جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الشعراوي رفض أفكار الجماعة الإرهابية وفضح منهجها الفاسد

رأى أن الإخوان يبطنون خلاف ما يظهرون ويتسترون بكلمة الإسلام والدعوة على تلاعب سياسى لا يليق بجلال الدين

أكد أن قضية الجماعة ليست دعوة وجماعة دينية وإنما مسألة سياسية وأغلبية وأقلية وطموح للحكم

تعرض لصدمة هائلة حين رصد عام 1938م انحراف التنظيم للعمل السياسى مع التظاهر بـ«منهج الدعوى»

الموقف الأول: الصدمة الهائلة عند الشيخ الشعراوى حينما رصد سنة ١٩٣٨م انحراف الإخوان للعمل السياسى الحزبى، مع التظاهر بأن منهجهم منهج دعوى:

يقول الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى، فى حواره المنشور مع الأستاذ سعيد أبوالعينين: «فى عام ١٩٣٨ أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا زغلول، لكنهم منعونا، فذهبنا إلى النادى السعدى واحتفلنا هناك بهذه الذكرى، كنت أعتبر أن الاحتفال بذكرى سعد زغلول هو احتفال بذكرى وطنية، ووقفت فى الاحتفال، وألقيتُ قصيدة فى الديوان امتدحت فيها سعد باشا والنحاس باشا، وعلم الشيخ حسن البنا بخبر القصيدة التى ألقيتها فى الاحتفال، فغضب لامتداحى الوفد، وحدث بعد ذلك أن جلسنا فى ليلة نتحدث، وكان الشيخ حسن البنا حاضرًا، وعند الفجر تطرق الحديث إلى الزعماء السياسيين، وأيهم يجب أن نسانده ونقف معه.

ولاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، ويقولون بمهادنة صدقى باشا، فاعترضت على ذلك، وقلت: إذا كان من ينتسبون إلى الدين يريدون أن يهادنوا أحد الزعماء السياسيين ولا يتحاملون عليه أو يهاجمونه فليس هناك سوى النحاس باشا، لأنه رجل طيب تقى وورع ويعرف ربنا، وإننى لا أرى داعيًا لأن نُعاديه، وهذه هى الحكمة.. قلتُ هذا الكلام ولكنى فوجئت بأحد الحاضرين- ولا أريد أن أذكره- يقول: إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقى، وهو أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى.

وكان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لى، ولم أكن أتوقعه، فعرفت ليلتها النوايا، وأن المسألة ليست دعوة وجماعة دينية، وإنما هى مسألة سياسة وأغلبية وأقلية وطموح للحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى وهو الابتعاد، وقلت سلام عليكم، قلتها بكل أدب وابتعدت عنهم، كان ذلك سنة ١٩٣٨م».

التعليق على هذا الموقف:

نرى من خلال هذا الموقف أن الإمام الشيخ محمد متولى الشعراوى شاهد على التاريخ والعصر، رأى أمام عينيه أن الإخوان يبطنون خلاف ما يظهرون، ويتسترون بكلمة الإسلام والدعوة على تلاعب سياسى حزبى لا يليق بجلال الدين والشرع الشريف، وأنه قد انكشفت له حقيقتهم القبيحة، فهجرهم وابتعد عنهم، وظل بعد ذلك يحذر منهم كما ستأتى تفاصيل ذلك.

ونرى أيضًا من خلال الموقف السابق أن الإمام الشعراوى يتمتع بحس وطنى عال، حيث كان يريد الاحتفال بذكرى الزعيم سعد زغلول لنضاله الوطنى وسعيه فى تحرير وطنه من الاستعمار، وكان يظن من جماعة- تدعى الدعوة إلى الله- أنها تفرح بكل معنى وطنى، وأنها تبجل وتعظم قيمة الوطن، ففوجئ بحسن البنا يغضب من القصيدة التى ألفها الشعراوى فى مدح سعد زغلول، وفوجئ بأن حسن البنا يريد التسلط على إرادته الوطنية.

وأدعو القراء جميعًا إلى تأمل هذه الفقرة من كلام الشيخ الشعراوى، يقول: «قلتُ هذا الكلام، ولكنى فوجئت بأحد الحاضرين- ولا أريد أن أذكره- يقول: إن النحاس باشا هو عدونا الحقيقى، وهو أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى».

أقول: وقد صرح الشيخ الشعراوى فى حوارات أخرى بأن قائل هذه العبارة هو حسن البنا بعينه، فإذا بالوجه الحقيقى القبيح لحسن البنا قد انكشف أمام عينى الشيخ الشعراوى، وإذا به يفاجأ بأن حسن البنا لا تعنيه الدعوة إلى الله بكل اتساعها لكل الفرقاء السياسيين، ولا تعنيه الدعوة إلى الله التى تقدم الزاد الأخلاقى لكل الأحزاب السياسية لإعلاء شأن الوطن، ولا تعنيه الدعوة إلى الله التى تدفع كل واحد من رجال السياسة إلى نكران الذات وعدم الانسياق وراء المطامع، وتدعوه إلى التجرد وتقديم المصلحة العامة والشأن العام.

بل فوجئ بقول حسن البنا: «إن النحاس باشا عدونا الحقيقى». ومنذ متى يقوم الداعى إلى الله بمعاداة الناس، والمفترض فيه أنه يحمل الخير لكل الناس.

وفوجئ به يقول: «لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا»، فهى لعبة سياسية بحتة تستهدف التحزب والاستحواذ على أغلبية الجماهير، بينما طريق الدعوة إلى الله لا يريد أغلبية، بل يريد التقدير والتكريم لكل إنسان.

وفوجئ بحسن البنا يقول: «أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى»، فكان صادمًا جدًا للإمام الشيخ الشعراوى هذا النفس اللاأخلاقى الخبيث المتكبر، الذى يتعامل مع الناس بمنطق التكبر والتجبر، وانعدام الأخلاقية، وأنه يبصق على الناس فينطفئون.

كان هذا الموقف وحده شديد المرارة والقسوة على نفسية الإمام الشيخ الشعراوى، صادمًا له إلى أبعد حد، كاشفًا قبح الانحراف الإخوانى إلى العمل الحزبى الذى يستهدف المغالبة السياسية، والاستحواذ على الأغلبية، والسعى للوصول إلى السلطة، والنظر للحاكم بعين التكفير، وكل هذا تحت ستار أنيق من الدعوة إلى الله تعالى، وتلاوة القرآن العظيم، والإفاضة فى الدروس الدينية، ثم يتبين فى المواقف الحساسة أن كل هذا يتم إلقاؤه وراء الظهر، وتنكشف حقيقة المقاصد الكامنة فى النفوس، وأنها ترتكب خطيئتين عظيمتين:

الأولى: الانحراف عن منهج الشرع والنبوة فى السعى للسلطة، والاستماتة فى الوصول إليها، ما يولد المغالبة والمصارعة ومحاولة اكتساب الأغلبية، ويؤدى إلى المنازعة والشحناء والفرقة والصدام بين الناس، فتغيب فى سياق ذلك تمامًا كل مقاصد الدعوة إلى الله من جمع شمل النفوس، وإطفاء نيران المنازعة والفرقة.

الثانية: أن يهون دين الله عند أولئك الناس، فيصير سلمًا وطريقًا للوصول إلى السلطة، فصارت السلطة غاية، وصار الشرع الحنيف وسيلة.

ولذلك كانت هذه النتيجة التى أرسلها الإمام الشعراوى واضحة حاسمة مدوية، حيث قال: «وكان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لى، ولم أكن أتوقعه، فعرفت ليلتها النوايا، وأن المسألة ليست دعوة وجماعة دينية، وإنما هى مسألة سياسة وأغلبية وأقلية وطموح للحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى وهو الابتعاد، وقلت سلام عليكم، قلتها بكل أدب وابتعدت عنهم، كان ذلك سنة ١٩٣٨م».

كان هذا رصدًا وتعليقًا على الموقف الأول من المواقف التى كشفت للإمام الشيخ الشعراوى قبح المنهج، فنبذه ورفضه، وننتقل فى المقال المقبل إلى الرصد والتحليل لبقية مواقفه الرافضة لفكر الإخوان ومنهجهم.