جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

علماء الأزهر يستجيبون لدعوة «الدستور»

يقول المثل العامى إن «اختلافهم رحمة»، وأقول أنا إن «اجتهادهم رحمة»، وضمير الغائب هنا عائد على علماء الدين الإسلامى من الدارسين والأكاديميين الذين هم أحد أوجه القوة الناعمة لمصر، لقد استجابت دار الإفتاء مباشرة للسؤال الذى طرحته فى مقال: «هل يجوز توجيه أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة؟». وكانت الاستجابة عبر ساعات قليلة بعد أن أرسلت السؤال الذى يحمله المقال للصديق العالم د. إبراهيم نجم أمين عام دار الإفتاء، والحقيقة أن الحماس دفعنى لإرسال السؤال لمشيخة الأزهر عبر الكاتب الصحفى الأستاذ أحمد الصاوى، وقد تكرم مشكورًا بطرح السؤال على عدد من كبار علماء الأزهر ووافانى بالإجابة صباح الأمس، وأخبرنى بأن فتوى رسمية ستصدر خلال هذا الأسبوع.. إننى أسجل هنا أن الدولة كما أعلنت لم تقصر فى تمويل مشروع حياة كريمة ورصدت له ميزانية عملاقة هى ٧٠٠ مليار جنيه، كما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكن مشاركة الناس بأموال الزكاة فى المشروع لها بعد يتخطى البعد المادى ويتعلق بالتراحم، والتعاطف، والإحساس بأهمية المشروع، وبالقيمة الدينية لتغيير حياة الناس للأفضل.. كما أن له بعدًا آخر غير منكور يتمثل فى تنشيط غدد الاجتهاد وفهم المقاصد لدى علمائنا.. فالمسألة استدعت نوعًا من الاجتهاد استجاب له كل من أمناء الفتوى فى دار الإفتاء، وكل من علماء الأزهر الشريف كل بطريقته.. وفى كلا الاجتهادين خير.. لقد امتلك علماء الفتوى والإفتاء شجاعة تجاوز بعض الفتاوى القديمة التى تقول إن الزكاة لا تصرف سوى فى المصارف التى نصت عليها الآية.. وفى الوقت الذى ذهب فيه علماء دار الإفتاء إلى جواز إنفاق الزكاة فى مشروع حياة كريمة ضمن أبواب الإنفاق على أهلنا من «الفقراء، والمساكين» الذين ورد ذكرهم فى الآية الكريمة «إنما الزكاة للفقراء والمساكين..».. إلى آخر الآية الكريمة، ذهب علماء الأزهر مذهبًا آخر فى اجتهادهم، وقالوا جميعًا إن توجيه الزكاة لمشروع حياة كريمة هو توجيه لها لأحد المصارف التى نصت عليها الآية الكريمة وهو «فى سبيل الله» الذى كان أصله الإنفاق على الجيش المسلم، وأنه بعد أن أصبحت الدولة تتولى أمر الجيش والإنفاق عليه، فإن المشروعات العامة مثل بناء الطرق والكبارى، والمستشفيات، تحل محله، وأنه يجوز للمزكى توجيه جزء من زكاته لـ«حياة كريمة» مع إنفاق جزء على الفقراء والمساكين المحيطين به حتى لا ينقطع عنهم ما كانوا يعتادون عليه، لقد كان هذا هو رأى الدكتور عباس شومان المشرف العام على لجان الفتوى فى الأزهر الشريف، وهو نفس الرأى الذى قال به د. محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، الذى أضاف أن هناك وجهًا آخر من وجوه إنفاق الزكاة تجوز إضافته لوجه «فى سبيل الله» هو وجه «العاملين عليها»، حيث تنص الآية على أن من يعملون على جمع الزكاة من المسلمين لهم نصيب منها، والآن فإن الدولة حلت محل العاملين على جمع الزكاة، ويجوز توجيه هذا المال لـ«حياة كريمة» سواء لإعداد المساكن، أو إنشاء المدارس، والمستشفيات، أما د. محمد عبدالمالك نائب رئيس جامعة الأزهر فقد قال إنه يجوز إنفاق الزكاة فى المشروع تحت بند «وفى سبيل الله»، أما د. عطية عبدالموجود أستاذ الفقه المقارن وعضو لجنة الفتوى فقال إن هناك رأيين فقهيين أحدهما يتمسك بحرفية الآية الكريمة، والثانى يرى بجواز توجيه الزكاة للمشاريع العامة، وجميع أوجه الخير، وهو الرأى الذى يقول به الإمام أبوحنيفة، وإنه إذا ورد رأيان فقهيان مختلفان فى مسألة واحدة فإنه يؤخذ بالرأى الذى فيه مصلحة الأمة.. وهو فى هذه الحالة ضرورة توجيه الزكاة لـ«حياة كريمة» ولغيرها من المشروعات التى تهدف للارتقاء بحياة الناس. شكرًا علماء الأزهر الشريف.. وإلى مزيد من الاجتهاد فى قادم الأيام بإذن الله.