جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

حتى لا يكون تاريخًا للغو والمناكفات الكيدية



ونحن نقترب من موسم اللغو الغير مثمر في معظمه والحماس الخطابي بإدعاء الوطنية وهي في غالبيتها مساجلات عنترية ومناكفات كيدية حول ثورة يوليو 1952 ورموزها، ونسمع ونقرأ السؤال الأشهر على لسان أشاوس منتديات كراهية يوليو: وماذا تبقى من حركة يوليو؟.
وكأنه السؤال العبقري المنجز البليغ والأمين الضافي لإسكات كل أصوات البروباجندا اليوليوية التافهة في تصورهم، أما عشاق الثورة وإنجازاتها ورجالها فإنهم يسألون عشاق الزمن الملكي وأبناء ثورة "الدين لله والوطن للجميع": وماذا تبقى من ثورة عاش كل أبطالها في زمن استعمار محتل حتى كان التحرير والجلاء في زمن الحركة المباركة؟.
ونتابع حملات اللغو التافهة والثرثرات المضيعة للوقت وضياع فرص كتابة تاريخ حقيقي والإجابة على أسئلة هامة للبناء عليها للحاضر والمستقبل، يرافق تلك الحملات تشويه رموز وطنية عظيمة على الجانبين ولا مانع من تمجيد أدوار من لا يستحقون، النيل من مواقف تاريخية عظيمة وإعلاء وتضخيم لممارسات نالت من الوطن وحقوق المواطن.
وهنا هل لنا أن نسأل هؤلاء وهؤلاء: ألا ترون في مقدمة الصورة وفي عمقها أن أي حراك اجتماعي وإنساني ثوري يقف في النهاية في صدارته المواطن المصري بكل تاريخه وآماله وطموحاته، وأن النيل من منجزه التاريخي هو تسفيه من قدره ومن مكانته الوطنية المشهود لها عبر التاريخ؟
أعتقد أن خير مثال على بشاعات من لا يقدرون دور الشعوب ولا يحترمون إرادتهم قد تجسد في رؤية وموقف إخوان الشر والخيانة إبان رفض المصريين لحكمهم وقيام الملايين من المصريين بثورة 30 يونيو وكيف سفه أعداء الحياة من قدر إرادة المواطن المصري، ولكن كان تمسك الشعب الثائر بالهوية المصرية بقيادة البطل عبدالفتاح السيسي بتفويضه وبخيار شعبي عظيم القدر، فكانت نيرانهم التي أشعلوها في كل أرجاء الوطن قد أشعلت الحماس في صدور وقلوب كل المصريين لتنجح أعظم ثوراتهم في التاريخ المعاصر. 
وعليه تبرز أهمية "الوعي" التاريخي بما يمثله من بناء للمواطن الصالح وضرورة مطالبة الأجهزة المعنية بالقيام بالأدوار المختلفة لدعم الوعي بتاريخ الوطن ومؤسساته ورموزه ومتغيرات واقع أحوال الناس في الأزمنة المختلفة مع مراعاة الظروف الحاكمة والمؤثرة والمشكلة لمواصفات واقعهم بمقاييس زمانهم في كل مرحلة.
ولا ينبغي الاكتفاء بإصدار الكتب التاريخية أو تنظيم المؤتمرات وإقامة الندوات حيث أن التاريخ المقدم بهذه الوسائل التقليدية يتابعه متلقي من نوعية محددة، وعليه نأمل توجيه الدعوة إلى أهل التخصص في كتابة التاريخ بأمانة وحرفية إلى الإسهام لنشرالوعي التاريخي ما بين المواطنين من خلال الوسائط المتعددة التي يذخربها العصرالحديث ومنها الدراما التلفزيونية والسينمائية والتي تمثل أحد أهم وسائل المعرفة التاريخية، فالرواية التاريخية أو "الكتاب الشفهي" تكمن أهميته في أنه يصل لمستمعيه في الأسواق الشعبية مع الحرص الشديد على ألا نتركها للهواة على نواصي العلم والثقافة.
وفي هذا السياق ينبغي تحية الدور التثقيفي والتنويري الذي تلعبه بوطنية ووعي جريدتنا الغراء "الدستور" في مجال التوقف عند محطات هامة في تاريخنا المعاصر بإنفتاح يخاصم منهج أحادية الرؤية وتناول مواقف وإنجازات رموز تلك المراحل وأدوارهم الوطنية والاجتماعية دون إغفال أي سلبيات بدعوى أنها تمثل إهانة لرموزنا، فتترهل صفحات تاريخنا وتصل للنشئ وفلذات الأكباد على نحو مغاير ومزيف للأسف!
منذ أكثر من حقبة من الزمان أكدت د. زبيدة عطا، أستاذ بآداب جامعة القاهرة، أن طرق تدريس منهج التاريخ في المدرسة المصرية قديمة، وهناك حالة عدم وعي البعض بأهمية دراسته كضرورة قومية حيث معرفة الإنسان لجذوره وأصوله يعتبر أساس التواصل مع الحاضر، منتقدة دأب مسئولي وزارة التربية والتعليم في مصر بالبدء في الاصلاح بالتلويح بتهميش دراسة التاريخ، محذرة من تعريض تاريخنا للضياع والتشويه على النحو الذي تعرض له التاريخ خلال عمليات التغييرالمتتالية التي أسقطت فيها العديد من الحقب والعصورالتاريخية على الرغم من أهمية أحداثها بينما تم إنتقاء والتركيزعلى فترات أخرى من تاريخ مصروالعرب الحديث تمتلىء بالأخطاء التاريخية سواء بالنسبة للأحداث أوالتواريخ فضلاً عن تعمد ذكر أسماء لا حصر لها، مما يصعب على الطالب إستيعابها وفهم أدوارها اللهم إذا قام الطالب بتلخيصها وحفظها عن ظهر قلب.
وقد إنتقدت "زبيدة" المدارس التي تفتقر لفنون إعداد الخريطة والمنهح الدراسي الذي يحتاج إلى إعادة صياغة ودراسة حتى يقوم على الحوارالجاد والمناقشات.