جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أبعاد عولمية لكورونا

يعنيني الشق الثقافي من العولمة هنا فوق ما يعنيني غيره؛ فالعولمة لها مجالات متعددة ضمنها العولمة الثقافية (العولمة الاقتصادية، العولمة السياسية، العولمة الإعلامية).. وشهير أن العولمة الثقافية تومئ إلى سيطرة الثقافات الأقوى على الأضعف!
العولمة، ابتداء، إعطاء الشيء طابعا عالميا، والكلمة تشير إلى "جريان الحياة في العالم كمكان واحد أو قرية واحدة صغيرة" هكذا يبسط المعجم اللغوي مفهومها فلا يجعلني في حاجة هنا إلى شرح مستفيض للمسألة، قد يحير القراء ويشتت الأذهان..
كي تنجح العولمة الثقافية فلا بد من ذوبان الثقافات في واحدة تنتظم الجميع، وبالأدق امحاء الثقافات أمام ثقافة جديدة تكون المسيطرة (تُعَرَّف العولمة الأمريكية، كمثال، بأنها الاتجاه الأمريكي للسيطرة على العالم) وبهذا لا يكون مجال لتعدد الثقافات وتنوعها؛ فالتعدد والتنوع يناقض المفهوم العولمي في الصميم!
أكاد أسمع سؤالا بديهيا من جماعة القراء الآن: ما علاقة مقالتك بكورونا؟! وأقول، بلا مواربة، إن العلاقة وطيدة في الحقيقة؛ فالمتأمل لآثار الوباء في شتى أنحاء العالم يشم العولمة ويكاد يلمسها، وبالأساس هي مرتبطة بتهديدات مثل تفشي الأوبئة القادرة على تخطي المسافات، والملاحظ أن هذه الآثار زحفت على كثير من العادات والتقاليد التي كانت تميز الشعوب، وحاولت صبغها بصبغتها، وصهرها في بوتقة جامعة. هل تواصلنا الاجتماعي، بعد كورونا، هو نفسه تواصلنا قبله؟ هل أفراحنا هي أفراحنا؟ وجنائزنا هي جنائزنا؟ هل خروجنا إلى الشواع هو خروجنا المعتاد؟ وعودتنا إلى البيوت هي عودتنا المألوفة؟ هل نظامنا الشكلي هو نظامنا ولم يتغير؟ وخواطرنا الداخلية هي خواطرنا ولم تتبدل؟ هل أطعمتنا وأشربتنا بقيت كما كانت؟ هل تعاملنا مع الأشياء استمر على حاله؟ هل اهتماماتنا بالقراءة والمشاهدة هي ذات الاهتمامات السابقة؟..
عشرات الأسئلة يمكن أن نطرحها على أنفسنا، والإجابة القطعية: لا؛ لم يعد شأن واحد كما كان!!
لا يعني قولي طبعا أن كورونا وهم أو لعبٌ محضٌ بالكلام، وإلا كنت أنا الواهم وكنت أنا اللاعب بالكلام؛ فضحاياه في العالم بالملايين بين صرعى ومرضى طالت الأيام دون تعافيهم، لكنه قد يعني أن الوباء يستخدم استخداما ماكرا لتحقيق منافع عولمية من خلاله، وقد يعني أيضا أن الوباء مصنوع أصلا بواسطة بشر، هم الأشرار طبعا، لتغيير الأنماط الراسخة للناس في البلدان، ومن ثَمَّ محو ثوابتهم بأية صورة لصالح نمط واحد مُعَدٍّ سلفا، والمعنى هكذا أن الفيروس المستجد ليس بأمر قَدَرِيٍّ لامتحان صبر الإنسانية!!
لا أظنني جامحا بالخيال حين أثبت فكرتي في وقتها الصحيح، أو الذي أراه كذلك، بعد أن كثر الحديث المتناقض بدائرة الوباء، وتخبطت الآراء، وعجز الطب والعلم عن إيجاد حلول نهائية لإزاحته، كأن قوة هائلة تمنعهم، بينما الفترة التي نحيا بين ضلوعها فترة عولمية بامتياز، لا تخجل من الاستغلال والإبادة!