جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

تاريخ لن ننساه «10».. ظهور الجماعات الإرهابية علنا


منذ منتصف الثمانينات، بدأت الدولة تخلى بعض المناطق العشوائية في معظم المحافظات للجماعات الإسلامية، حيث بدا ظهورَ أعضاءِ الجماعاتِ الإسلاميةِ بزيهمْ المميزِ، عبارةً عنْ جلبابٍ أبيضٍ قصيرٍ يغطي سروال طويلٍ معَ إطلاقِ اللحيةِ، كما ظهرتْ الندواتُ الأسبوعيةُ التي تعقدُ بانتظامِ في أيامٍ محددةٍ في الأسبوعِ، وكانتْ تلكَ الندواتِ تعقدُ في أحدِ المساجدِ المتروكةِ منْ وزارةِ الأوقافِ. واستغلوا ابتعاد الدولة عن المناطق العشوائية، وكان الدولة تركتها لهم.
فقاموا بإنشاءِ مساجدَ على بعضِ قطعِ الأرضِ الخاليةِ المملوكةِ للدولةِ. كما استولوا على المساجدِ التي حاولَ أصحابها تشييدها ولمْ تستكملْ. وكانوا يختارونَ أماكنُ تلكَ الندواتِ في الأماكنِ التي تزدادُ فيها الكثافةُ السكانيةُ منْ المناطقِ الشعبيةِ والفقيرةِ والمحرومةِ منْ خدماتِ الدولةِ.
في ندوةِ الثلاثاءِ التي عقدتْ في 4 مارسَ 1986 التي عقدتْ بمسجدٍ الرحمنِ بمنطقةِ أرضِ المولدِ الشعبيةِ بمدينةِ المنيا، دعا أميرُ الجماعةِ الإسلاميةِ الذي كانَ يخطبُ في الندوةِ زملائهِ منْ أمراءِ الجماعاتِ في المناطقِ المختلفةِ إلى الاهتمامِ بقضايا العبادِ، ومنها عقدُ جلساتِ الصلحِ بينَ المسلمينَ المتخاصمينِ وتقديمِ الفتاوى لهمْ في شئونِ دينهمْ، وقضاءُ حوائجهمْ، وتحقيقَ العدالةِ بينهمْ، وإقامةُ الحدودِ الشرعيةِ ما دامَ الحاكمُ الكافرُ قدْ نكصَ عنْ تطبيقِ الحدودِ الشرعيةِ وإقامةُ العدلِ. 
وأعلنَ الأميرُ أنهُ مستعدٌ لاستقبالِ المواطنينَ وبحثِ شكاواهمْ والعملُ على حلها، كانَ هذا في الوقتِ الذي تقفُ قواتِ الشرطةِ برئاسةِ لواءِ وعددَ آخر منْ قياداتِ الشرطةِ بالقربِ منْ الندوةِ، ففي يومِ 10 مارسَ 1986 عقدتْ ندوةً بمسجدِ الفتحِ بأسيوط , وحدثَ أثناءَ انعقادِ الندوةِ احتكاكَ بينَ طالبِ منْ الموجودينَ في الندوةِ وكانَ يرتدي الزيُ المميزُ للجماعاتِ الإسلاميةِ ومخبرٍ سريٍ تابعٍ لأمنِ الدولةِ بسببِ تواجدِ المخبرِ حولَ الندوةِ , وتطورَ الاحتكاكِ إلى مشاجرةٍ تجمعَ فيها أعضاءُ الجماعةِ الإسلاميةِ , وحاولوا التعديَ على المخبرِ , فقامَ المخبرُ بإطلاقِ النارِ عليهمْ منْ السلاحِ الذي يحملهُ , أصابتْ الرصاصةُ أحدَ أعضاءِ الجماعةِ الإسلاميةِ شعبانْ عبدَ الرحمنْ راشدٍ وكانَ طالبا بكليةِ الطبِ . تم نقلُ عضوِ الجماعةِ المصاب إلى المستشفى الجامعيِ بأسيوط. وزارهُ محافظُ الإقليمِ ورئيسِ الجامعةِ
تصادفَ هذا معَ حدثَ آخر وقع في جامعةِ أسيوط، فقدْ طلبَ أحدُ ضباطِ الحرسِ الجامعيِ في أسيوط بطاقةَ تحقيقِ الشخصيةِ منْ أستاذٍ جامعيٍ لمْ يتعرفْ عليهِ الضابطُ أثناءَ دخولهِ منْ بوابةِ الجامعةِ، وهوَ الأمرُ الذي اعتبرهُ عضوُ هيئةِ التدريسِ إهانةَ شخصيةٍ لهُ، ثارَ الأستاذُ الجامعيُ وحرضَ زملاءهُ على الثورةِ مدعيا أنَ الأمنَ أهانهُ. 
في اليومِ التالي عقدتْ ندواتٍ في كلياتِ الهندسةِ والتجارةِ والطبِ، وكلها تنددُ بالشرطةِ وتطالبُ بالقصاصِ منْ ضابطِ الحرسِ الذي أهانَ الأستاذُ. 
وفي 12 مارسَ عقدَ أعضاءِ هيئةِ تدريسِ التدريسِ بالجامعةِ اجتماعا بناديَ هيئةِ التدريسِ حضرهُ محافظُ أسيوط ومديرِ الأمنِ، طلبَ الدكتور محمد حبيب الكلمةَ، وهو أحدُ المحسوبينَ على جماعةِ الإخوانِ المسلمينْ، وبدأ ينتقدُ نظامَ الحكمِ ووصفهُ بالاستبدادِ والرعونةِ، وعددَ مساوئِ الحكمِ وقتها، وأشارَ إلى مديرِ الأمنِ وقالَ لهُ: - أنتَ تتحملُ دمَ المصابِ. 
لمْ يتحملْ مديرُ الأمنِ والمحافظِ ما قيلَ في الاجتماعِ الذي عقدَ في جامعتهمْ لترضيةِ أساتذةِ الجامعةِ وامتصاصِ غضبهمْ بسببِ ما حدثَ لواحدِ منهمْ معَ ضابطِ حرسِ الجامعةِ. ولمْ يفلحْ رئيسُ الجامعةِ ولا نائبيهِ في السيطرةِ على مشاعرِ الأساتذةِ التي هيجها الأستاذُ الملتحي. وانصرفَ المحافظُ ومديرُ الأمنِ وانفضَ الاجتماعُ. 
وفي يومِ 13 مارسَ تدهورتْ حالةَ الطالبِ المصابِ، وبعدها وصلتْ طائرةً خاصةً منْ رئاسةِ الجمهوريةِ وحملتْ الطالبَ إلى مستشفى القصرِ العينيِ، ولكنَ الطالبَ توفيَ يومُ 16 مارسَ، وفي محاولةٍ لتهدئةِ الأمورِ وعدمِ التصعيدِ أمرَ وزيرِ الداخليةِ بانَ يقومُ والدَ الطالبِ المتوفى ووالدتهِ بتأديةِ فريضةِ الحجِ على نفقةِ وزارةِ الداخليةِ، كما استقبلهما رئيسُ الجمهوريةِ بناءً على توصيةٍ منْ أجهزةِ المعلوماتِ والأمنِ. 
كما عقدتْ الجماعاتُ الإسلاميةُ اجتماعاتٍ في المساجدِ للمطالبةِ بالقصاصِ منْ رجالِ أمنِ الدولةِ وضباطِ الشرطةِ، ووزعتْ منشوراتٍ للحضِ على الثأرِ منْ القاتلِ قبلَ أنْ يجفَ دمُ الشهيدِ. وطالبوا الشرطةَ بتسليمٍ القاتلِ محاكمتهُ والقصاصُ منهُ بمعرفةِ الجماعةِ الإسلاميةِ. 
كما عقدتْ في بعضِ المساجدِ التابعةِ للجماعاتِ الإسلاميةِ ( مسجدُ عمرْ بنْ الخطابْ والفتحُ والمبرةُ بالمنيا ) محاكماتٍ لبعضِ المواطنينَ الذينَ تمَ ضبطهمْ وهمْ في حالةِ سكرٍ, بمعرفةِ فرقِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنْ المنكرِ التابعةِ لهمْ, وهيَ الفرقُ التي شكلتْ منهمْ على غرارِ الفرقِ الموجودةِ بالمملكةِ العربيةِ السعوديةِ, وبعضَ دولِ الخليجِ لمراقبةِ أداءِ الناسِ للعباداتِ ومعاقبتهمْ, وتمَ جلدهمْ علانيةِ عقبِ صلاةِ المغربِ على مشهدِ منْ أفرادِ تلكَ الجماعاتِ وبعضِ المواطنينَ منْ جيرانِ المجنيِ عليهمْ , وقاموا بتهديدِ المجنيِ عليهمْ بأنهمْ سيجلدونَ مرةٍ ثانيةِ لوْ أبلغَ الشرطةَ, وبالفعلِ لمْ تصلْ إلى أقسامِ الشرطةِ أيَ بلاغاتٍ منْ هذا النوعَ. 
وبدأتْ المنازعاتُ الماليةُ بينَ الناسِ تأخذُ طريقها إلى المساجدِ التابعةِ للجماعاتِ لحلها بمعرفةِ أمراءِ الجماعةِ ومجلسِ الشورى واقتراحِ الحلولِ الشرعيةِ لها، وكانَ منْ يقعُ عليهِ عبءُ الدفعِ يلزمُ بالأداءِ الفوريِ، وإذا ماطلَ أوْ راوغَ يزجرُ ويضربُ. وتطورَ الأمرُ إلى منازعاتِ الأحوالِ الشخصيةِ، وعلى الأخصِ النزاعَ بينَ الأزواجِ حولَ منقولاتِ الزوجيةِ، وكانوا يسألونَ الزوجةُ الراغبةُ في الطلاقِ عنْ أداءِ زوجها للصلاةِ، فإذا أقرتْ أنهُ لا يؤدي الصلاةَ سألوهُ عنْ سببِ عدمِ تأديتها، إذا أنكرهها اعتبرتْ طلقوا زوجتهُ لكفرهِ، ويلزموهُ بردِ منقولاتِ الزوجيةِ.