جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

في ذكري رحيله.. راغب مفتاح رائد الموسيقي القبطية في العالم

راغب مفتاح
راغب مفتاح

تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم، ذكري رحيل الدكتور راغب مفتاح؛ معلم التراث الموسيقي الكنسي، إذ روي ماجد كامل الباحث في التراث القبطي سيرته قائلاً : يمثل العالم الكبير الدكتور راغب مفتاح ( 1898- 2001 ) قيمة كبري في تاريخ الدراسات القبطية بصفة عامة ؛ والموسيقي القبطية منها بصفة خاصة ؛ فهو يعتبر من أوائل العلماء المصريين الذين عملوا علي دراسة وتوثيق  الموسيقي القبطية دراسةعلمية مقننة وفق  قواعد النوتة الموسيقية  .

وتابع: ولد راغب مفتاح في 21 ديسمبر 1898؛ لعائلة قبطية خدمت الثقافة القبطية كثيرا ؛ نذكر منها عريان مفتاح ( 1826- 1886 ) الذي ضبط قواعد نطق اللغة القبطية؛ كما كان والده حبشي مفتاح أحد مؤسسسي جمعية التوفيق القبطية .

واستطرد: راغب مفتاح علي شهادة  البكالوريا عام 1918، وسافر إلي المانيا لدراسة الزراعة من جامعة بون University of Bnn ؛ ثم تفرغ لدراسة تاريخ الموسيقي بأوروبا .

مضيفا: رجع إلي  مصر عام 1926 ؛ لقد رسم مستقبل حياته أن يتفرغ بالكامل لدراسة الموسيقي القبطية ؛ وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف؛ سافر إلي انجلترا علي نفقته الخاصة ؛ وهناك تعرف علي الموسيقار العالمي "أرنست نيولاند سميث " الأستاذ بالأكاديمية الموسيقية الملكية بلندن ؛ طلب منه أن يزور مصر لمدة 7 شهور سنويا بين ( أكتوبر – إبريل ) علي أن يتحمل راغب مفتاح نفقات الإقامة كاملة ؛وطلب منه العمل علي تدوين الموسيقي القبطية علي أسس علمية راسخة ؛ وفي ثلاثينات القرن العشرين .

FB_IMG_1623829904209
FB_IMG_1623829904209


وقال: اختار راغب مفتاح المرتل ميخائيل جرجس البتانوني (1873- 1957) ؛ لتسجيل ألحان الكنيسة القبطية أمام المايسترو العالمي نيولند سميث ؛ ودون الأخير نيولند هذه الألحان في ستة عشر مجلدا.


واستكمل:في عام 1932 ؛نظمت الحكومة مؤتمرا للتراث الموسيقي شارك فيه كبار الموسيقين من ألمانيا والنمسا وفرنسا؛ ومنهم راغب مفتاح الذى تقدم ببحث عن الموسيقي القبطية ؛ودعا كبار الموسيقي العالميين الحاضرين للمؤتمر ؛لقداس في كنيسة العذراء الشهيرة بالمعلقة ؛ وصلى القداس القمص مرقص جرجس (  1900 – 1966 ) كاهن كنيسة مطاي؛  بالاشتراك مع المعلم ميخائيل جرجس البتانوني ؛ ولقد أثارت نغمات القداس الإلهي شعور كبار الموسيقين العالمينن الحاضرين للمؤتمر .

وقال : في عام 1940 ؛شكل راغب مفتاح بتكوين فريق من المرتلين من طلبة الكلية الاكليركية وخورسين :- أحدهما لطلبة الجامعة والثاني للطالبات ؛ وفي عام 1954 أقام مركزا لتعليم الألحان للمرتلين والشمامسة  في وسط القاهرة ؛وكلف فيه المعلم ميخائيل بالتدريس به .

وواصل: لقد كان للدكتور راغب مفتاح دورا في تاسيس معهد الدرسات القبطية بالقاهرة عام 1954 ؛إذ قال في مذكراته الشخصية " وفي عام 1954 أسست والدكتور عزيز سوريال عطية والدكتور سامي جبرة والدكتور صابر جبرة معهد الدراسات القبطية ؛وحررنا محضر تأسيسه في منزل كامل بولس حنا ؛ ومنذ ذلك الحين وإلي الآن أتراس قسم الألحان بهذا المعهد وكان بالكلية الاكليركية 250 طالبا وكونت منهم أربعة خوارس الأول والثاني والثالث والرابع .

مضيفًا: أقام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث حفل تكريم له عندما بلغ المائة من العمر علي مسرح القاعة المرقسية بالأنبا رويس في 21 ديسمبر 1998 ؛ وفيه تم الاحتفال رسميا بصدور كتاب "القداس الباسيلي" مكتوبا بالنوتة الموسيقية عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة ؛ وأشترك في هذا الكتاب  كل من عالمة الموسيقي  مارثا روي ؛ والعالمة المجرية مارجريت توت ( 1920- 2009 ) ؛ العالم القبطي الدكتور راغب مفتاح   ؛ وفي مداخلة شخصية لي مع العالمية الكبيرة الدكتورة مارثا روي قالت إن هذا الكتاب خير تكريم للموسيقي القبطية ذات التأثير العالمي) .

وتابع: أخذ المسيحيون الاوائل العديد من الموسيقي المصرية القديمة  ووضعوا عليها نصوص مسيحية ؛ ومن أشهر هذه الألحان لحن "غولغوثا " الذي كان يستعمله  المصريون القدماء أثناء عملية التحنيط ؛ ولحن "بيك اثرونوس " الذي يشتمل نصفه الأول علي نغمات حزينة تردد لوفاة الفرعون ؛والنصف الثاني نغمات مبهجة تردد لزفاف الفرعون المتنقل إلي مراكب الشمس لتصحبه إلي رع في دنيا الخلود . كما أنسكبت موهبة التلحين علي العديد من كبار آباء الكنيسة القديسن مثل القديس كليمندس السكندري – القديس أثناسيوس الرسولي – مار أفرام السرياني – القديس هيلاريون أسقف بواتييه – القديس أمبروسيوس أمير اللحن اللاتيني . كذلك أيضا هناك بعض تأثيرات الموسيقي العبرية (موسيقي المعبد اليهودي) دخلت عن طريق اليهود المتنصرين بالإسكندرية وبعض الألحان التي أضافها البابا كيرلس الرابع ( 1816- 1861 )بابا الكنيسة القبطية الآرثوذكسية رقم 110 .  من الكنيسة اليونانية مثل لحن " توليتوس – لحن العذراء( آطاي بارثينوس ) وغيرها الكثير"  .

 

وواصل: لقد ذكر الدكتور راغب في أكثر من حديث أن الموسيقي القبطية موسيقي صوتية خالصة ؛ لذلك لا يليق استخدام الآلات الموسيقية مثل العود والأورج وغيرها من الآلات الموسيقية في العزف بها ؛ الآلات الوحيدة المسموح بها هي الصنوج والدف لضبط الإيقاع فقط .


وتابع: شارك الدكتور راغب مفتاح باعتباره رئيس قسم الموسيقي والالحان بمعهد الدراسات القبطية في عدد من الرحلات العلمية والثقافية التي كان يقوم بها المعهد خلال فترة أسقفية المتنيح الأنبا غريغوريوس له ؛  وعمادة المرحوم الدكتور سامي جبرة للمعهد(1892- 1979) ؛ نذكر منها رحلة جبل الطير في 19 فبرير 1970؛ رحلة الأشمونين في 20 فبراير 1970 ؛ دير ابو حنس في 21 فبراير 1970.

واختتم:رحل راغب مفتاح في 16 يونية 2001 عن عمر يناهز 103 عاما ؛ وصلى المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث علي جثمانه مع لفيف من الآباء المطارنة والأساقفة ؛ وعميد وأساتذة معهد الدراسات القبطية.