جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أشرف زكى.. دفاعًا عن الفن

تبرّأت الفنانة حلا شيحة من الفن واعتبرت أنه «باطل»، ولذلك قام د. أشرف زكى، نقيب الممثلين ورئيس أكاديمية الفنون، بشطب الأستاذة من النقابة، وفسّر قراره بقوله: «كل إنسان يرى الفن حرامًا لا مكان له فى النقابة».

إلى هنا والمشكلة بين النقابة والست «حلا»- التى تنقلت ما بين الوعظ والتمثيل ووضع الحجاب وخلعه مئات المرات- وإذا بحاتم الحوينى، الداعية، يهاجم د. أشرف زكى، ويخرج على الناس ليجدد الدعوة إلى تحريم الفن، وبالمرة يسب بأحقر الألفاظ د. أشرف زكى.

وبلغت وضاعة «الحوينى» أن يكتب على صفحته فى «فيسبوك» مخاطبًا أشرف زكى: «أهل بيتك كما يقول الناس يتاجرون بأجسامهم ويعرضونها للبيع فى خلاعة وفجور وفسق مقابل جنيهات تحت مسمى الفن الهابط الساقط السافل»! وألحق ذلك بقوله: «يا دكتور أنت ديوث»! فقدم أشرف زكى بلاغًا لإدارة مكافحة جرائم الإنترنت ضد «الحوينى»، وتمسك بمقاضاته.

ولقد وقف الفنانون جميعًا إلى جوار د. أشرف زكى، ليس فقط لما يتمتع به من محبة واحترام بينهم، ولكن أيضًا لأن جريمة «الحوينى» أبعد من أن تكون خلافًا شخصيًا، فهى تتصل بوضع كل أولئك الدعاة الذين يخرجون من كهوفهم الحجرية بسكاكين وجنازير تحريم وتحقير الفن والفنان.. ما زلنا إذن نعانى من كل تلك الظُلمة التى تمت فى عتمتها قتل فرج فودة فى يوليو ١٩٩٢، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ فى أكتوبر ١٩٩٥، وتكفير طه حسين قبل ذلك، وتكفير قائمة طويلة من الفنانين بعد ذلك.

إنه التاريخ الأسود لبرابرة الكهوف الحجرية، الذين يحرمون الفنون والموسيقى، فى حين أن ترتيل القرآن الكريم قائم على مقامات موسيقية، وكان الشيخ الراحل مصطفى إسماعيل أحد أعظم من رتّل القرآن الكريم بالمقامات الموسيقية.

ما زالوا يعدون الفن جريمة، بينما كتب سيد قطب، أحد أبرز مفكرى الإخوان المسلمين، كتابه الشهير «التصوير الفنى فى القرآن» عام ١٩٤٨، ليثبت على حد قوله: «إن الجمال الفنى الخالص فى القرآن الكريم عنصر مستقل بجوهره».

وفى ذلك يقول: «إن علينا أن نبحث عن منبع السحر فى القرآن.. وإننا لنستطيع أن ندع- مؤقتًا- قداسة القرآن الدينية، وأغراض الدعوة الإسلامية، وأن نتجاوز حدود الزمان والمكان، ونتخطى الأجيال والأزمان، لنجد بعد ذلك كله هذا الجمال الفنى الخالص، عنصرًا مستقلًا بجوهره، يتملاه الفن فى عزلة عن جميع الملابسات والأغراض».

فى الفن إذن، وبفضل الفن يكمن الإعجاز، ويتحدث قطب عن موسيقى القرآن قائلًا: «إن النسق القرآنى أخذ من الشعر الموسيقى الداخلية.. وحيثما تلا الإنسان القرآن أحس بذلك الإيقاع الداخلى.. والإيقاع الموسيقى هنا متوسط الزمن تبعًا لتوسط الجملة الموسيقية فى الطول، متحد تبعًا لتوحد الأسلوب الموسيقى».

وهكذا لا يُحرّم الدين الفن، ولم يُحرّمه قط، بل كان الفن والموسيقى والصورة الأدبية وسيلة لتقريب المعانى إلى الناس واستمالة قلوبهم إلى الإيمان، ومع ذلك ما زال البعض يخرج من كهفه بالجنازير، ويصرخ بتحريم الفن، ثم يتجرأ بوقاحة على شتم وسب رئيس أكاديمية الفنون لأنه رفض تحقير الفن، أظن أن الدين لم يدفع الناس قط إلى التطرف، لكن الناس هم الذين يدفعون بالدين إلى التطرف.

وتبقى معركة الدفاع عن الفن تستدعى كل فنان وكل قلم وكل كلمة ونغمة وصورة.