قصة «العشور» التي طلبها مستشفى شفاء الأورمان من المسيحيين فى مصر
وجّه مستشفى "شفاء الأورمان" حملة دعائية إلى المسيحيين في مصر، طالبتهم خلالها بالتبرع بـ"العشور"، وهي المرة الأولى التي يوجه خلالها مستشفى غير مسيحي نداءه إلى فئة المسيحيين تحديدًا، مُستخدما خلاله نصوصا دينية مسيحية من قلب الإنجيل.
ماذا قالت الحملة للأقباط؟
وقال المستشفى في حملته الموجهة إلى الأقباط: "قدموا العشور لمساعدة مريض سرطان، فإن العشور واجب مسيحي مقدس، يفرضه الكتاب المقدس، وهى العطية التي قدمها الإنسان إلى الله، وهي عشر ما يحصل عليه الإنسان من أي دخل سواء كان مرتبًا أو تجارة".
واستعان المستشفى ببعض الآيات الإنجيلية التي تحث على التصدق وأهمية الصدقة مثل: "هذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضًا يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضًا يَحْصُدُ" (2 كو 9: 6).
وأيضًا: "كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ" (2 كو 9: 7).
ما هي العشور؟
الشماس الإيبذياكون كيرستوفر فريد، الحاصل على دبلوم معهد الدراسات القبطية، والدارس بمعهد الرعاية والتربية الكنسية، قال، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إن الحملة أعطت تعريفًا صحيحًا للعشور، فهي فعلًا العُشر مما يحصل الإنسان عليه من دخل، وتوصي الكنيسة الأقباط دومًا بالتبرع بها كونها أمرًا إلهيًا ورد داخل نص كتابي:
"هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ" (ملا 3: 10).
تاريخ العشور في الكنيسة
البابا الراحل شنودة الثالث تحدث عن تاريخ العشور في كتابه الشهير "الوسائط الروحية"، وقال: "العشور هي أيضًا أقدم من الشريعة المكتوبة.. نسمع عن أبينا يعقوب لما رأى سلمًا بين السماء والأرض، أنه قال لله: "إن كان الله معي وحفظني.. ورجعت بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا.. وكل ما تعطيني فإني أعشره لك" (تك 28: 20-22)".
وأضاف: "ولعل يعقوب قد أخذ فكرة العشور عن جده أبينا إبراهيم، الذي قدم العشور إلى ملكي صادق كاهن الله العلى "فأعطاه عشرًا من كل شيء" (تك 14: 20)".
هل يُمكن أن تُقدم العشور إلى المسلمين؟
أشار الإيبذياكون كيرستوفر فريد إلى أن الكنيسة لا تميز بين فرد وآخر، وفكرة إعطاء الله العشور جائز جدا جدا أن تكون في هيئة مساعدة مرضى، ولا يوجد نص كتابي واحد أو وصية إلهية واحدة أو قاعدة كنسية واحدة تُلزم المسيحيين بمنح العشور لأبناء دينهم فقط، بل إن المسيح نفسه ضرب مثلًا بالسامري الصالح الذي رغم أنه كانت هناك عداوة بين شعبه وبين اليهود، إلا أنه أنقذ يهوديا من الموت رغم إهمال اليهود فيه.
كما أن النص الكتابي واضح وصريح: "فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ" (رو 12: 20)، وهذه النصوص جميعها لا تنطبق على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين الذين هم في الأصل أخوة، ولكن حتى في حالة الاعداء فمساعدتهم واجبة.
ما هو حكم الكنيسة في الامتناع عن دفع العشور؟
أوضح المهندس مرقس حنا، أمين خدمة المرحلة الإعدادية، في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن مناهج التربية الكنيسة التي يدرسونها للنشء والمراهقين دائما ما يكون بينها درس عن العشور بشكل سنوي، حتى يتعلم النشء في كل سنة قيمة وأهمية العشور، إلا أن الكنيسة لا يوجد بها ما يسمى حكم الامتناع عن دفع العشور، لأن العشور وصية إلهية، وكل الوصايا التي تتم بين المؤمن وبين الله يجب أن تتم بحب وليس بالغصب أو بالإكراه فالله يرى القلب، وإن كان القلب غير راضٍ عن إتمام الوصية فلن يقبل منه الأمر.
وأوضح "حنا" أن فكرة كسر وصية العشور ككسر بقية الوصايا، مثل الشاتم الذي يكسر وصية لا تشتم وكذلك الحالف والزاني والسارق فجميعها خطايا، والله لا يكيل بمكيالين ولا توجد في قوانينه خطية كبرى وصغرى في المسيحية، فكسر الوصية هو كسر الوصية، والناتج هو الانفصال عن الله إن لم تحدث توبة.
كيف تُدفع العشور؟ وفيما تُصرف؟
أوضح "حنا" أن دافع العشور له أن يصرفها بالتنسيق مع أب اعترافه على المحتاجين أو على خدمة من الخدمات الكنسية أو على المرضى أو أي عمل رحمة، وإما أن يمنحها للكنيسة التي تقوم بتسليمه وصلا مختوما بخاتم المطرانية بقيمة المبلغ المدفوع كاملة، وتوجهها الكنيسة لأحد البنود التي في حاجة للتبرع، أما خدمات الرحمة من فقراء ومساكين وأسر المساجين والمشردين وما شابه، إما أن توجهها إلى منشآت الكنيسة ومستلزماتها من بخور وأواني وستور وغيره.