جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

عاصر ملك و3 رؤساء..صلاح الشاهد يروي حكاياته بين عهدين

صلاح الشاهد،
صلاح الشاهد،

في مذكراته الصادرة ضمن مشروع مكتبة الأسرة تحت عنوان "ذكرياتي في عهدين"، يرصد صلاح الشاهد، مدير مراسم مجلس الوزراء خلال العهد الملكي في مصر، كبير الأمناء في رئاسة الجمهورية خلال العشرين عاما الأولي من عمر ثورة 23 يوليو 1952، كواليس السياسة وأزماتها بين العهدين الملكي والجمهوري.

يصف الكاتب الراحل محسن محمد أمانة صلاح الشاهد وسر احتفاظه بمنصبه في العهدين: "لعل أهم ما في الكتاب وفاء صلاح الشاهد لكل الذين عمل معهم خلال العهدين. فإنه لم يهاجم بكلمة واحدة أولئك الذين رحلوا عن هذا العالم."

في كتابه "ذكرياتي بين عهدين"٬ يسرد الشاهد ما سمعه وشاهده منذ أن التحق بالحكومة تشريفاتيا في 4 فبراير 1942 فكان مديرا للمراسم برئاسة مجلس الوزراء مع مصطفي النحاس٬ وحسين سري٬ وعلي ماهر٬ ونجيب الهلالي حتي قيام ثورة 23 يوليو 1952 فيستمر في عمله مع محمد نجيب وجمال عبد الناصر٬ في منصب الأمين الأول في القصر الجمهوري٬ ثم كبير الأمناء حتي عمل مع أنور السادات٬ إلي أن قدم استقالته ليتفرغ لكتابة مذكراته٬ فقبلت في 15 أبريل 1973 وبذلك قضي في وظيفته 31 عاما.  

ومن بين عشرات القصص والوقائع التي يسردها صلاح الشاهد في كتابه "ذكرياتي بين عهدين"٬ تلك المتعلقة بالفنان الكبير سليمان نجيب والزعيم جمال عبد الناصر. وجرت وقائعها في 18 يناير 1955 يقول الشاهد: أذكر أن الفنان الراحل سليمان نجيب مدير الأوبرا طلب ذات يوم مقابلة الرئيس عبد الناصر خلال أربع وعشرين ساعة لأمر هام.

فى اليوم التالى، حضر الى مكتبى سليمان نجيب وعاتبنى عتابا شديدا لعدم إتاحة الفرصة أمامه لمقابلة الرئيس .. وقال بالحرف الواحد :"ربنا ولا جمال عبد الناصر؟"، قلت له :"أستغفر الله .. ما وجه الشبه بينهما؟"، فقال :" فى إمكانى مقابلة الله سبحانه وتعالى بعد لحظات .. لو أطلقت على رأسى الرصاص، فإنى سأكون فى لقاء الله بعد ثوان". فضحكت ودخلت على الرئيس وأخبرته فضحك، وكان مجتمعا بالمرحوم أحمد حسنى وزير العدل وأمر بإدخال الفنان العظيم .. ودخل الفنان وبطريقته الظريفة ولهجته المحببة قال للرئيس عندما رأى وزير العدل إنه كان "ألفة" عليه عندما كانوا تلاميذ فى المدرسة، وهو الآن وزير وأنا .. ممثل. 
 

وطلب من الرئيس أن يشاهد آخر عمل مسرحى له قبل اعتزاله الفن فى الغد فوعده الرئيس بذلك، وذهب فعلا لمشاهدة المسرحية، وكان اسمها "المشكلة الكبرى". وقد كان الفنان سليمان نجيب رائعا الى حد كبير وكأنه كان يحس أنه يمثل آخر أدواره على المسرح فأجاد وأبدع. وفى اليوم التالى الأربعاء 19 يناير 1955 انتقل الفنان الى جوار الله".

ويتابع صلاح الشاهد: وأذكر أنه في أثناء الإستراحة بين الفصول قابل الفنان سليمان نجيب الفنانة الكبيرة زينب صدقي وقال ضاحكا: إني أعرض عليك اتفاقية جنتلمان٬ فكلانا أعزب٬ ومن يمت قبل أخيه يقم بواجب الأخوة نحو منزله فيرعاه ويشرف عليه. وأشهدني وشكري راغب علي هذا الاتفاق وضحكنا٬ وكأنه يحس بدنو أجله.  

وأبلغت الرئيس النبأ٬ فكلفني أن أنوب عنه في تشييع الجنازة وإقامة سرادق العزاء والإنفاق علي مصاريف الجنازة. وذهبت إلي منزل فناننا الرحل فوجدت الجميع يبكي فيه مروءته ولم أر أحدا من أقربائه لإبلاغه العزاء. وذهبت لمتعهد الفراشة الحاج "جاد" لإقامة السرادق لكنه أبلغني بأن شخصا لا يعرفه قد دفع له مبلغ 500 جنيه تكاليف الجنازة والسرادق والفراشين ..ألخ.

وشيعت جنازة المرحوم سليمان نجيب نيابة عن الرئيس جمال عبد الناصر٬ وعلمت فيما بعد أن الشخص الذي تطوع للإنفاق علي تشييع جنازة الفنان٬ هو المرحوم محمد سلطان باشا.