جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

انتصار الليبيين فى برلين

 

 

ببيان ختامى تضمن ٥٨ نقطة، انتهى مؤتمر «برلين ٢» بشأن ليبيا، الذى استضافته العاصمة الألمانية، أمس الأول الأربعاء، ورعته الأمم المتحدة، ونجح جزئيًا فى احتواء توترات كانت آخذة فى التوسع، ولم يلتفت إلى التحفظ التركى على إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضى الليبية، ودعا كل الأطراف إلى اتخاذ القرارات اللازمة، لإجراء الانتخابات الليبية فى موعدها.

البيان الختامى أعاد التأكيد على قرارات مؤتمر «برلين ١»، وشدّد على ضرورة مساندة السلطة الانتقالية، ودعم جهود إصلاح قطاع الأمن وتسريح ونزع سلاح الميليشيات المسلحة، ودمج المناسبين منها، بشروط وعلى أساس فردى، فى المؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية. وعقب لقائه مع أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، أمس الخميس، جدّد عبدالحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، التأكيد على ضرورة إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية.

الوفد الليبى ذهب إلى برلين بهدفين: تنفيذ قرارات «برلين ١» بأكملها، وطرح المبادرة الليبية، التى أعلنها رئيس حكومة الوحدة الوطنية، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، والتى تطالب، أيضًا، بإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وإجراء الانتخابات فى موعدها المقرر قبل نهاية العام الجارى، وتوحيد المؤسسات الأمنية. وفى حسابه على «تويتر» كتب الدبيبة، الأربعاء: «نحن هنا فى برلين لتجديد الالتزامات التى تعهد بها المجتمعون فى مؤتمر برلين الأول. وكذا الاتفاق حول أفضل الحلول لدعم استقرار ليبيا وسلامة أراضيها، ووحدة شعبها وحفظ سيادتها الوطنية».

عبر الفيديو، شارك أنطونيو جوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، وقال إن إجراء الانتخابات الليبية «فى خطر»، وهو ما أقرّه الدبيبة، فى كلمته، بإشارته إلى وجود الكثير من التحديات و«المخاوف الأمنية» على العملية السياسية، بسبب سيطرة المرتزقة على بعض المناطق، لكنه شدّد على أن هناك «فرصة عظيمة لتحقيق الديمقراطية»، كاشفًا عن وجود خطة أمنية شاملة لتأمين الانتخابات، سيبدأ تنفيذها فور صدور «القاعدة الدستورية»، التى لا تزال محل نقاش.

وزير خارجيتنا، سامح شكرى، كان هناك. وأعرب فى كلمته عن أمله فى أن يساعد المجتمع الدولى على إجراء الانتخابات فى موعدها، وتذليل أى عقبات قد تحول دون ذلك، محذرًا من أن أى تسويف ستكون له تداعيات سلبية على ما تحقق من تقدم خلال الأشهر الماضية، وقد يعيد حالة التوتر والتصعيد مرة أخرى. كما أكد وزير الخارجية أهمية التطبيق الكامل لاتفاق جنيف لوقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن رقم ٢٥٧٠ بما فيهما من نص صريح على مغادرة القوات الأجنبية والمرتزقة دون مماطلة. وأشاد بالجهود الدافعة نحو وضع أُطر زمنية واضحة لتحقيق ذلك قبيل الانتخابات لإعطاء الزخم المطلوب لانعقادها وفقًا للإرادة الحرة للشعب الليبى.

انتصار الليبيين فى برلين قد يكون جزئيًا، لكنه خطوة مهمة على الطريق. وما قد يطمئن كثيرًا هو أن ما طرحته نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية، خلال المؤتمر الصحفى المشترك، مع نظيرها الألمانى هايكو ماس، وروزمارى دو كاولو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، لم يخرج عما طرحه وزير خارجيتنا، ورئيس حكومتها، ومحمد المنفى، رئيس المجلس الرئاسى، وخليفة حفتر، قائد الجيش الوطنى الليبى. ما قد يعنى أن كل الأطراف الليبية تجاوزت حالة الانسداد، وقدّمت انحيازها لليبيا على علاقاتها بالقوى الخارجية المتداخلة فى الشأن الليبى.

من إيطاليا، أكد المنفى، خلال لقائه بوزير خارجيتها، لويجى دى مايو، أهمية التنسيق الإقليمى وتوحيد الجهود لدعم رؤية ليبيا فى هذا المؤتمر، واستكمال المسار السياسى، وصولًا إلى إجراء الانتخابات فى موعدها المقرر. ومن ليبيا، أعلن حفتر، فى بيان، عن دعمه كل الجهود المبذولة، وشدّد على أن الشعب الليبى لن يقبل تأجيل موعد الانتخابات من أى طرف، ودعا الأمم المتحدة إلى تحمّل مسئوليتها واتخاذ كل التدابير اللازمة لإجرائها فى موعدها المتفق عليه.

فى البيان، الذى قرأه اللواء أحمد المسمارى، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبى، أكد حفتر دعمه جهود البعثة الأممية فى ليبيا، لإنجاح الحوار السياسى والوصول إلى قاعدة دستورية توافقية تسمح للجميع بالدخول فى السباق الانتخابى. وأكد أن الحوار السياسى الحالى «فرصة تاريخية» يجب استغلالها. وأشار إلى أن اللجنة العسكرية «٥+٥» تقوم «بجهود عظيمة لتطبيق نتائج مؤتمر برلين الأول»، مشددًا على ضرورة دعمها وتسهيل مهامها على النحو الذى يؤدى إلى تنفيذ الترتيبات الأمنية، ونزع السلاح من الجماعات الخارجة عن القانون.

فى أكبر مخزن سلاح غير خاضع للرقابة فى العالم، يتمنى الشعب الليبى أن تنتهى أزماته المعقدة والمتشابكة، داخليًا وخارجيًا، وينتظر، ونحن معه، ترجمة النقاط الـ٥٨، التى تضمنها بيان «برلين ٢» الختامى، على الأرض: أرض دولة مستقرة، موحدة وقوية، تحمى حدودها ومصالح مواطنيها، وتفرض سيطرتها على كامل ترابها الوطنى.