جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أنتونى هوبكنز.. أساطير الحافة والظلال «٥-5»

 

برع أنتونى هوبكنز فى أداء أدوار الطبيب النفسى والمستبصر الذى يمتلك مواهب خاصة، مثل رؤية مشاهد من الماضى أو المستقبل وقراءة الأفكار ومهارة التحليل.

عندما تلقى هوبكنز سيناريو فيلم «صمت الحملان» The Silence of the Lambs، اعتقد فى البداية أنه كان فيلمًا للأطفال، وبعد ١٠ صفحات اتصل بمدير أعماله وسأله عما إذا كان عرضًا حقيقيًا، لأنه كما أعلن فى ذلك الوقت «هذا هو أفضل نص قرأته على الإطلاق».

كسا هوبكنز صوته بمسحة معدنية استلهمها من شخصية الذكاء الاصطناعى «هال ٩٠٠٠» فى فيلم «ملحمة الفضاء»، ومن طريقة مدرس له فى الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية، كان لديه صوت قاطع، يستطيع أن يقطع الشخص إلى أشلاء.

ارتجل هوبكنز العديد من الجمل أثناء تأدية دور هانيبال ليكتر، وجعله يتصرف مثل الآلة، ويتحرك مثل سمكة قرش صامتة. لم يرف جفناه أثناء قول الجمل فى هذا الدور ليجعل الشخصية مخيفة أكثر، مما جعل معهد الفيلم الأمريكى يضع أداءه فى هذا الفيلم فى المرتبة رقم ١ لأفضل أدوار الشر فى تاريخ السينما، كما يعد دوره بالفيلم هو أحد أقصر الأدوار التى فازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل فى دور رئيسى، ولم يتجاوز دوره فيه ١٧ دقيقة.

وقد عاد ليقدم دور الطبيب النفسى الذى يساعد الشرطة فى حل الجرائم الملغزة فى Solace «٢٠١٥»، و«Elyse» ٢٠٢٠، حيث تتشابك الذكريات مع الهلوسة داخل عقل المريضة إليزا، قدم دور المستبصر فى Hearts in Atlantis «٢٠٠١»، وتأتى براعة هوبكنز فى أداء دور المستبصر من إيمانه بالقدر، وبالأحلام، فعندما كان صغيرًا كان يراوده فى كل ليلة حلم يرى فيه نفسه يجلس على ظهر فيل ضخم، طفل صغير وحيد على ظهر وحش ضخم، يتجول فى الغابة يستمد الطفل شجاعته من سيطرته على الفيل الذى يستمر فى سيره دون وجهة محددة، حاملًا الطفل الذى يرغب دومًا فى الهروب من شىء ما.

كما يمتلك هوبكنز القدرة على أن يرى نفسه فى صورة غير ما يراه الناس، فقد رأى الجميع أنه ممثل شكسبيرى، لكنه لم يشعر بأنه مناسب لهذا المسار، على الرغم من أن أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات كانت عصرًا رائعًا للمسرح البريطانى، شارك فيه ممثلون كبار، مثل إيان ماكيلين وجودى دينش، فإنه فر من شكسبير إلى هوليوود عام ١٩٧٣.

وعلى الرغم من أن هوليوود أعطته كل ما كان يتمنى وأكثر: النجاح، الشهرة، وظهر فى مرآتها وجهه الحقيقى وأصبح العبقرى، الأسطورة، والأيقونة، ووضعت نجمته فى ممرها للمشاهير، ومن خلال استديوهاتها تحققت نبؤة المخرج: «أنت أفضل ممثلى جيلك»، أصبح النجم البريطانى الأعلى أجرًا مع نهاية التسعينيات بقيمة ١٥ مليون إسترلينى.

إلا أن أنتونى الذى حصل على الجنسية الأمريكية عام ٢٠٠٢ مع احتفاظه بالجنسية البريطانية لا يحب هوليوود، بل يمقتها كثيرًا، ويعبر دومًا عن عدم حبه لها، وينتقد ممثليها، ويراها مكانًا «خبيثًا» و«سامًا»، يردد: «لا أريد أن أكون مُحاطًا بمثل هؤلاء الأشخاص، ممثلين مصطنعين ومغرورين، وتقبيل الخدود، لا يروق لى هذا، إنه نفاق كبير للغاية».

وعلى الرغم من نجاحات هوبكنز الفنية فإن هناك شرخًا فى حياته الخاصة بسبب ابنته «إبيجيل هوبكنز» «٥٣ سنة» التى انفصل عن والدتها فى بداية السبعينيات ولا يوجد تواصل بينهما، وقد أثار غضبه سؤال أحد الصحفيين عما إذا كان قد أصبح جدًا، فأجاب بأنه غير مهتم، ثم عاد وأوضح أنه بذل كل ما يستطيع لإصلاح العلاقة بينهما، لكنها الحياة، وهذا ما يحدث فى بعض الأسر.

نعم إنها الحياة، فالممثل الذى برع فى فيلم الأب ووقفت ابنته إلى جانبه على شاشة السينما، قد لا يجد هذه الرعاية من ابنته على شاشة الواقع.

يقول هوبكنز: «فى البداية نظن أن كل شىء مهم للغاية، لكننا فى النهاية نكتشف أنه لا يوجد شىء مهم، كله دخان، أحيانًا أنظر إلى حياتى وأتساءل: هل كان كل ذلك حلمًا؟ كل شخص أعرفه مات الآن رحل والداى، وأتعجب هل كانا موجودين بالفعل؟ يبدو أننى ذاهب إلى الميتافيزيقيا، والماضى بالنسبة لى غير مفهوم».