقف مناهضة للرئيس قيس سعيد في الفترة المقبلة بما يعيد البلاد إلى نفس الحلقة المفرغة، لكن يظل الرهان على قدرة الرئيس سعيد على إيجاد حلول وبدائل اقتصادية، تتزامن مع فتح ملف الفساد في تونس، واتخاذ إجراءات للحد من انتشار فيروس كورونا، والأهم من ذلك هو بلورة رؤية سياسية تحافظ على الدولة الوطنية التونسية، ومؤسساتها، ومُكتسبات الثورة التونسية.. حفظ الله تونس.