جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

كيف نستقبل البلاء؟.. أستاذ بالأزهر يُجيب

الدكتور أحمد البصيلي
الدكتور أحمد البصيلي

قال الدكتور أحمد البصيلي، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، عندما نتحدث عن البلاء يبارد إلى أذهانا قول رسول الله صلوات الله عليه وآله: داوُوا مرضاكم بالصدقة، وحصّنوا أموالكم بالزكاة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع".

وأضاف في تصريحات لـ"الدستور" ومن ضمن ما يأمرنا به الإسلام أن نستسلم ونرضى تماما عن كل قضاء الله فينا وقدره في كونه، وعليك أن تعلم أيها القارئ الكريم أن الاستسلام لا يعني العجز، والرضا ليس معناه الكسل والدَّعة والخمول، وإنما علينا أن نأخذ بالأسباب  التي هي من قدَر الله  في الوقاية والعلاج، لنحصن أنفسنا أو نعالجها من هذه الجائحة  التي هي من قدَر الله أيضا.

وتابع البصيلي: وإن من ابتُلي بشيء من هذه الجائحة فعليه أن ينظر إلى نعم الله عليه فينظر إلى عزلته في الحجر الصحي على أنها خلوة مع الله، ويتعايش مع مرضه على أنه تكريم من الله لينقيه ويرقيه، ويغتنم وقته  وهو منفرد عن الخلق – في أذكاره وأوراده، وفي محاسبة نفسه ومراجعة أعماله، ويهيئ لنفسه كشفا لجرد حسابه الذي سيلقَى به ربه، فإن الله إذا أحب عبدا وفقه لعمل صالح قبل الموت، فيقبضه عليه، ويختم له بخاتمة السعادة.

واستكمل: إذن.. على الإنسان المسلم المريض بداية أن يرجع أمره كله لله تعالى وإلى قضائه وقدره، ويكون حاله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم: “عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ”؛ فهذا الإيمان واليقين في الله تعالى سيُكسِبُ الإنسانَ قوة روحية وصحة نفسية تعينه على أن يقوى ويتغلب على بلاءه.

وأشار إلى أن من أصيب بهذا المرض فهو رابح في كل أحواله دنيا وأخرى، وعليه أن يتيقن من ذلك فهو لن يخسر أبدا بشرط أن يفقه عن الله حق الفقه ليعرف كيف يتعامل، ثم يضبط شعوره الباطني على مراد الله منه، فإصابته رفعة لدرجاته وتكفيرًا لسيئاته؛ حتى يلقى الله وما به من الذنوب شيء، وأن إصابته تلك إن أدت إلى وفاته كانت سببًا في استشهاده ولحوقه بالشهداء.

واستدل بحديث في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطاعون شهادة لكل مسلم)، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته بالمصابين بالأوبئة.

وأوضح: إلا أن هذا المعنى ليس بديلا على الإطلاق عن واجب السلطات الصحية من جهة الحجر الصحي، وإعطاء اللقاحات والقضاء على مسببات المرض والوباء؛ لأن ذلك من جملة الأسباب التي أُمر بها العبد لمدافعة المرض، وكذلك نشر الوعي الصحي المكثف ببيان مسببات المرض، وكيفية تجنبه، وأهم أعراضه لمداواته، وفي الحين نفسه ينبغي أن نقويَ عند الناس جانب التوكل، وتفويض الأمر لله والثقة به جل وعلا تعالى، فيقترن الأمران ببعضهما؛ ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾.


حكم طلب الموت لمن أصابه البلاء

وأكد عضو هيئة التدريس بالأزهر، أن المسلم ليس من حقه أن يستسرع أو يطلب الموت، وعليه أن يعلم أن طلبه الموت ليس كمالا بل هو نقص وعوَرٌ في شخصيته فوق أنه ينُمُّ عن شعوره بالتسخط على أقدار الله فيه وهذا مؤشر خطير على ضعف الإيمان وزعزعة اليقين.

ونوه إلى أن من أصيب بهذا الداء أن يعلم أن الأمل في الشفاء فريضة شرعية، وضرورة صحية مرعية، لا ينبغي أن ييأس أو يتكاسل في الأخذ بأسباب الشفاء فلقد حث الإسلام على الأخذ بالأسباب الطبية والعلاجية.

واستشهد بعدد من الأحاديث منها: جاء الأمر النبوي واضحا بالتداوي في قوله –صلى الله عليه وسلم-: “تداووا فإن الله تعالى لم يضع داءً إلاّ وضع له دواء غير داء واحد الهرم”، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ” إن الله لم يخلق داءً إلاّ خلق له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله إلاّ السام، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: الموت”، وهذا الحديث يعطي أملا للمرضى بأن لكل مرض علاجا ودواء، وأيضا يحفز العلماء والأطباء على السعي لاكتشاف العلاجات المناسبة لكل الأمراض، وأن يحذفوا من أدبياتهم مقولة: “إن هذ المرض ليس له دواء” فالحقيقة أن له دواء لكنه لم يكتشف بعد.

أدعية رفع الوباء

وقال البصيلي إنه لا ينبغي التغافل عن الأدعية المحصنة من الأمراض والوباء خاصة بعد تحذيرات بانتشار فيروس كورونا بأنحاء العالم ، وهذا لا يعنى  عدم الأخذ بالاسباب او التداوى والبحث عن العلاج، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا برفع الوباء عن المدينة المنورة، كما أن التحصن بالرقى والأدعية والأذكار الشرعية من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

وتابع: فقد كان صلى الله عليه وآله سلم يكثر من الاستعاذة بالله من ( مِنْ الْبَرَصِ ، وَالْجُنُونِ ، وَالْجُذَامِ ، وَمِنْ سَيِّئْ الْأَسْقَامِ) رواه أبو داود . فلقد حفلت السنَّة النبوية المطهرة بأحاديث صحيحة كثيرة تحث المسلم على الإتيان بما فيها من أدعية وأذكار من أجل وقاية قائلها من الضرر ، والشرور، وهي شاملة بمعانيها العامَّة للوقاية من الإصابة بالأمراض والأوبئة المختلفة ، ومنها : عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ:(مَنْ قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ ) رواه أبو داود والترمذي وصححه.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ  مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ ، قَالَ : ( أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم. وعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه قال : خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ لَنَا ، فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ : ( أَصَلَّيْتُمْ ؟ ) فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، فَقَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ : ( قُلْ ) ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ ؟ قَالَ :  قُلْ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ). رواه الترمذي وأبو داود.