جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

في ذكراه.. عبد الرحمن بدوي صاحب «مشكلة الموت»

عبد الرحمن بدوي
عبد الرحمن بدوي

تمر اليوم الذكرى 19 لرحيل أحد أهم وأبرز فلاسفة العالم العربي عبد الرحمن بدوي والذي ولد في الـ17 من فبراير 1917، ورحل في الـ25 من يوليو 2002، بدأ حياته الفكرية وجوديا وانتهى به الأمر كواحد من أبرز مفكري عالمنا العربي، يمكن الإشارة إلى أن ما أضاف لمشروع بدوي الفكري هو إجادته التامة للعديد من اللغات منها الفرنسية والألمانية والإيطالية والأسبانية واليونانية واللاتينية والإنجليزية والفارسية بالإضافة إلى اللغة العربية، والوحيد الذي منح لقب فيلسوف من قبل طه حسين في وقت مناقشته لرسالة الدكتوراه والتى كان واحدا من المشرفين على الرسالة والتى جاءت تحت عنوان "مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية والزمان الوجودي" قال له طه حسين "لأول مرة نشاهد فيلسوفاً مصرياً".

ويشير كتاب "كنت معهم حيث هم" للكاتب والروائي المغربي بنسالم حميش، والذي يصدر تقديمه لعبد الرحمن بدوي بأنه غني عن كل تعريف، فهو حقا كذلك بحكم انشغاله بمرافق معرفية عدة، قد يصعب متابعته فيها كلها فنحن طلبة وأساتذة قد عرفناه مصنفا ومحققا ومترجما ومفكرا. وقد لا نبالغ في الجمع والتحصيل والثراء في الوضع والتأليف.

وجاء سؤال حميش: ماهي في نظرك نوع العلاقة التي يمكن أن تقوم الفلسفة والأدب أو الشعر على وجه التخصيص؟ وهل بمقدور هذه العلاقة أن تكون حقا مجدية وخصبة وخلاقة؟

 يرد عبد الرحمن بدوي، أن العلاقة بين الشعر والفلسفة علاقة وثيقة منذ العهود القديمة، ففيثاغورس كان رياضيا وشاعرا، وبارمينيدس وضع كتابه في الطبيعة نظما، ثم خصوصا أفلاطون كان شاعر أكثر منه فيلسوفا، رغم أنه طرد الشعراء من دولته المثلى. ولكونه كان شاعرا وفيلسوفا في كتابه حول طبيعة الأشياء الذي بفضله استقرت قواعد مذهب أبيقور. وهكذا الشأن عند كثير من فلاسفة العصور الوسطى في أوروبا.

أما في الإسلام فإننا نجد ابن سينا يجمع بين الشعر والفلسفة ويآخي بينهما، فكان لشعرة من الجمال والعمق ما يناسب قوة فلسفته وطاه وتأثيرهما، ورغم ذلك رغم أنف الجهال من مؤرخي الأدب العربي. ونذكر كذلك بهذا الصدد السهرودي المقتول، الفيلسوف الصوفي صاحب مذهب الإشراق.

وفي العصر الحديث نجد في أوروبا شيلنج، ثم على وجه الخصوص ثم على وجه الخصوص فريدرك نيتشه الذي تعد قصائده أروع ما أنتج الأدب الألماني في تاريخه كله، بحيث لا تخلو منها تصانيف المختارات الشعرية الألمانية. ويمكن أن نضيف أسماء أخرى على رأسها الشاعر والفيلسوف الإسباني الكبير أونامونو الذي له الإنتاج الشعري بقدر ماله من الإنتاج الفلسفي الصرف كما وكيفا.

وهكذا ترى عددا كبيرا من أعلام الفلسفة والشعر جمعوا بين الصنفين بأشكال لا ينكر أحد من النقاد المنصفين قوتها وجدارتها. أما ما قد نسمع من النقاد لدى بعض أدعياء النقد في الأدب العربي المعاصر فهو جهل مركب صادر عن عقول ضحلة ضيقة لاتجد متعتها إلا في تغليب المنتجين وتقييدهم بالحدود والخانات المصطنعة. وقد يكفي للإعراض عن مثل هذا التوجه الاستدلال بأبى العلاء المعري الذي أحسن الجمع بين الشعر والفلسفة في مركب رائع يكاد يكون منقطع النظير.