جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الفيلسوف والسياسة».. كيف رد عبدالرحمن بدوي على بنسالم حميش حول تلك المسألة

عبد الرحمن بدوي
عبد الرحمن بدوي

تمر اليوم الذكرى 19 لرحيل أحد أهم وأبرز فلاسفة العالم العربي عبد الرحمن بدوي والذي ولد في الـ17 من فبراير 1917، ورحل في الـ25 من يوليو 2002، بدءا حياته الفكرية وجوديا وانتهى به الأمر كواحد من كواحد من أبرز مفكري عالمنا العربي.

يكشف كتاب "كنت معهم حيث هم" الصادر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع  لوزير الثقافة المغربي الأسبق بنسالم حميش حول رأي المفكر عبد الرحمن بدوي في عمل الفيلسوف بالسياسة، عبر الإجابة عن سؤال "يظهر أن الفكر الفلسفي لا حول له ولا قوة في توجيه السياسة ولا حتى التأثير في مسارها.. فهل على الفيلسوف أن يحذو حذو المؤرخ فيكتفي بمشاهدة ما تفرضه طبيعة السياسة من قواعد وسلوكيات؟

وجاءت إجابة عبد الرحمن بدوي: من المستحسن ألا يشتغل الفيلسوف بالسياسة العملية داخل هذا التنظيم السياسي أو ذاك، وذلك حتى يحافظ على حريته الحيوية وطاقته النقدية اللتان بدونهما لايستطيع أن يمارس أو أن ينمي فكرة. إن للحزب اليوم في كثير من الدول مفهوما رهيبا وبنية مخيفة تسحق الفرد وتبطش به إن هو زاغ أو تمرد. لهذا نجد كثيرا من المفكرين ذوي النزعة الحرة ممن بدأوا بالانضمام إلى حزب معين لا يلبثون أن يصطدموا به ويصبحوا من أعدائه أو أن يسكنوا ويدخلوا في ظلماته. فلا تصدق أن الفلسفة قد أثرت في سياسة أي حزب ولا أن أي فيلسوف، قديما أو حديثا، استطاع أن يوجه السياسة العامة في بلاده أو داخل حزبه.

وتابع: السبب في نظري أن السياسة مضادة للعقلية الفلسفية، من حيث إنها تقوم على الخداع والقيم الميكافيللية وتملق مشاعر الجماهير. فكيف للفيلسوف أن يؤثر فيها وهي على ما ذكر من الخصائص والطبائع؟ للفلسفة أن تدرس السياسة وتحلل الأوضاع القائمة وتقترح المشاريع والحلول الجديرة بتنظيم المجتمعات والعلاقات الدولية وتوجيه حياة الانسان نحو مستقبل أمثل. ولكن مهمتها تقف عند هذا الحد ولا تتعداه.. فهل أفلح أرسطو مثلا في توجيه سياسة الإسكندر؟ كلا، بل بالعكس أتى هذا الإمبراطور من الأفعال حتى مع أقرب المقربين إليه مما لا يمكن أن يتفق مع مبادئ السياسة أو الأخلاق عند أرسطو. أما محاولة حاكم صقلية ينوسيوس تطبيق أفكار أفلاطون فإنها إنذار رهيب لكل فيلسوف تسول له نفسه الاشتغال بالسياسة العملية المباشرة، ذلك أن الأمر انتهى بالحاكم المذكور إلى غرفة الديون.