جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

السد الإثيوبى وتفعيل الإمكانات

هو السد الإثيوبى وليس سد النهضة، فهذا السد إذا كان يحقق لإثيوبيا النهضة، فبأسلوبها وممارساتها الحالية لا يسبب لنا نهضة من أى نوع، ولذا فهو السد الإثيوبى. لا شك أن إصرار إثيوبيا على ملء السد بمقدار ٧٤ مليار متر مكعب، خلال خمس سنوات، دون اتفاقيات ملزمة بطريقتى الملء والتشغيل، يمثل التعنت كل التعنت، بل والخطر كل الخطر.

مشكلة السد من أخطر المشاكل التى واجهتها مصر طوال تاريخها، حيث إن المواجهات العسكرية التقليدية التى تنتهى بمنتصر ومغلوب لا تقاس ولا تقارن بمشكلة السد، حيث إن المواجهة العسكرية يتم تعويضها وتحديثها طوال الوقت، ولكن مشكلة السد هى مشكلة وجودية، إما نكون أو لا نكون.

فالنيل هو مياه أى حياة.. هو تاريخ وحضارة.. هو فن وثقافة.. هو المعبر عن الحب والمحفز على تحقيق الآمال. ولا شك أن مصر قد استعملت ومارست كل الوسائل والأساليب السياسية والدبلوماسية والأخوية تأكيدًا لحسن النية وتمسكًا باستراتيجيات السياسة والدبلوماسية المصرية طوال التاريخ، التى تتلخص فى عدم التدخل فى شئون الآخر، مع عدم التدخل فى شئوننا، فى الوقت الذى تساعد مصر فيه كل الدول لتحقيق التنمية للشعوب فى إطار الوحدة الإنسانية. 

ولذلك طالت المفاوضات الماراثونية بلا نتيجة غير الالتفاف الإثيوبى تحت مسمى المفاوضات، فى الوقت الذى تستمر فيه فى البناء بقرارات منفردة إسقاطًا للقانون الدولى وللاتفاقيات الثنائية.. فهل سنكتفى بتلك المفاوضات فقط؟ 

لا شك أن المواجهة تعنى أن تكون هذه المواجهة بكل الأساليب وبتفعيل كل الإمكانات المتاحة تفعيلًا صحيحًا وواقعية لتحقق النجاح والوصول إلى الهدف.

البعض هنا يختصر المواجهة فى إطارها العسكرى فقط. نعم المواجهة العسكرية عند اللزوم لا بد منها، أيًا كانت النتائج. ولكن فى إطار المتغيرات الدولية والإفريقية والعربية والمحلية، سواء كانت هذه المتغيرات إيجابية أم سلبية. تلك المتغيرات التى جعلت الدول الآن تفعل كل إمكاناتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية إعدادًا واستعدادًا للمواجهة الأخيرة، وهى المواجهة العسكرية، حيث إن تفعيل جميع الإمكانات لا بد أن يكون إعدادًا للمواجهة العسكرية. 

أما الوضع الآن فقد تم الملء الثانى فى جو من التحدى لا يمثل الواقع الإثيوبى بأى شكل من الأشكال، ولكنه الغرور والتعنت اللذان يعتمدان على إمكانات ومساعدات الآخرين، خاصة أن إثيوبيا وموقعها من القرن الإفريقى جعل الجميع يتسابق للوجود هناك، حيث إن القرن الحالى سيكون هو القرن الإفريقى. وعلامة ذلك هو اجتماع مجلس الأمن الأخير الذى أوضح كل المواقف التى لا تعمل لغير مصلحتها بعيدًا عما يسمى بالعلاقات الاستراتيجية أو غيرها من علاقات. 

وعلى ذلك وجدنا مصر تسير فى عدة اتجاهات.. المفاوضات لإثبات حسن النية والالتزام بالقانون الدولى، فى الوقت الذى تقوم فيه الدولة بإعادة صياغة الاستعمال المائى زراعة وتصنيعًا واستعمالًا شخصيًا. كما أن مخزون المياه الاستراتيجى فى بحيرة ناصر، والذى يصل إلى أكثر من ضعف حصة مصر فى مياه النيل يجعلنا ندير الأمور بشكل أكثر هدوءًا. والآن وجدنا تصريحات إثيوبية تطلب إعادة المفاوضات مرة أخرى برعاية إفريقية وأن إثيوبيا مستعدة لعقد اتفاقيات ليست نهائية!!! مع تحسين الصورة بأن الملء الثانى لم يضر مصر ولا السودان، وذلك ليس كرمًا منهم، ولكنه عدم النجاح فى الانتهاء من البناء، الذى كان سيستوعب كمية مياه الملء الثانى. وهذا يعنى أن الحركة ستكون فى نفس المكان ولا جديد؛ لكسب الوقت والمراوغة، التى أكسبت إثيوبيا موقفًا دوليًا مضللًا، ولذلك لن تكون مفاوضات إفريقية دون مشاركة دولية ضامنة وليست شاهدة أو مراقبة. 

وفى نفس الوقت لا بد من تفعيل كل الإمكانات، وعلى رأسها، حاليًا، التحرك فى مجال الدبلوماسية المصرية، وعلى أرضية ما تم فى مجلس الأمن؛ لتصحيح الصورة وإقرار الحقائق. لا بد من التحرك لوضع خطة إعلامية على أرضية مهنية بعيدًا عن الشعاراتية إلى تثير العواطف ولا تحفز العقول وتعصف بالأفكار. لا بد من خطة ثقافية توجه إلى الدول الإفريقية لإعادة إحياء العلاقة المصرية الإفريقية.

ويجب كذلك إعداد الجبهة الداخلية فى إطار التوحد لمواجهة أخطر التحديات التى تصيب الجميع بلا استثناء.. قيام الأحزاب بدور حقيقى فى الشارع أو المقالات لتقوية الروح المعنوية التى تلعب عليها إثيوبيا مع شعبها، على الرغم من التفكك والقبلية والحروب الأهلية فى إثيوبيا. المواجهة مصيرية وتحتاج تفعيل كل الإمكانات وتوحد مصر بالمصريين. حفظ الله مصر وشعبها العظيم.