جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

إسفلت ناعم

سمير بيّة
سمير بيّة

يا للقطة المسكينة الجو بارد فى الخارج ومطر هذا المساء الشتوى لا يرحم، أما إسفلت الشوارع فقد تحول إلى سطح لامع زلق بفضل سخاء البالوعات التى تسربت مياهها الآسنة آخذة طريقها نحو الحفر المنتشرة هنا وهناك، فحولتها إلى برك موحلة، فانكشف معها وجه المدينة الآخر. القطة المسكينة عليها مغادرة الجادة سريعًا قبل أن تدهسها إحدى السيارات المندفعة. آه يا إلهى هيا ابتعدى، أسرعى يا إلهى حاذرى.. العجلات العمياء ستدهسك هيا اهربى، اقفزى لا تأمنى ذاك الإسفلت اللامع، احذرى تلك البالوعة قد تبتلعك، يا إلهى إنها ترتعش، يا إلهى شكرًا لك ها قد بلغت الرصيف أخيرًا، هيا أيتها المسكينة خطوات أخرى وتكونين تحت الأرض بين جدران هذا المأوى، انتبهى لهؤلاء المارة الذين يسرعون الخطى متقافزين لا يلوون على أحد ولا ينتبهون لما يدور حولهم. أنتِ لا شىء أمام هذا السيل من الأحذية المتنوعة الأحجام والألوان، هى عمياء تسير فى كل الاتجاهات دون وجهة معلومة. احذرى أن تدوسكِ هذه الأرجل البشرية القاسية. هيا تحركى راوغيها، اقتربى من هذه النافذة واقفزى منها، لن أخيفك، هيا سنتقاسم هذه الكسيرات، صحيح أن مذاقها حامض، لكنها أفضل من ألم الجوع، سأضع بعض الخبز قرب النافذة لعله يجذبها إلى هنا. سأبتعد قليلًا عن النافذة، قد تشم رائحتى فتفر هاربة. أجل ها هى تقترب، هيا تغلبى على خوفك، حسنا سأختبئ تحت هذه السيارة وأراقبها من بعيد. ما بالها متسمرة فى مكانها لا تتحرك؟ هل التقطت رائحتى؟ هل اكتشفت مكانى؟ آه يا إلهى إنها.. إنها تبتعد من جديد، إنها تعود إلى الرصيف مرة أخرى، بل تقذفها غابة الأرجل نحو إسفلت الشارع. هيا عودى.. عودى أرجوك. هل أنـْ.. بـَ..؟ لا قد يعقّد ذلك الأمر، قد يكون القدر إلى جانبها فتنجو من موت محتوم.

راقب سيارة تندفع بجنون مترنحة على الإسفلت الزلق، بينما ارتفع صوت فرملة فى الفضاء يصم الآذان، فأغمض عينيه فى استسلام. سمع صوت ارتطام قوى، فتح عينيه ببطء، فإذا السيارة قد اقتلعت عمود الإنارة من مكانه بينما تكومت القطة أو ما بقى منها تحت العجلة الخلفية قرب بالوعة تدفق ماؤها، الذى سرعان ما حمل الكتلة الرمادية الغارقة فى دمائها نحو بالوعة أخرى فابتلعتها. فارتفع فى الفضاء نباح حزين أشبه بالعواء آت من مأوى السيارات.

بنك

آنسة هل تدلينى على بنك «ماذا أقول لها هذه التفاحة الدنماركية، آه لو أقطفك، أترضين أن تكونى بنك جنونى وجموح هذا الجسد العطشان ورغبتى الحارقة، سأكون واضحًا معكِ بنكًا..» يقهقه: أريد بنكًا يشترى حيواناتى الأليفة جدًا، هل أطلعها على مدى تحررى الجنسى، رغم أننى عربى مسلم؟ لا قد لا يعنيها ذلك، هل أطلعها على جنسيتى؟ أنا أحد أبناء الكهنة الفحول، الذين انتشروا من البحر إلى المحيط، نحن البربر مثل الفايكنج تمامًا. هل أخبرها عن شهائدى فى الطب؟ هل أحدثها عن تفوق العرب فى هذا الميدان مثل الرازى وابن سينا وابن الجزار وغيرهم؟ هل هو بحث منى عن مجد ضائع؟ ما نفع ذلك الآن؟

- أنا طبيب مختص فى التوليد وأمراض النساء، فررت من بطالتى التى لاحقتنى فى بلادى طيلة أربع سنوات. المهم أنا أريد البنك حتى لا أموت جوعًا. قالها ببرود واضح.

- وما حاجتك إلى البنك ما دمت عاطلًا عن العمل؟ «أضافت وهى تبتسم ابتسامة ساحرة.

- البنك قد يقبل بضاعتى فيمنحنى مالًا يحل أزمتى.

- وما بضاعتك؟

- مجرد حيوانات، قالها وشبح ابتسامة طفا على وجهه.

- حيوانات؟ ماذا تقصد؟

- ربما لم تفهمى قصدى، أنا أبحث عن بنك يشترى حيواناتى المنوية فقد سمعت ذلك من عدة مهاجرين إلى بلدكم أنا أحتاج المال.

- وهى تبتسم : دعنا نحتسى شيئًا وسننظر فى أمر حيواناتك لاحقًا.