جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إسرائيل فى الاتحاد الإفريقى!

 

الأصح أن نقول «عودة إسرائيل إلى الاتحاد الإفريقى»، لأنها كانت عضوًا، بصفة مراقب أيضًا، فى منظمة الوحدة الإفريقية، التى تم حلها سنة ٢٠٠٢ وحل محلها الاتحاد. وحتى تكتمل الصورة نشير إلى أن فلسطين نالت عضوية مماثلة، منتصف ٢٠١٣، وأن موسى فقى، رئيس مفوضية الاتحاد، شدد فى بيان أصدره أمس الأول الخميس، على أن موقف التكتل الإفريقى من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى واضح للغاية، ويقوم على أن حل الدولتين ضرورى للتعايش السلمى.

فى قمته الحادية والعشرين، قرر الاتحاد الإفريقى منح فلسطين صفة مراقب، وأعرب عن دعمه نضال الشعب الفلسطينى من أجل إقامة دولة مستقلة، عاصمتها القدس. وبعدها بثلاث سنوات، وفى مثل هذا الشهر، منذ خمس سنوات، تحديدًا فى يوليو ٢٠١٦، رفض الاتحاد استقبال بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق، الذى كان يزور أديس أبابا، مقر الاتحاد، ضمن جولة إفريقية، كانت الأولى لرئيس وزراء إسرائيلى، بعد تلك التى قام بها إسحاق شامير، سنة ١٩٨٧.

جولة نتنياهو استهدفت تحقيق هدفين معلنين: استعادة وضع إسرائيل كمراقب فى الاتحاد الإفريقى، وكسب تأييد أكبر عدد من دول القارة فى المنظمات الدولية. ولكى يحقق هذين الهدفين، أبدى نتنياهو استعداده لتقديم مساعدات تنموية وعسكرية متنوعة للدول التى زارها، أما الأهداف غير المعلنة، فيتصدرها الاستثمار فى الفساد الذى يضمن للإسرائيليين نهب ثروات القارة.

المهم، هو أن إسرائيل استعادت عضويتها أو صفتها، وقدم سفيرها لدى إثيوبيا، أمس الأول، الخميس، أوراق اعتماده إلى رئيس مفوضية الاتحاد. وقال يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلى، فى بيان، إن إسرائيل تقيم حاليًا علاقات مع ٤٦ دولة إفريقية ولديها شراكات على نطاق واسع وتعاون فى مجالات مختلفة. وكان لافتًا أن تزعم وكالة الأنباء الفرنسية «أ ف ب»، فى تقرير نقلته غالبية الصحف العربية، أن بيانات الاتحاد بشأن الصراع الفلسطينى الإسرائيلى شكّلت مصدر إزعاج لإسرائيل. فى حين يقول الواقع إن غالبية دول القارة تتجنب الصدام مع الدولة العبرية، أو إغضابها، حفاظًا على علاقاتها بها وحرصًا على تلقى مساعداتها!.

خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثلًا، أواخر ٢٠١٧، على القرار الذى دعا الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، امتنعت ٩ دول إفريقية عن التصويت، وغابت ٦ دول، وصوتت «توجو» ضد القرار. وفى سبتمبر ٢٠١٥، أفشلت دول إفريقية صدور قرار يطالب إسرائيل بفتح منشآتها النووية أمام مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية: أربع دول صوتت ضد القرار، وامتنعت ١٧ دولة، وغابت ٨ دول عن جلسة التصويت.

التغلغل الإسرائيلى فى القارة السمراء، بدأ مبكرًا. وحين كانت جولدا مائير وزيرة للخارجية الإسرائيلية أنشأت إدارة مكلفة بالتعاون الإفريقى، سنة ١٩٥٨، ثم إدارة مختصة بالمساعدات الإفريقية، سنة ١٩٦٠، غير أن جهود مائير، التى صارت لاحقًا رئيسة للوزراء، لم تكلل بالنجاح، لأسباب عديدة أهمها التفات مصر، أو دولة «٢٣ يوليو»، إلى عمقها الإفريقى، ومساهمتها بدور محورى، أو بالدور المحورى، فى بلورة رؤية إفريقية مشتركة، قامت عليها منظمة الوحدة الإفريقية، التى كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أحد آبائها المؤسسين.

منذ تأسست تلك المنظمة، سنة ١٩٦٣، أولت اهتمامًا خاصًا بالقضية الفلسطينية، ورأت أن مناهضة العدوان الإسرائيلى على الأراضى العربية جزء لا يتجزأ من مناهضة الاستعمار والعنصرية فى إفريقيا. ومع نكسة يونيو ١٩٦٧، بدأ مسار قطع العلاقات الذى بلغ ذروته عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣، بنزول عدد الدول التى تقيم علاقات مع ذلك الكيان إلى خمس دول فقط. 

بتوقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، اختلف الوضع، وتمكنت إسرائيل، فى ثمانينيات القرن الماضى، تدريجيًا، من وصل ما انقطع، وبعد توقيع اتفاقية أوسلو سنة ١٩٩٣، استعادت علاقاتها مع معظم دول القارة، وصولًا إلى حصولها على صفة مراقب فى منظمة الأمم الإفريقية، التى فقدتها بحل تلك المنظمة وقيام الاتحاد الإفريقى. ومن وقتها، لم تتوقف جهودها لاستعادة عضويتها، إلا سنة ٢٠١٩، لأنها رأت أن انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيسًا للاتحاد، مؤشر غير إيجابى، بحسب رينا باسيست، Rina Bassist، الموظفة السابقة فى وزارة الخارجية الإسرائيلية، التى أكدت فى مقال نشره موقع «المونيتور»، Al-Monitor، أن القاهرة يمكنها التأثير، سلبًا أو إيجابًا، على التحركات الإسرائيلية فى القارة السمراء.

.. وتبقى الإشارة إلى أن هناك دولًا غير إفريقية عديدة، من بينها تركيا، نالت صفة مراقب فى الاتحاد الإفريقى، الذى تنص مبادئه على تسوية المنازعات بطرق سلمية وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية واحترام المواثيق الدولية واحترام قدسية الحياة الإنسانية ورفض الأعمال الإرهابية والأنشطة التخريبية. ما يعنى أن وجود إسرائيل، وتركيا طبعًا، ينتهك مبادئ الاتحاد أو ينسفها.