جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الإفتاء»: يجوز توجيه الزكاة لـ«حياة كريمة»

هل يجوز التبرع بأموال الزكاة لمشروع حياة كريمة؟ كان هذا عنوان مقالى الذى نشرته بالأمس، ولم يكن المقصود بالسؤال مشروع حياة كريمة فى حد ذاته، ولكن كان المقصود هل نستطيع أن نجتهد فنقرر مصارف جديدة للزكاة بخلاف ما استقر عليه العلماء منذ أكثر من ألف عام. كأن نوجهها للإنفاق على التعليم، والصحة وما ينفع الناس؟ كان الدافع لسؤالى فتاوى منشورة صادفتها على شبكة الإنترنت، تقول إنه لا يجوز توجيه أموال الزكاة لبناء المدارس والمستشفيات، وكان مبرر هذه الفتاوى هو التمسك بحرفية النص القرآنى الذى يحدد مصارف الزكاة فى سبعة مصارف، وكان دافعى للسؤال هو أننا لو تمسكنا بحرفية النص فإن علينا أن ندفع الزكاة لزعماء القبائل العربية من حديثى الإسلام أو المؤلفة قلوبهم، وهم كما نعلم جميعًا لم يعودوا موجودين بيننا، أو نوجه أموال الزكاة لتحرير العبيد المسلمين، وهم كما نعلم جميعًا لم يعودوا موجودين، أو أن علينا أن ننفقها على المسافرين التائهين الذين انقطعت بهم طرق القوافل وتبخرت أموالهم، وهم كما نعرف جميعًا لم يعودوا موجودين.. وكانت وجهة نظرى أن توجيه أموال الزكاة لتعليم الفقراء وتأهيلهم اقتصاديًا هو أنفع للمسلمين وأكثر جدوى.. وقد أرسلت بسؤالى لجهتين رسميتين هما دار الإفتاء المصرية، وجهة أخرى لن أسميها حاليًا، ولثلاثة من أشهر علماء الدين فى مصر حاليًا وأكثرهم شهرة.. والحقيقة أن دار الإفتاء المصرية كانت أول من تجاوب عن سؤالى، حيث سارع د. إبراهيم نجم، أمين عام دار الإفتاء، للرد بفتوى صادرة عن دار الإفتاء كانت خلاصة الحكم الشرعى فيها أنه «يجوز توجيه أموال الزكاة للمبادرة الرئاسية حياة كريمة، وذلك لأن محاور عمل المبادرة هى من مصارف الزكاة الشرعية، فيجوز الصرف من أموال الزكاة على تهيئة المسكن للفقراء والمساكين، من خلال الأبنية البديلة للعشوائيات، ورفع كفاءة القرى الفقيرة، وفرش المنازل الجديدة للفقراء والمساكين، ورعاية الأطفال الذين يعيشون بلا مأوى من خلال بناء دور رعاية لهم، وتجهيزها، والصرف عليها من أموال الزكاة، وكذلك فى القيام بتدريب هؤلاء الأطفال، وتعليمهم بهدف إيجاد فرص عمل لهم، وكذلك يجوز صرف الزكاة فى رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة، ويجوز أيضًا صرف الزكاة على الخدمات الطبية للمرضى المستهدفين بهذه المبادرة الكريمة بتوقيع الكشف عليهم، وصرف العلاج لهم، ودار الإفتاء إذ تثمن هذه المبادرة الكريمة تدعو جموع الشعب المصرى للالتفاف حولها بتوفير الدعم اللازم لها- تطوعًا وتبرعًا»..انتهى نص الحكم الشرعى كما تراه دار الإفتاء، وأقول إن المقصود ليس «حياة كريمة» فى حد ذاته ولكن كل المشروعات التى تهدف لتنمية البلاد وتغيير حياة الفقراء بدلًا من ملء بطونهم مرة، أو سد احتياجاتهم اليومية مرات، وأقول إننا ما زلنا فى حاجة لشجاعة أكبر فى الاجتهاد، وفى إصلاح الخطاب الدينى، وإن هذه النظرة التى يجب أن تتحرى مقاصد الشريعة، يجب أن تمتد لتشمل نواحى كثيرة من العبادات مثل تكرار رحلات الحج والعمرة بشكل سنوى، فى حين أن هناك الملايين أولى بهذه الملايين التى تنفق بشكل متكرر خارج البلاد، ومثل رحلات الحج الفاخر التى يقضى فيها الحجاج يوم عرفة وهم يأكلون المثلجات المستوردة فى خيام مكيفة، وهل هذه الطقوس تعبر عن جوهر شعيرة الحج وروحها أم لا؟ وإذا كانت الإجابة لا.. فما جدواها؟ وما جدوى المليارات التى تنفق عليها؟ إننى لا أعرف بماذا سيرد العلماء الذين أرسلت لهم سؤالى، ولا أتعجل ردهم، ولا أطلب أن يكون فى اتجاه معين، وإن كنت أطالب بما طالب به الكثيرون من فتح باب الاجتهاد وإصلاح الفكر الدينى الذى هو مقدمة ضرورية لإصلاح الخطاب الدينى وعلى الله قصد السبيل.