جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

أنياب عمالقة التكنولوجيا فى خطر!

 

 

أيام، أسابيع، شهور أو سنوات صعبة تنتظر شركات التكنولوجيا الكبرى: المفوضية الأوروبية تضاعف هجماتها، المستمرة منذ سنوات، وتحركات مكثفة من حكومات وجماعات ضغط ومؤسسات مالية، إضافة إلى خمسة مشروعات قوانين، فى الكونجرس الأمريكى، تسعى لكسر هيمنة، أو أنياب، تلك الشركات، التى باتت تسيطر على حصة سوقية كبيرة فى غالبية دول العالم.

مشروعات القوانين الخمسة، التى تم الإعلان عنها، أمس الأول الجمعة، تعد أكبر مواجهة ضد «آبل»، «فيسبوك»، «أمازون» وشركة «ألفابت» مالكة «جوجل»، ولو تم تمريرها فإنها قد تعيد تشكيل الصناعة، التى وصل تأثيرها إلى كل جوانب العمل والحياة تقريبًا. خاصة، بعد تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعى والخدمات الرقمية خلال الأزمة الصحية العالمية.

هذه الشركات توحشت، وظهرت أنيابها ومخالبها، بعد أن وضعت قواعد اللعبة، التى لا تزال تلعبها إلى الآن. لكن حال إقرار تلك القوانين، لن يكون باستطاعة «أمازون» السيطرة على سوقها، وستضطر «آبل» إلى تغيير صيغة تشغيل متجر تطبيقاتها، وستتوقف «فيسبوك» و«جوجل» عن شراء المنافسين الأصغر، وقد تضطر الأخيرة إلى الانسحاب من «يوتيوب».

انتقادات وسائل الإعلام تتزايد، وثقة المستخدمين تتناقص، وأقامت عشرات الولايات الأمريكية والحكومة الفيدرالية دعاوى قضائية مزدوجة، ضد شركة فيسبوك، تتهمها فيها بإساءة استغلال هيمنتها على السوق الرقمية. وفى ٢٥ مايو الماضى، بدأ كارل راسين، مدعى عام العاصمة الأمريكية واشنطن، ملاحقة «أمازون» قضائيًا بتهمة إعاقة المنافسة فى مجال التجارة الإلكترونية. وأشار راسين فى نص الدعوى إلى أن «سلوك أمازون وحصتها السوقية يثبتان نيتها الاحتكارية»، واتهمها بـ«تعزيز أرباحها إلى الحد الأقصى على حساب الباعة والمستهلكين». ضد «أمازون» أيضًا، قام عشرات الآلاف من مالكى الشركات الصغيرة والمتوسطة، فى الولايات المتحدة، بتشكيل تحالف، فى أبريل الماضى، لمواجهة ممارساتها الاحتكارية. وقبل إطلاق هذا التحالف، أطلقت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن شرارة حملة المطالبات بتنظيم تلك الشركة، وغيرها من الشركات التكنولوجية الكبرى، ومواجهة ممارساتها الاحتكارية.

التحالف، الذى يحمل اسم «سمول بيزنس رايزينج»، أو انتفاضة الشركات الصغيرة، يضم نحو ٢٠ اتحادًا مهنيًا وحوالى ٦٠ ألف شركة، طالب الإدارة الأمريكية، فى بيان، بكبح توسعها أو حتى تقسيمها إلى أجزاء لتحجيمها. ومن المرجح أن يعقد مجلس النواب جلسات استماع لممثلى هذا التحالف، ستنتهى غالبًا بانحياز النواب لهم ولشركاتهم الصغيرة. تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسى»، فى ديسمبر الماضى، توقع أن تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى قرارات صعبة خلال السنوات المقبلة، لعدة أسباب، أبرزها فشلها فى «التنظيم الذاتى» وتراجع ثقة المستخدمين بها. وبمرور الوقت، بدا واضحًا أن إدارة بايدن تعتزم إعادة النظر فى النفوذ الذى راكمته تلك الشركات فى قطاعاتها، بتعيينها الخبيرة القانونية لينا خان، المعروفة بمعارضتها السياسات الاحتكارية لعمالقة التكنولوجيا، على رأس الهيئة الأمريكية المنظمة لشئون المنافسة «إف تى سى». وضم تيم وو، المطالب بتشديد قوانين مكافحة الاحتكار، إلى «المجلس الاقتصادى الوطنى». أحد مشروعات القوانين، مثلًا، يوجب تجزئة أعمال شركات التكنولوجيا الكبرى، بعدم سماحه لمنصات الإنترنت بامتلاك شركات تستخدم تلك المنصات لبيع أو توفير المنتجات أو الخدمات. كما يحظر على أى شركة لديها أنشطة تجارية أن تمتلك منصة، يمكنها تمييز منتجاتها على بقية المنافسين. وهناك أيضًا مشروع قانون يستهدف «منع المنصات من تمييز المنتجات أو الخدمات أو خطوط العمل الخاصة بها، على تلك الخاصة بالمنافسين». ما يعنى أن «جوجل» ستضطر إلى الانسحاب من موقع «يوتيوب»، لأن امتلاكها خدمة الفيديو يتيح له تفضيلها فى نتائجه. كما سبق أن اتهمتها «أمازون» و«تريب أدفايزر»، بأنها تعطى الأفضلية لعروضها الخاصة.

اللافت، أن أربعة من مشروعات القوانين الخمسة تستهدف الشركات، التى تزيد قيمتها السوقية على ٦٠٠ مليار دولار ولديها أكثر من ٥٠ مليون مستخدم نشط شهريًا، وتمتلك القدرة على تقييد أو إعاقة وصول شركة أخرى إلى العملاء أو الخدمات. ما يعنى أن المستهدف شركات «آبل» و«فيسبوك» و«أمازون» و«ألفابيت» مالكة «جوجل». أما شركة «وولمارت»، مثلًا، التى تمتلك منصة للتجارة الإلكترونية المفتوحة ولديها علاماتها التجارية الخاصة، فإنها لن تخضع لأى قيود، لأن تقييمها السوقى يقل قليلًا عن ٤٠٠ مليار دولار!.

.. وأخيرًا، تحتاج مشروعات القوانين الخمسة، كما هو معروف، إلى موافقة مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، اللذين يسيطر عليهما الحزب الديمقراطى، وما يرجح تمريرها هو أن الجمهوريين أيضًا يبدون قلقهم، بدرجة أكبر، من قوة شركات التكنولوجيا الكبرى. إضافة إلى وجود توافق بين الحزبين الأمريكيين الرئيسيين على أن تركيز قدر كبير من سلطة اتخاذ القرار فى أيدى عدد قليل من الشركات، بات أمرًا خطيرًا على ديمقراطيتهما وبلدهما والمجتمع والناس.