جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«الدستور» تحقق.. حلم الالتحاق بالتمريض يجبر الطلاب على تغيير محل إقامتهم

مدارس التمريض
مدارس التمريض

كان حلم أيمن وهو في الثانوية العامة الالتحاق بكلية توفر له فرصة عمل، وألا يضطر للبحث عن أى وظيفة توفر له دخل بعيدة عن مجال دراسته، فكانت كليات ومعاهد التمريض الحل المناسب له لأنها توفر وظيفة فور التخرج، ولكنه كان يعلم أن التحاقه بها في المحافظة التي يعيش بها صعبة لأنها تعد من كليات القمة التي تتطلب مجموع مرتفع جدًا وهو ما لا يستطيع ضمانه، فلجأ إلى حيلة نفذها قبله أصدقائه الأكبر منه لضمان الالتحاق بالتمريض في محافظة أخرى غير التي يسكن بها رغم أن هذه النوعية من الكليات تشترط دخول الطلاب من المحيط الجغرافي للجامعة وتمنع دخول طالب من محافظة أخرى غير التي تتواجد بها، وكانت الحيلة هي تغيير محل إقامته لمحافظة ينخفض فيها تنسيق التمريض.

أيمن واحد من مئات الطلاب الذين سعوا للالتحاق بكليات ومعاهد التمريض على مستوى الجمهورية، مما ترتب عليه زيادة في أعداد أطقم التمريض، فحسب الإحصائيات بلغ إجمالى أعداد خريجي كليات التمريض 6378 خريجا عام 2018 مقابل 5213 خريجا عام2017 بنسبة زيادة قدرها 22.3%، وبلغ إجمالي إعداد خريجي المعاهد الفنية للتمريض 3489 عام 2018 مقابل 3679 خريجا عام 2017 بنسبة انخفاض قدرها 5.2%.

وسجل إجمالي أعداد خريجي مدارس التمريض 11991 عام 2019 مقابل 11079 خريجا عام 2018 بنسبة زيادة قدرها 8.2%.

ولكن لماذا تغيرت رغبات الشباب في الالتحاق بكليات التمريض، مما تسبب في تفاوت تنسيقها من محافظة لأخرى. 

«الدستور» حققت في ظاهرة سعى شباب وبنات محافظات الدلتا لتغيير محل إقامتهم إلى القاهرة سعيًا للالتحاق بكليات ومعاهد التمريض التي يقل تنسيقها بأكتر من 15% سنويًا بين الدلتا والقاهرة.

وظيفة مضمونة

قال أيمن «كليات ومعاهد المتمريض تشترط التحاق الطالب بالجامعة الموجودة في محطيه الجغرافي الذي حصل منه على الثانوية العامة، لذا كان لابد أن أحصل على الثانوية العامة من محافظة أخرى غير التي أسكن بها، وهنا بدأت الحيلة، فاستطعت أنا ووالدي تغيير محل إقامتنا من محافظة الدقهلية إلى القاهرة بعنوان أحد أقارب والدي الذي يسكن في القاهرة، وقدمت أوراقي بإحدى مدارس الثانوية هناك، ولأن الصف الثالث الثانوي لا يشترط  الحضور في المدرسة، فلم يؤثر ذلك عليّ ولم أضطر للسكن بالقاهرة بل ظللت مع أهلي في البيت وكنت أذهب لدروسي مع زملائي كأنه لم يحدث أي تغيير سوى الإمتحانات فكنت أسافر لأمتحن في المدرسة الجديدة».

حصل أيمن على مجموع 70% بالثانوية العامة وتخطى تنسيق كلية التمريض بمحافظته في نفس العام 95 %، بينما معهد التمريض 85%، ولكن نسبته أهلته للالتحاق بكلية تمريض القصر العيني ».

تباين التنسيق

محمود طالب آخر قرر تحويل محل إقامته من إحدى قرى الدقهلية إلى محافظة الجيزة ليكون أمامه فرصة أكبر في الالتحاق بمعهد التمريض، وقال «التمريض تنسيقه متبيان جدًا بين القاهرة الكبرى ومحافظات الدلتا، ففي الدلتا يسعى أغلب الطلاب إلى الالتحاق بتخصصات التمريض سواء كلية أو حتى معاهد الفني الصحي والتمريض لانها توفر فرصة عمل بعد التخرج لذا فهي دائمًا تحصد الطلاب المتفوقين في الثانوية العامة، وكنت أعلم أنني لن أستطيع أن أنافس معهم لأحجز لى مكان داخلها، لذا قررت البحث عن فرصة في القاهرة والتي تنخفض فيها تنسيق التمريض بسبب عدم رغبة سكانها في الالتحاق بها حيث مازالت نظرتهم لها متدنية حتى لو كانت توفر فرص عمل لخريجيها».

وتابع «إجراءات تحويل محل إقامتي وإصدار بطاقة رقم قومي بمحل إقامة في القاهرة لم تكن صعبة، فكل هذه الإجراءات تمت بالتنسيق مع محامي تولى المهمة كاملة مقابل مبلغ مالي حدده في بداية الاتفاق، وبعد استخراج البطاقة التي بها محل سكني الجديد قمت بتحويل أوراقي من مدرستي القديمة الموجودة في بلدتي إلى المدرسة الجديدة ودفعت المصاريف واستلمت الكتب، مشيرًا لم يكن الذهاب إلى المدرسة ضروري فجميع طلاب الصف الثالث الثانوي لا يذهبون إلى المدرسة، فلم أدخلها سوى لاستلام الكتب ومن بعدها كتابة استمارات الثانوية، وكانت إمتحاناتي في القاهرة».

بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة حصل محمود على مجموع 74%، وكان أمامه فرصة للالتحاق بمعهد التمريض، ويدرس حاليًا في الصف الثاني وهي السنة النهائية له بالمعهد ليلتحق بعدها بالعمل بالمستشفى التي يتبعها المعهد قائلًا«أستطيع أن أعمل في المستشفى التي تبعها المعهد الذي أدرس به وبإمكاني أيضًا أن أطلب نقلي لمستشفى في بلدتي لكني أفضل العمل في أحدى مستشفيات التأمين الصحي وخاصة في بورسعيد نتيجة قربها من محافظتي ولأنني سأحصل فيها على راتب جيد يعيينني في بداية حياتي».

وظيفة مضمونة

سامية خضر

قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن إقبال أبناء المحافظات الأخرى من الصعيد والريف على كليات ومعاهد التمريض لأنها تمثل بالنسبة لهم وظيفة مضمونة عقب التخرج، أما في القاهرة يكون الإقبال على كليات القمة فقط سواء من كليات الطب البشري أو الأسنان لأنها تمثل النخبة بالنسبة لهم "كنوع من التباهي"، على عكس الصعيد وأبنائها مازالوا بفطرتهم الطيبة وعدم الخروج على المألوف فمازالت إلى حد ما مجتمعات مغلقة على عكس سكان القاهرة.

وأوضحت خضر، أن أبناء الصعيد والقرى الريفية يعتبرون أن الالتحاق للدراسة بالتمريض مثل الالتحاق بكليات الطب؛ وتكون هناك نظرة فخر هائلة لدى الأسر عند التحاق ابنائهم بهذا التخصص، وهو الأمر المختلف في نظرة أهالي القاهرة لها الذين يروا في التمريض "النظافة فقط". 

وأضافت أن مهنة التمريض لها من الأهمية ما يعادل أهمية الطبيب في الاهتمام بالمريض وتوفير الرعاية الصحية الكاملة له، ذاكرة أن التمريض في انجلترا على سبيل المثال أهم من الطب، "العملية التي يجريها الطبيب نجحت ولكن المتابعة بعدها من فريق التمريض هي الأهم لرصد حالة المريض والاطمئنان على صحته ومؤشراته الحيوية"، ففريق التمريض هم العيون الساهرة على هذه الحالة والتي نطلق عليها "ملاك الرحمة".

وأشارت خضر إلى أن الدولة يجب أن يكون لها دور في إبراز القدوة من العاملين في مجال التمريض؛ كي يكون حافزًا ومشجعًا للإقبال على هذا المجال بحيث لا يكون له نظرة مختلفة عن كليات الطب أو التخصصات الصحية

وتابعت: ويجب أن يكون هناك رسالة قوية من الأطباء أنفسهم للتشجيع على الالتحاق بكليات ومعاهد التمريض لما يمثله هذا التخصص من أهمية كبرى، إلى جانب دوره الكبير مع الطبيب في مساعدة المرضى والاعتناء بالحالة الصحية لكل مريض وأن دوره كطبيب وحده غير كافي دون وجود معاونه من فريق التمريض.

تغيير محل الإقامة

أنهت أسماء دراستها في مدرسة التمريض بمحافظة الجيزة والتحقت بالعمل بالمستشفى التي التابع لها المدرسة، إلتحاق أسماء بهذه المدرسة كان حلم والدتها التي سعت بشتى الطرق لالحاق ابنتها بهذه المدرسة التي تبعد عن محافظتها حوالي 3 ساعات، كما اضطرتها لتغيير محل إقامتها، قالت السيدة والدة أسماء«مات زوجي ولى 3 بنات صغار وكان لابد أن أؤمن لهن مستقبلهن ووجدت أن العمل هو الوسيلة الوحيدة لذلك لذا قررت إلحاق الكبرى منهن التي أنهت دراستها في الصف الثاني الإعدادي بمدرسة في محافظة الجيزة حتى يكون لديها قدرة على دخول مدرسة التمريض بعد إتمامها الشهادة الإعدادية».

وأوضحت «مدراس التمريض يلتحق بها الطلاب حسب المحيط الجغرافي لسكن الطالبة والمدرسة التي حصلت منها على الشهادة الإعدادية، ولأن مدارس التمريض في بلدتي تقبل أوائل الشهادة الإعدادية حتى أن تنسيقها يتفوق على تنسيق الثانوية العامة بدرجات كبيرة، كان لا بد أن أضمن التحاقها بالتمريض أيًا كان المجموع، فقمت بتغيير محل إقامتها من بلدتي إلى منزل خالتها التي تعيش بمحافظة الجيزة، وحصلت على الشهادة الإعدادية من الجيزة، والتحقت بمدرسة التمريض بالفعل وأنهتها وعملت هناك».

وتابعت نفس التجربة كررتها مع أختها الأصغر ولكن كان لابد أن تحصل على ثلاث سنوات الإعدادية من الجيزة على عكس أختها حصلت على الصف الثالث فقط، فقمت أيَا بتغيير محل إقامتها ولكن هذه المرة كانت أسهل حيث تعيش اختها الكبرى بالفعل في القاهرة فكان مكوثها معها أكثر أمانًا، موضحة «الوظيفة هي من تضمن حقوق السيدات وتؤمن مستقبلهن وسأكرر التجربة مع الأخيرة إذا اتضح من مستواها التعلمي في الإبتدائية أنها لن تستطيع الحصول على مجموع عالي في الإعدادية يؤهلها للإلتحاق بالمدرسة في محافظتي».

خبير قانوني: تزوير محل الإقامة طموح مشروع ومخالفة تنظيمية

 

أحمد مهران

قال الدكتور أحمد مهران، الخبير القانوني، إن تغيير محل الإقامة للطلاب للانتقال من أجل الدراسة في أماكن غير محل إقامتهم طموح مشروع قد يترتب عليه ارتكاب بعض المخالفات التنظيمية والإدارية التي لا ترقى إلى مستوى المخالفات في الجرائم الجنائية.

وأوضح أن الكثيرين يلجأون إلى تزوير محل إقامته وهو تزوير في محررات غير رسمية إذا ما انتفى الضرر فلا محل للتجريم، لأن الباعث على ارتكاب هذا الفعل لم يترتب عليه ضرر لأحد ولكن لتحقيق مصلحة مشروعة وهي الالتحاق بكلية معينة يرغب فيها الطالب لتحقيق الطموح.