جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«جمعة» غير مقبولة يغضب منها الله ورسوله

صباح الجمعة الماضى اضطررت إلى المرور بشارع العزيز بالله، بمنطقة حلمية الزيتون، ولسوء الحظ تزامن ذلك مع بدايات التجهيز لصلاة الجمعة، فكان من نصيبى التوقف وسط حالة من التكدس المرورى غير المتوقع من جانبى على الأقل.

فى البداية لم أفهم ماذا يحدث، فنحن فى يوم جمعة، حيث تقل حركة السيارات فى ساعات الصباح فى جميع أنحاء القاهرة، لكننى سرعان ما اصطدمت بحقيقة أننى كنت فى شارع «العزيز بالله» المعروف منذ سنوات السبعينيات بأنه معقل الجماعات السلفية التى كانت تتجمع لسماع خطب محمد حسان، وغيره من «مشايخ» السلفية المعروفين أيامها.

دقائق ثقيلة مرت حتى وصلتُ إلى المساحة الموجود بها المسجد، لأجد فى مواجهتى صفًا من البراميل الضخمة المدعومة بكتل خشبية تصل ما بينها لقطع الطريق، وفرش أرضية الشارع بالحُصر الخضراء بطول مائتى متر أو يزيد، استعدادًا لاستقبال السادة المصلين، القادمين أملًا فى رحمة الله، وإرضاء رسوله.

أذكر جيدًا أن ذلك المسجد ملحق بمستشفى، أو العكس، وأن هذا المستشفى يستقبل عشرات المرضى كل ساعة، فأسأل نفسى: «ماذا يفعل هؤلاء المرضى؟ وماذا يفعل ذووهم فى تلك اللحظة؟»

بالتأكيد سوف ينتظرون، يغالبون آلامهم وأوجاعهم، احترامًا لقدسية صلاة الجمعة، وحتى يظفر المتجمعون من «قاطعى الطريق» بالحسنات! فهل يرضى الله ورسوله عن هذا السلوك؟ هل يقبلا بتعطيل مصالح الخلق ولو كان ذلك من أجل الصلاة؟

طيب.. ماذا يفعل لهم هؤلاء المؤمنون القادمون للصلاة فى المقابل؟ لا شىء سوى التجاهل، والتطاول على كل من يعترض على سلوكهم.. فهل يبارك الله لهم فى صلاتهم؟!

أذكر أن هناك حديثًا للرسول- صلى الله عليه وسلم- يقول فيه إن «المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده»، وأظن أن مَنْ وضع تلك البراميل والكتل الخشبية لم يسلم من يده كل من ساقه حظه، أو اضطرته ظروفه إلى المرور بتلك البقعة «المقتطعة غصبًا من الطريق».. لا مسلم ولا غير مسلم.

حتى الإسلام نفسه كدين، لن يسلم من الحصول على نصيبه من ذلك الأذى، ولن يرى غير المسلم فى «قطع طريقه» سوى «بلطجة وهمجية وعمل من أعمال الجهل وفرض السيطرة»، ولأنه لا يعرف عن أشخاص هؤلاء «المصلين القاطعين للطريق» شيئًا، فسوف يلصق كل ما يعن له من اتهامات بالإسلام كدين، وبالمسلمين كطائفة من البشر، فهل يقبل الدين بذلك؟ هل يرضى الله ورسوله عن هذا الفعل؟ وهل يكافئ من يقومون به بالحسنات وقبولها منهم «جمعة مباركة»؟

أذكر أن هناك حديثًا نبويًا آخر رواه مسلم، يقول نصه: «لقد رأيت رجلًا يتقلب فى الجنة، فى شجرة قطعها من ظهر الطريق، كانت تؤذى الناس»، وأذكر أن هناك حديثًا آخر بشأن شُعب الإيمان يقول فيه رسول الله إن «أفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»، فما حكم الإسلام فيمن يضع «الأذى فى طريق المسلمين بيديه ويقف لحمايته، بل ويسب كل من يعترض عليه،؟ إن لم تأخذه الحمية ويبادره بالهجوم، فلا يسلم أحد من لسانه ويده، لا مسلم ولا غير مسلم».

الملفت فى الأمر أنه تم تخصيص قطعة أرض ملاصقة لمبنى المسجد والمستشفى من أجل صلاة الجمعة منذ سنوات قريبة، فماذا حدث لها؟ لماذا هجروها وعادوا إلى نهر الطريق؟ لا أحد يعرف، ولا أحد يفكر فى منعهم، خصوصًا أن هذه المنطقة لا تبعد بأكثر من خسمائة متر عن قسم الشرطة، وربما يأتى إليه بعض أفراده لصلاة الجمعة.

نفس المشهد رأيته بعينى، وتعرضت له منذ ما يقرب من شهرين، واضطررت إلى التوقف لما يقرب من نصف الساعة بالقرب من جامع «الكخيا» فى وسط البلد، حيث افترش المصلون الشارع، وأغلقوا الطريق على كل عابر ساقه حظه للمرور به فى ساعة الصلاة، يومها أخذت أراقب السلامات المتبادلة عقب الصلاة، والبحث عن فرد يرتدى «الكمامة» وسط ذلك الحشد، أو يغسل يديه بعد الانتهاء من السلامات والقبلات، ثم أخذت أفكر بينى وبين نفسى «كم واحدًا منهم يمكن أن ينتقل إليه الفيروس اللعين من عابرٍ لا يعرف عنه أى شىء، وشدَّ على يديه عقب الصلاة ثم عاد إلى منزله لينقله معه إلى أهله وأفراد أسرته؟».

المؤكد أن ذلك المشهد يتكرر فى كثير من المدن، والأحياء، والمناطق، والمؤكد أنه لا أحد يمنعهم أو يحاسبهم، أو يتصدى لهم، وإلا ما جرؤوا على تكرارها، ثم يأتى بعد ذلك من يقول لك بمنتهى «البجاحة» إن الدولة تحارب «التيارات الإسلامية»، وتمنع الصلاة بالمساجد، وتتعمد التضييق على ممارسة العبادة!

عزيزى المؤمن.. لا أحد يعترض على إقامتك الصلاة، والتزين من أجل صلاة الجمعة، والاحتفاء بها، وتأمينها، ودعمها، وكل حاجة حلوة.. لكن هذه الصلاة المصحوبة بالأذى، لا يرضى عنها الله ولا رسوله، بل ربما تغضبهما.

هذه صلاة تؤذى بها نفسك، وأهلك، وذويك، ودينك، فهى صلاة «غير مباركة وغير مقبولة».

استقيموا يرحمكم الله، وارحموا الإسلام والمسلمين من رءوسكم المليئة بالتشوهات.