جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

صداع الحد الأقصى للأجور

 

متوسط رواتب الرؤساء التنفيذيين فى الشركات الخمسمائة الكبرى المدرجة فى البورصة الأمريكية، يعادل ٢٦٤ ضعف متوسط رواتب موظفى هذه الشركات. وعليه، طالب أكاديميون ونشطاء فى الولايات المتحدة بتقليص هذه الفجوة الشاسعة. وطرحوا على الشركات ثلاثة خيارات: تخفيض أجور الرؤساء التنفيذيين، أو رفع أجور العاملين، أو دفع ضرائب إضافية.

الولايات المتحدة تشهد أكبر تفاوت فى الرواتب. وأشارت دراسات حديثة إلى أن متوسط رواتب المديرين التنفيذيين قفز منذ سنة ١٩٧٨ إلى أكثر من ٩٠٠٪، بينما لم يرتفع متوسط رواتب الموظفين إلا بنسبة ١١٪ فقط. والغريب أن هذا التفاوت انعكس أيضًا على ممارسات الشركات خلال أزمة وباء «كورونا المستجد، وقامت شركات عديدة بالاستغناء عن موظفين يتقاضون رواتب منخفضة، بينما رفعت حزم تعويضات المديرين التنفيذيين!

الفرصة الآن مواتية للمطالبة بتقليص الفجوة بين أجور الرؤساء التنفيذيين وباقى الموظفين، حسب سارة أندرسون، من معهد الدراسات السياسية، التى أكدت أن الوباء أظهر أهمية دور صغار الموظفين فى النهوض بالاقتصاد والصحة العامة. وترى «أندرسون» أن الرئيس التنفيذى يجب أن يتقاضى بحد أقصى ٢٥ ضعف متوسط الرواتب، لكى تتحقق العدالة والمساواة.

متوسط رواتب المديرين التنفيذيين فى الولايات المتحدة كان يساوى ٣٧٥ ضعف متوسط رواتب الموظفين، قبل الأزمة المالية العالمية سنة ٢٠٠٨. لكنه هبط إلى ١٩٦ مرة فى ٢٠٠٩، ثم عاد ليرتفع تدريجيًا، ليصل إلى ٢٠٠ ضعف سنة ٢٠١٦، وكان الرقم ٢٠٠ يتردد كثيرًا خلال الحملة الانتخابية لهيلارى كلينتون، التى أرادت كسب تأييد من يرون أن رواتب كبار المديرين خيالية وغير مبررة. وقيل، وقتها، إن المرشحة، التى خسرت لاحقًا، استندت إلى استطلاع رأى أجرته جامعة «ستانفورد» قال إن هؤلاء يمثلون ٧٥٪ من الأمريكيين. والشىء نفسه، فعلته حملة جو بايدن، الرئيس الحالى، وتسبب فى مواجهات بين جناحى اليسار والوسط فى الحزب الديمقراطى.

الضريبة على الشركات، التى تتفاوت فيها الرواتب، يجرى فرضها بالفعل فى «بورتلاند»، كبرى مدن ولاية أوريجون، التى أصدرت سنة ٢٠١٦، قانونًا بفرض ضريبة نسبتها ١٠٪ على أى شركة مدرجة فى البورصة الأمريكية، يتقاضى رئيسها التنفيذى ١٠٠ ضعف ما يتقاضاه الموظفون، و٢٥٪، إذا كان يتقاضى ٢٥٠ ضعفًا. غير أن ائتلاف شركات بورتلاند، الغرفة التجارية بالمدينة، قال إن هذه الضريبة لم تدفع أيًا من الشركات إلى تغيير ممارساتها!

ضريبة مشابهة فرضتها ولاية سان فرانسيسكو العام الماضى، وتدرس، منذ مارس الماضى، مشروع قانون أطلقت عليه اسم «قانون الضريبة على أجور الرؤساء التنفيذيين المبالغ فيها»، سيتم تطبيقه حال إقراره، على مجمل عائدات الشركات، التى يتقاضى فيها الرؤساء التنفيذيون ٥٠ ضعف متوسط رواتب الموظفين، وتحقق ١١٠ ملايين دولار على الأقل سنويًا. وهناك دراسة أصدرها معهد «إكونوميك بوليسى»، Economic Policy Institute، رأت ضرورة فرض الضريبة الإضافية، أيضًا، على أصحاب الدخول الكبيرة.

فوارق الأجور فى بريطانيا تخضع لتدقيق كبير منذ سنوات، وهناك قواعد جديدة، تم إقرارها مؤخرًا، جعلت هذا التدقيق أكثر صرامة. ومع ذلك، أظهرت وثائق مصرفية أن مديرى البنوك البريطانية يتقاضون أجورًا تفوق متوسط الموظفين بـ١٢٠ مرة.

هنا، فى مصر، أصدر رئيس الجمهورية القرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ٢٠١٤، الذى نص على ألا يزيد الحد الأقصى لأجور العاملين لدى أجهزة الدولة على ٣٥ ضعف الحد الأدنى، وبما لا يتجاوز ٤٢ ألف جنيه شهريًا، تطبيقًا للمادة ٢٧ من الدستور، التى أوجبت تقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن حياة كريمة، وحد أقصى فى أجهزة الدولة. لكن، بمجرد أن أعلن الرئيس عن زيادة الحد الأدنى من ١٢٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه، تقدم نحو ٦٠ عضوًا بمجلس النواب، فى مايو ٢٠١٩، بمشروع قانون لرفع قيمة الحد الأقصى. 

بين صدور القرار بقانون، والمطالبة بتعديله، صدرت أحكام قضائية باستثناء عدة جهات، بدأت بحكم أصدره المستشار يحيى دكرورى، نائب رئيس مجلس الدولة السابق، فى يونيو ٢٠١٥، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار أصدره رئيس مجلس الوزراء بتطبيق القانون على العاملين ببنوك القاهرة، الأهلى المصرى، والتعمير والإسكان و... و.... والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن «دكرورى» كان، وقت إصداره الحكم، مستشارًا قانونيًا للبنك المركزى، وعضوًا بمجلس إدارته!

طبيعى أن تؤدى هذه الفوارق الضخمة، إلى حدوث فجوات على عدّة أصعدة. لكن غير الطبيعى هو أن جهات أخرى، غيرت تلك التى استصدرت أحكامًا قضائية، شهدت تجاوزات أو شبهات، أراد أعضاء فى مجلس النواب التحقق منها، فتقدموا عبر اللجنة الفرعية لموازنة البرامج والأداء، بتوصية عامة، لمراجعة الهياكل الوظيفية للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة لبيان مدى التزامها بالحد الأقصى للأجور.