جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

في حتة ناشفة



الممثل مش شغلته خالص خالص إنه ينقل انفعالات أو يوصل مشاعر، أو يعمل ري أكشنز، أو أي من هاتيك الأشياء.
هو طبعا لازم يعمل كل دا، بس في إطار شغلانته الأساسية، وهي تجسيد شخصية "س" من الناس، الشخصية دي ليها أبعاد وسمات، ودوافع وعموما تركيبة.
ممكن جدا أبقى بـ ألعب دور، لـ شخص متحجر المشاعر، فـ يبقى ساعتها الانفعالات الصريحة، ضد عمل الشخصية، هـ أقدم لـ حضرتك مثال: أحمد زكي لما عمل طه حسين، طه حسين الشخص الموجود في الحياة إحنا ما نعرفوش، ولا أحمد زكي نفسه كان يعرفه، وما يهمناش في حاجة الحقيقة، لكن الشخصية في الدراما، تتفاعل داخليا أضعاف أضعاف ما تتفاعل مع الناس. 
مش بـ يعيط ولا بـ يصرخ، ولا بـ يضحك، ولا وشه بـ يهلل، ولا بـ يتشنج ولا بـ يتعصب، ولا أي حاجة من دي خالص، فـ إحنا ما شفناش طول الحلقات أي "ري أكشن" خاص، تقريبا يعني.
لكن هذه الشخصية، التي لا تعبر عن انفعالاتها، تنفعل وتفرح وتحزن وتغضب، فـ كان مطلوب من زكي، إنه ينقل لي كل هذه الانفعالات، من غير ما ينقلها، يعني هو بـ يمثل دور شخص، الشخص دا حزين، لكن حزنه مش باين لـ اللي حواليه، فـ لازم نصدق إنه حزين، ولازم نصدق إنه مش باين عليه إنه حزين.
مش مطلوب خالص إننا نحزن معاه، بـ الأحرى، إحنا عايزين نشوف طه حسين بـ يتصرف، ومشهد مع مشهد مع مشهد، نطلع بـ شخصية، شخصية أكنها موجودة في الحياة، أكننا قابلناها، وكل واحد كون مشاعره تجاهها.
سيبك من زكي وطه حسين: "شكري عبد الحميد"، أنا عندي إحساس فعلي مش مبالغة، إني قابلت شكري عبد الحميد، وقعدت معاه، وتجاذبنا أطراف الحديث، وقال لي وقلت له، وعرفت أراؤه في الفن والحياة والتاريخ، من الكام مشهد اللي عملهم أحمد توفيق في "حافية على جسر الذهب".
لو أنا، "مؤمن المحمدي"، كنت مكان شكري في أي موقف مر بيه، أكيد ما كنتش هـ أتصرف زيه. وأنا فـ حياتي ما أعرفش شخص شبه شكري دا إنما عرفته من خلال الفيلم، أنا ممكن أكتب مقال عن كل مشهد عمله أحمد توفيق.
عن نظرة عينيه، عن تون صوته، عن طريقة لبسه، عن نمط تفكيره، عن حياته وسط عيلته، (اللي ما شفناش منها ولا مشهد) عن سذاجته وحماقته، ونقاؤه وأحلامه، وغضبه وأحقاده.
شخصية، شخصية على بعضها من لحم ودم، كل حاجة في الفيلم كانت تخصها، زي ما كل حاجة في القاهرة 30، كانت تخص "سالم الإخشيدي"، اللي لعبها برضه أحمد توفيق، واللي هو حاجة تانية خالص غير "شكري عبد الحميد".
طريقته حتى في الكلام العادي كانت مختلفة خالص، تحسه شخص تاني خالص بـ يتكلم.
النماذج كتيرة والفكرة واحدة، أنا ما يهمنيش خالص، الصورة أو اللقطة أو حتى المشهد، إلا في إطار إنك بـ تقدم شخصية، بس عشان دا يحصل لازم أساسا يكون فيه "شخصية"، بـ أتكلم هنا عن الكتابة والإخراج، لازم يكون فيه اجتهاد إني بـ أرسم فلان الفلاني، مفيش حاجة اسمها: الصعيدي/ القاتل/ الظابط/ البلطجي/ الطيب/ الذكي/ مفيش كدا.
فيه "حسن إبراهيم" و"فتحي عبد الله"، و"ليلى هانم أبو اليزيد" و"دينا الوكيل".
لو الشخصية مسطحة ونمطية وناقصة، ودوافعها عايمة، وأبعادها مبتورة، ولا يفرق معايا انفعالات الممثل، يروح يعمل بيها حفل إلقاء، ولا عرض بانتومايم، ولا سيشن تصوير، ولا أقول لك، يعمل بيهم صفحة ع الفيسبوك، والناس تقعد تعلق عنده: غول تمثيل، في حتة تانية، في حتة ناشفة، وهكذا دواليب.