جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

القسيس وثورة يوليو

كتب القس إكرام لمعى مقالًا فى جريدة «الشروق» يوم ١٢/٦/٢٠٢١ يؤبن ويمجد فيه الزعيم الوطنى مكرم عبيد، وهذا شىء جميل ومطلوب، حيث إن زعماء مصر، وعلى مدار التاريخ، لا بد أن يكونوا موضع تقدير واحترام، ولكن القس إكرام أراد أن يكون التكريم فى إطار المقابلة والمقارنة بين نظام يوليو ونظام فاروق. 

هنا من حق الجميع إبداء الرأى وقبول نظام أو رفض آخر، ولكن هناك قواعد علمية وسياسية لهذا القبول ولذلك الرفض، بعيدًا عن ترديد مقولات موروثة تهدف دائمًا لخلق مناخ شعبوى ضد يوليو بمعلومات مغلوطة ومشوشة ويسودها فى الغالب التعبير عن ظروف نفسية ومرضية تعانى «مرض يوليو السيكولوجى»، فهذا المرض أصاب الكثيرين من ذرية مَن تضرروا من قوانين يوليو الاشتراكية، فظلوا يتباكون على زمن هم قد تجاوزوه الآن بعد عودتهم واستغلالهم زمن الانفتاح السداح مداح، فأصبحوا فى مراكز فاقت أجدادهم وبنفس الأساليب غير الشرعية التى مارسها الأجداد. 

كما أن هناك صنفًا آخر من البشر الذين استفادوا من يوليو ولكنهم يهاجمون تصورًا أن هذا يعطيهم الإحساس بأنهم وأجدادهم كانوا طبقة من الطبقات التى أُضيرت، وهذا نوع آخر من المرض النفسى. والدليل أن الكلام ما زال وثورة يوليو فى الشهر المقبل سيكون قد مضى عليها ٦٩ عامًا!، فماذا قال القس؟: «من واجبنا أن نتحدث عن أولئك السياسيين الذين شهدوا ثورة يوليو، خاصة أن ثوار يوليو قصدوا أن يصموا الحكم الملكى بكل نقيصة. وأثبت التاريخ العكس، فقد ألغى الأحزاب وخرب الاقتصاد ودخل حكام مصر حروبًا فى اليمن والجزائر وليبيا وإفريقيا». ويزيد القس قائلًا: «هنا علينا أن نلاحظ أن السياسيين كانوا من أعالى القوم وأكثرهم ثقافة وتحضرًا من الآخرين، وهذا عكس ما حدث فى يوليو، حيث تراجعت الكفاءات وأعالى القوم». 

هنا نقول: نعم يوليو ألغت الأحزاب، لأنها لم يكن لها أى علاقة بأغلبية الشعب ولا بمشاكلها التى كانت تتمثل فى ثلاثية «الفقر والجهل والمرض»، ولكنها كانت تعمل لصالح قياداتها من أعالى القوم «وهو تعبير طبقى يجب أن نخجل من ترديده» وأعالى القوم هؤلاء كان يستعملهم الملك ليقوموا بتصفية حسابات الملك مع حزب الوفد فى الغالب، مع أن حزب الوفد هذا هو الذى اختلف معه مكرم عبيد، مما جعله يكتب الكتاب الأسود الذى يسجل فيه انحرافات النحاس وزوجته وحزبه. وأخيرًا تم فصل الزعيم عبيد من البرلمان، يا قس!

أما تخريب الاقتصاد تم بالفعل، حيث إن الخطة الخمسية الأولى كانت نسبة التنمية التى تعود على المواطن مباشرة سبعة فى المائة، وكانت من أعلى النسب، ناهيك عن بناء قلعة صناعية ما زالت قاعدتها، بالرغم من بيع أصول أعظم الصناعات الثقيلة التى هى أساس أى تنمية حقيقية. 

أما دخول الحرب عربيًا وإفريقيًا فهذا لا يفهمه من ينغلق على الحقبة الفرعونية رافضًا الحقبات التاريخية المصرية، وهؤلاء المنكفئون لا يدركون مكان ومكانة ودور مصر. ذلك الدور الذى نعيده الآن والجميع يفتخر به «إلا أنت» فى ظل التحديات التى يواجهها الوطن «سد النهضة». أما السياسيون الذين كانوا من أعالى القوم «وطبعًا سيادتكم منهم» فهم مَن خرّب الأحزاب والسياسة والتاريخ يسجل مهازل الحياة الحزبية قبل يوليو. 

أما حسرتك على أن النخبة وصل إليها من هم ليسوا من أعالى القوم مثل العمال والفلاحين. هذا يا سيدى هو مصدر الفخر ليوليو ولأبنائها، حيث أعطت الفرصة لأبناء الشعب من الطبقات الفقيرة والمتوسطة لتشارك فى حكم وطنها. ولّا سيادتكم تريد عودة النظام الملكى وعودة أعالى القوم ولتذهب غالبية الشعب إلى الجحيم؟ «المال أصل لكل الشرور، مَن ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وضربوا أنفسهم لأوجاع كثيرة». 

حمى الله مصر وشعبها العظيم بكل طبقاته دون تفرقة طبقية أو....