جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أبناؤنا التلاميذ فى ظل امتحانات «كورونا»

 

هناك فى قاموس الإنسانية كلمة اسمها «الرحمة»، وأتوقف عندها للحظات، لأننى أتوجه بها إلى كل من لديه شىء من «الرحمة» فى قاموس تعاملاته مع الآخرين، أما من لا يعرفها أو يشعر بأنها غير ضرورية فى تعاملاته مع الآخرين، فإنه لن يدرك أهمية مطالبتى بها الآن وفى هذا التوقيت بالذات، لأننا فى موسم امتحانات نهاية العام، سواء فى المدارس، أيًا كان نوعها، أو فى الجامعات أو فى المعاهد أو فى الكليات، أيًا كان التخصص فيها.
إن غالبية البيوت المصرية فيها أبناء أو بنات فى فترة الامتحانات لنهاية العام، والتلاميذ يذاكرون طوال العام فى ظل ظروف صعبة لاجتياح العالم وبلدنا فيروس «كورونا» الملعون، الذى يحصد أرواحًا كثيرة، لأنه فيروس مميت وخطير وغير محدد الملامح.
كما أن الطلبة والطالبات يؤدون الامتحانات النهائية فى ظروف استثنائية بالغة الصعوبة والتعقيد، لأننا ما زلنا فى ظل جائحة «كورونا»، التى هى كارثة عالمية بكل المقاييس صحيًا ونفسيًا، وهى أيضًا كارثة لا تزال مستمرة، وقد ألقت بظلالها الكئيبة على كل البيوت فى العالم دون استثناء لدولة دون الأخرى، وتسلل الرعب منها إلى كل النفوس فى بلدنا وفى كل أنحاء العالم.
فلم تسلم دولة من إصابات فيها بنسب مختلفة، ولم تخلو أسرة- إلّا من رحم ربى- من إصابة بها، وعاش الكبار والصغار على السواء شهورًا طويلة صعبة فى مواجهة يومية مع جائحة خطيرة تجتاح الكبير والصغير، وتطال كل موقع وكل مكان.
وفى ظل هذا الرعب الطاغى على النفوس، ومع استمرار فيروس «كورونا»، كان لا بد من اتخاذ الدول قرارات حكيمة، واتخاذ الحكومات التدابير الضرورية لحماية المواطنين من مخاطرها وعلاج المصابين بها، وأغلقت دول على نفسها تمامًا ومنعت التنقل والسفر، وأُضيرت الأحوال الاقتصادية والأعمال أضرارًا كبيرة، وتوقف أو اختفى كثير من صور الحياة اليومية الطبيعية، وقررت الحكومات والقادة والرؤساء والمسئولون فى معظم الدول إلزام المواطنين بإجراءات احترازية محددة وأساسية، إضافة إلى التدابير الضرورية من أجل التصدى لزيادة الإصابات ووقف نزيف الوفيات.
واستطاعت مصر، والحمد لله حتى الآن، أن تحمى- بكل ما استطاعت من إمكانات وقدرات وفرق عمل وقيادة سياسية حكيمة وواعية- المواطنين وحصار الإصابات من التفشى بأعداد كبيرة مروعة، كما حدث فى كثير من الدول، كما وفرت العلاج الضرورى للآلاف بتوجيهات واضحة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وأيضًا تم توفير اللقاح، ويتم استمرار توفيره لمن لم يتلقونه حاليًا.
أما القضية التى أطرحها الآن، فإنها تهم كل بيت فيه طالب أو طالبة لديه امتحانات نهاية العام، وأيًا كانت أعمارهم، فهناك صعوبة شديدة فى مواجهة الامتحانات، وهناك أيضًا حالة طوارئ وخوف وقلق على الأبناء من صعوبة السنة وتغيير أساليب التعليم، وتلقى المناهج والمذاكرة عن بُعد ودون شرح مباشر من المدرسين والأساتذة، ومن خلال الأونلاين.
فالمذاكرة طوال العام، ومنذ بدايتها، كانت بأساليب صعبة مختلفة وغير مسبوقة، إذ كانت فى معظم السنة عبر الأونلاين، خوفًا من تجمع التلاميذ فى الفصول وانتشار الفيروس القاتل، بما يعنى اعتماد المذاكرة على جهد التلميذ والأهل فى البيوت.
وفى بعض الكليات، كما علمت من بعض الطلبة، فى كلية الطب على سبيل المثال، كانت الدراسة عبر «الأونلاين» فى معظم السنة، رغم أنها من الكليات العلمية التى تتطلب شرحًا بطريقة عملية.. بما يعنى الاعتماد على المجهود الذاتى للطالب أو للطالبة وليس على شرح مباشر ووافٍ من الأساتذة، وفى بعض المدارس الخاصة أو الحكومية كانت تتم نسبة الالتزام بالحضور بأيام قليلة فى الأسبوع ومحددة اعتمادًا على الإجراءات الاحترازية والالتزام بها، ما أدى إلى فزع لدى معظم التلاميذ الصغار فى الصفوف الابتدائية وأهاليهم.
أما بالنسبة للثانوية العامة فهنا تأتى أصعب الظروف سواء كانت فى المدارس الخاصة أو الحكومية، وحينما كنت أتواصل مع بعض الأهالى كنت أشعر بمدى قلقهم وفزع التلاميذ من دخول الامتحانات النهائية، وروت لى تلميذة مجتهدة، وكانت دائمًا تحصل على نتائج ودرجات متفوقة فى امتحانات نهاية العام فى السنوات الماضية، أنها تعانى هذا العام فى المذاكرة بسبب ظروف «كورونا»، فيما اضطرت إلى المذاكرة «أونلاين» معظم العام، وما زالت تحت ضغط كبير عليها نفسيًا وبدنيًا بما لا تتحمله سنها الصغيرة «١٧سنة».
وبسؤال أحد أطباء الباطنة المعروفين، الذين يعالجون فيروس «كورونا»، حول تأثير فيروس «كورونا» على الجسم على مدى ما يقرب من عام ونصف العام، حيث إننا فى العام الثانى منذ ظهوره- أكد لى أن الضغوط النفسية الشديدة والمتواصلة من أثر وتأثير فيروس «كورونا» تحدث نوعًا من نقص المناعة فى جسم الإنسان، لهذا ينصح معظم الأطباء بالحرص على اتباع الإجراءات الاحترازية للحماية منه والتطهير المستمر والبُعد عن الزحام، وممارسة أى نوع من أى رياضة نحبها بشكل منتظم، مثل المشى مثلًا، للتخلص من الضغوط النفسية.. انتهى كلام الطبيب وهى روشتة تصلح لنا جميعًا فى كل سن وفى أى مجال.
أما بالنسبة للطلبة والتلاميذ، المتخمين بالضغوط النفسية مع اختلاف طريقة الحياة ونظام الدراسة، خاصة فى الثانوية العامة التى هى بمثابة «الغول المرعب» الذى يجتاح البيوت، مضافًا إليها هذا العام «الغول الكارثة» أى فيروس «كورونا» المميت والمرعب لكل العالم- فإننى أطالب وزير التربية والتعليم ببعض «الرحمة» مراعاة للظروف الصعبة التى مر بها كل طالب وطالبة.
كما أطالب وزير التعليم العالى أيضًا بالرحمة بأبنائنا من الطلبة فى الكليات والمعاهد الذين يواجهون الامتحانات النهائية فى مناخ فيروس «كورونا» المرعب، وأتمنى أن يوجه كلا الوزيرين نداءً إلى مسئولى المدارس والجامعات الأجنبية فى مصر بـ«الرحمة» بأبنائنا الطلبة والطالبات.
أما أنا فقلبى مع أبنائنا وبناتنا الذين يواجهون مستقبلهم بقلوب يملؤها الخوف والفزع، ويواجهون الامتحانات النهائية بأيدٍ مرتعشة يملؤها الخوف ويطغى عليها القلق وعقول عانت من ضغوط نفسية وصحية ثقيلة.
إن شيئًا من «الرحمة» أو «الرأفة» قد يؤثر فى مسارات مستقبلهم الذى هو على المحك الآن بسبب الامتحانات فى ظل مناخ فيروس «كورونا» الكئيب.