جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

محمد الباز يكتب: شفرة 30 يونيو «4».. 100 حكاية من قلب ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية

محمد الباز
محمد الباز

الحكاية «16»  عندما قال المشير طنطاوى للأمريكان والإخوان: مصر لن تسقط وليست لجماعة بعينها 

فى ١٤ يوليو ٢٠١٢ زارت هيلارى كلينتون مصر. 

لم تكن هذه الزيارة من وزير خارجية دولة كبيرة إلى دولة كبيرة أخرى هى مصر، ولكنها جاءت لتدعم محمد مرسى وجماعته.

أعدت جماعة الإخوان استقبالًا سياسيًا يتناسب مع المهمة التى جاءت من أجلها هيلارى، فمن طرف خفى حرضت على تنظيم مليونية جعلت عنوانها «إسقاط الإعلان الدستورى المكمل»، وهو الإعلان الذى أصدره المجلس العسكرى ساعيًا من خلاله إلى تنظيم دوره وتحديد اختصاصاته، وشارك فى هذه المليونية حركتا حازمون و٦ أبريل وعدد من القوى السياسية الأخرى، مثلت ضغطًا على المجلس العسكرى ليسلم السلطة، رغم أنه على الأرض كان ماضيًا فى تنفيذ ذلك. 

التقت هيلارى كلينتون محمد مرسى فى قصر الاتحادية، وكان مرتبًا أن تلتقى المشير طنطاوى، لكنها قبل أن تفعل ذلك صرحت بأنه حان الوقت ليسلم المجلس العسكرى السلطة كاملة إلى الرئيس المنتخب. 

عندما جلست هيلارى كلينتون أمام المشير طنطاوى فى وزارة الدفاع، صباح الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٢، قالت له: نتمنى أن يتم تسليم السلطة كاملة إلى الرئيس فى أقرب وقت ممكن، ليعود الجيش إلى ممارسة دوره فى حماية البلاد. 

لم يلتفت المشير طنطاوى إلى ما ألمحت إليه هيلارى.

قال لها: نحن صادقون فيما وعدنا به، ورغم كل الضغوط التى مورست علينا والمؤامرات التى استهدفت إفشالنا، فإننا صممنا على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بنزاهة وشرف. 

حاولت هيلارى كلينتون أن تقاطع المشير.

قالت: ولكن حتى الآن لم يجرَ تسليم السلطة كاملة للرئيس المنتخب.

فرد عليها: الجيش ليس طامعًا فى السلطة، ونحن مسئولون بمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى مارس ٢٠١١ فى حال غياب مجلس الشعب، وبمجرد انتخاب مجلس الشعب الجديد فى ضوء الدستور الجديد سوف نسلم السلطة التشريعية على الفور إلى البرلمان. 

كان واضحًا أن هيلارى جاءت لتضغط وبشكل مباشر على المجلس العسكرى.

قالت للمشير: ولِمَ لا يجرى تسليمها إلى الرئيس المنتخب؟ 

بدأ المشير فى الشرح مرة أخرى، معتقدًا ربما أن هيلارى لا تفهم الوضع على الأرض.

قال لها: الرئيس مسئول عن السلطة التنفيذية، أما السلطة التشريعية فى غياب مجلس الشعب فتبقى فى حوزة المجلس العسكرى إلى حين انتخاب المجلس، وقد فعلنا ذلك من قبل فى ٢٣ يناير الماضى عندما سلمناها للمجلس المنتخب، لكن بعد حل المجلس عادت السلطة مرة أخرى إلى المجلس العسكرى.

كانت هيلارى تعرف وجهة نظر المجلس العسكرى، لكنها جاءت لتصنع واقعًا جديدًا، ودون أن تدرى كشفت عن كونها مجرد مندوب للجماعة الإرهابية يتحدث باسمها وينقل وجهة نظرها. 

قالت للمشير طنطاوى: إنهم يشتكون من خطورة الإعلان الدستورى المكمل، ويرون أن المجلس العسكرى يسعى إلى الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب. 

وقالت له: الإخوان يتحدثون عن تدخلكم لحل مجلس الشعب حتى تعود إليكم السلطة التشريعية. 

حاول المشير طنطاوى أن يصحح الصورة لهيلارى، قال لها: المحكمة الدستورية هى التى أصدرت الحكم، ولا علاقة للمجلس العسكرى بأحكام القضاء، ودورنا اقتصر فقط على إصدار قرار تنفيذى لهذا الحكم النهائى البات. 

لم تأتِ هيلارى لتسمع هذا الكلام، الذى لم يعجبها بالطبع، كانت قد عزمت أمرها، وواصلت الضغط. 

قالت للمشير ولمَن حوله ممن حضروا هذا الاجتماع، وكان من بينهم اللواء عبدالفتاح السيسى، رئيس المخابرات الحربية وقتها: «لا بد أن أعرب لك عن قلق الولايات المتحدة من إصرار المجلس العسكرى على التدخل فى شئون الحكم ومحاولة الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب». 

بدا للموجودين هدف زيارة هيلارى إلى القاهرة، وهدف وجودها فى وزارة الدفاع، وهدف حديثها إلى قيادات المجلس العسكرى بهذه الطريقة، ولذلك حسم المشير طنطاوى الأمر.

قال لها: نرفض هذا الكلام، ونرفض التدخل فى العلاقة بين الجيش ورئيس الدولة، أنا لا أرى أى مشكلة وعلاقتنا بالرئيس جيدة، وكنا صادقين مع الشعب المصرى فى كل الوعود، ولا أفهم معنى محاولات التحريض على الجيش. 

وضع المشير طنطاوى هيلارى كلينتون أمام الحقيقة التى حاولت أن تزينها، فكلامها ليس إلا تحريضًا على الجيش، وهو ما جعلها تحاول تخفيف لهجتها فى الكلام.

قالت: نحن لا نسعى إلى التحريض، لكننا نسعى إلى وضع حد للمشكلات الناشبة بين المجلس العسكرى ورئيس الدولة. 

كانت عبارة هيلارى الأخيرة مستفزة، وهو ما دعا المشير طنطاوى إلى أن يقول لها بوضوح: لا يحق لأحد أن يحدد لنا دورنا فى بلدنا. 

ما قاله المشير طنطاوى بعد ذلك يساعدنا على معرفة جزء من المؤامرة التى بدأت على مصر منذ سنوات.

قال لهيلارى: ليس لنا أى مطمع فى السلطة، ونحن نعترض على تصريحك بدعوة الجيش إلى تسليم السلطة والعودة إلى دوره فى حماية الأمن القومى، نحن لم نسعَ إلى السلطة، هى التى جاءت إلينا وأنتم اتصلتم فى هذا الوقت، وقلتم إنكم لستم معترضين على تولى الجيش مهام السلطة فى البلاد عقب تنحى الرئيس السابق، لذلك لا نفهم معنى هذا التحريض، وتصوير الجيش وكأنه اغتصب سلطة الرئيس. 

لم تتزحزح هيلارى عن هدفها خطوة واحدة.

قالت: نحن على ثقة أنكم ستسلمون السلطة التى فى حوزتكم فى أقرب فرصة إلى الرئيس. 

شرح لها المشير مرة أخرى.

قال لها: لدينا إعلان دستورى يحدد اختصاصاتنا، والجيش مسئول عن حماية البلاد وأمنها إلى أن يتم الانتهاء من وضع الدستور، ثم تجرى انتخابات مجلس الشعب، ساعتها سوف نعود إلى ثكناتنا. 

وصلت المواجهة إلى أقصاها، تحولت هيلارى إلى ما يشبه التهديد.

قالت: ما تقوله من شأنه أن يفتح الطريق أمام صراع مفتوح، لقد شاهدت مظاهرات كبيرة فى ميدان التحرير تطالبكم بتسليم السلطة وإلغاء الإعلان الدستور المكمل. 

المسرحية كانت مكتملة إذن.

تُعد جماعة الإخوان من خلال حلفائها مليونية فى ميدان التحرير، لتتحدث عنها هيلارى كلينتون بعد ذلك، على اعتبار أنها مظاهرات شعبية وليست مدفوعة أو مدبرة، وهو ما حسمه المشير عندما قال لهيلارى: نحن نعرف من يحرك هذه المظاهرات. 

حاولت هيلارى أن تراوغ أكثر، تحدثت عن لقائها مع محمد مرسى، قالت إنه كان مثمرًا وإنه تحدث معها عن حقوق المرأة والأقليات وتطوير العملية السياسية وحقوق الإنسان، وبخبث أضافت: ولكن الإعلان المكمل ربما يحد من طموحاته. 

سخر المشير طنطاوى من هذه المحاولة، قال لها: لا علاقة للإعلان الدستورى المكمل بممارسة الرئيس اختصاصاته ومهامه بالكامل، المسألة لن تزيد على أشهر قليلة ونسلم الاختصاصات للبرلمان. 

بعد ساعات قليلة من هذا اللقاء، كان المشير طنطاوى يتحدث فى حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثانى الميدانى فى الإسماعيلية، ومن هناك قال: مصر لن تسقط، وليست لمجموعة بعينها، وإن القوات المسلحة لن تسمح بذلك.

 

الحكاية «17» .. وزير فى حكومة الجنزورى تعليقًا على وزارة الإخوان الأولى: هشام قنديل مين؟.. ده!

 

وعدت جماعة الإخوان بتشكيل حكومة تضم كل الأطياف السياسية، لكنها عندما استقرت على تشكيل حكومتها كان رئيس الوزراء هو هشام قنديل، الذى كان وزيرًا للرى فى حكومة الدكتور كمال الجنزورى. 

بدا هشام قنديل متهافتًا، فلم يكن له أى ثقل من أى نوع.

تم تعيين هشام قنديل رئيسًا للوزراء فى ٢٤ من شهر يوليو ٢٠١٢، وخلال ما يقرب من أسبوع انتهى من تشكيل الحكومة، وكان لافتًا استمرار المشير طنطاوى فى منصبه وزيرًا للدفاع، بعد أن رفض نصيحة من بعض أعضاء المجلس العسكرى، الذين طلبوا منه أن يرشح وزيرًا للدفاع بدلًا منه، وذلك حتى لا يجد نفسه مضطرًا لأن يؤدى القسم أمام الرئيس، أو يكون عضوًا فى حكومة يرأسها هشام قنديل.

كان قرار المشير طنطاوى هو أن يستمر فى الحكومة دون أن يحضر أى اجتماعات لها إلا إذا ترأسها الرئيس بنفسه.

كان تشكيل حكومة هشام قنديل يعكس توجه الإخوان، فقد غلب عليه الوزراء الذين ينتمون إلى الجماعة الإرهابية أو المتحالفين معها والمقربين لها، وهو ما كان خروجًا من الجماعة عن اتفاقها مع حلفائها السياسيين الذين وقفوا معها فى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. 

أثار اختيار هشام قنديل حالة من الاستياء داخل حكومة الدكتور الجنزورى، وهو ما يتضح مما رواه لى الدكتور مصطفى السعيد، وزير النقل السابق. 

قال لى: كنا فى اجتماع مع الدكتور كمال الجنزورى فى مبنى هيئة الاستثمار، وكان موجودًا فى الاجتماع الدكتور هشام قنديل، وفجأة جاء تليفون للدكتور الجنزورى، الذى خرج ليرد على التليفون. 

وبعد أن جاء قال: باركوا للدكتور هشام.. فقد تم تكليفه رئيسًا للوزراء.

نظر الدكتور مصطفى السعيد لهشام قنديل باستخفاف شديد، وقال: الدكتور هشام مين؟.. هشام ده! 

 

الحكاية «18» .. خيانة الحليف.. حزب النور ينقلب على الإخوان وينتقد مرسى

لم يسلم أحد من خيانة جماعة الإخوان، حتى حزب النور الذى تحالف معها، واعتقد المراقبون أن هذا التحالف يمكن أن يدوم، ربما لأن هناك مشتركات تجمع بينهما. 

لكن تشكيل حكومة هشام قنديل بتركيبتها النهائية كانت صدمة لحزب النور، الذى كان يعتبر نفسه شريكًا للإخوان فى الحكم.

بعد أيام قليلة من إعلان هشام قنديل قائمة وزرائه، وفى ٢ أغسطس أصدر حزب النور بيانًا صاخبًا، بدت فى كلماته الغضب، وكان فى الوقت نفسه أول نقد واضح وصريح من حزب النور للجماعة الإخوانية وأدائها السياسى.

كشف بيان حزب النور عن التفاف الجماعة على الجميع، حيث أشار إلى أنه مع الإدراك التام، ووفقًا للإعلان الدستورى الذى يعطى لرئيس الجمهورية الحق فى التكليف بتشكيل الحكومة واختيار الوزراء، فإن حزب النور كان يرى أن الأفضل هو مشاركة جميع القوى السياسية فى إدارة المرحلة الحالية، ضمانًا للالتحام الوطنى فى النهوض بالبلاد من كبوتها وعلاج الأزمات المزمنة. 

حزب النور كشف أيضًا عن بدايات سلوك الإخوان فى إقصاء الجميع عن الحياة السياسية، حيث أشار البيان إلى أن قيادات الحزب فوجئت بعد خطاب تنصيب الرئيس بالانقطاع الكامل عن عملية التفاهم والتواصل، سواء مع مؤسسة الرئاسة أو مع حزب الحرية والعدالة، حيث تم التجاهل التام لأى تنسيق أو مبادرة تشاور أو استطلاع للرأى، أو محاولة التعرف على الكفاءات الفنية والإدارية لحزب النور وجميع القوى السياسية. 

رأى حزب النور كذلك أن ما تقوم به جماعة الإخوان سيؤثر سلبًا على مجريات الأمور، فى وقت يتطلع فيه الجميع إلى العمل بروح جديدة تتناسب مع تطلعات وآمال الشعب المصرى.. وهو ما جرى.

 

الحكاية «19» .. الانشقاق الكبير.. «الإخوان» تُحرّض رئيس حزب النور على الخروج وتأسيس حزب جديد 

فى أول يناير ٢٠١٣ أعلن عماد عبدالغفور، الذى كان رئيسًا لحزب النور ومساعدًا لرئيس الجمهورية للتواصل الاجتماعى، عن انسحابه من رئاسة الحزب وتأسيس حزب جديد أطلق عليه اسم حزب «الوطن». 

كان عماد عبدالغفور قد تقدم باستقالته من حزب النور محتفظًا بأسباب استقالته التى لم يعلن عنها، لكنه اكتفى بأن قال إنه قرر أن يبدأ صفحة جديدة فى العمل السياسى، وإنه لا يحب الكلام بل العمل، ولا يريد التناحر والجدال الذى لا يفيد، وإنه يهدف الوصول بحزبه إلى الفلاح والعامل والمهندس والطبيب ورجل الأعمال، وقد وضع لذلك آليات واضحة وخطة لتحقيق أهدافه التى تتمثل فى رفعة الوطن. 

يسرى حماد، الذى تولى منصب نائب رئيس الحزب، قال إن الدعوة لإنشاء حزب «الوطن الحر» جاءت فكرتها من رجال شاركوا فى العمل السياسى طوال الفترة التى تلت ثورة شعب مصر المجيدة، وكانت لهم بصمات واضحة فى العمل السياسى والحفاظ على التوافق الشعبى. 

وأضاف حماد أن تأسيس حزب الوطن يأتى من أجل بناء كيان ينتقى الكفاءات والخبرات القادرة على تحمل الأمانة والمسئولية، ورغم أن الحزب يخرج من رحم التيار السلفى إلا أنه يمد يده لجميع الأحزاب الإسلامية وغير الإسلامية لفتح صفحة جديدة من التوافق والتوحد لبناء مصر. لا يمكننا أن نستسلم لما قاله عماد عبدالغفور ويسرى حماد عن فكرة حزب الوطن وأهداف تأسيسه، خاصة إذا عرفنا أن خروج الحزب إلى النور جاء بعد الخلافات العنيفة التى عصفت بالعلاقة بين جماعة الإخوان وحزب النور الذى بدأ فى أخذ مواقف حادة من الأداء السياسى لمحمد مرسى. 

كانت الفكرة التى وقف خلفها خيرت الشاطر بقوة هى صنع انشقاق كبير داخل حزب النور، وهو الانشقاق الذى حدث بعد إقناعه لعماد عبدالغفور بالخروج من الحزب وإعلان استقالته بشكل مريب، ووعده بتأسيس حزب جديد يكون من أدوات الجماعة، وهو ما استجاب له عماد عبدالغفور الذى كان على علاقة قوية بالشاطر، ويخضع لتأثيره بشكل كامل، بل لا يمكن أن يعصى له أمرًا. 

كان الإغراء الذى قدمه خيرت الشاطر لعماد عبدالغفور، مقابل خروجه من حزب النور وتأسيسه حزبًا جديدًا، هو استمراره فى منصبه كمساعد للرئيس، وهو ما تحقق له. 

ياسر برهامى، القطب السلفى الكبير، ألمح من طرف خفى إلى دور الإخوان فى انشقاق عماد عبدالغفور عندما قال: كانت بداخل حزب النور خلافات، وقد قامت أصوات من داخل الحزب ومن خارجه بإقناع عبدالغفور بالانفصال عنه وتكوين حزب الوطن. 

ظل عماد عبدالغفور على العهد مع الإخوان، فقد ظل فى منصبه حتى خروج محمد مرسى من الحكم، وكان واحدًا من الذين اعتصموا فى رابعة العدوية، وكان مساندًا للجماعة قبل أن يختفى تمامًا من الساحة السياسية، حيث تشير مصادر مقربة منه إلى أنه سافر إلى تركيا للإقامة إلى جوار زوجته التركية التى لم يكن يُعلن عنها.

الحكاية «20» .. مرسى يقيل مستشاره السلفى بالشبهات.. وحزب النور: الأولى أن تستقيل أنت 

فى فبراير ٢٠١٣ أعلن محمد مرسى عن إقالة خالد علم الدين مستشاره لشئون البيئة، وكان السبب الذى أعلنه وقتها هو اطلاعه على تقارير رقابية حول استغلال منصبه كمستشار للرئيس. 

كان خالد علم الدين عضو الهيئة العليا لحزب النور، وأحد أعضاء الهيئة الاستشارية للرئيس، التى كانت تضم ١٧ عضوًا، ولم تكتفِ الجماعة بإقالته كنوع من عقاب حزب النور على معارضته الرئيس، بل سعت إلى تشويهه بشكل كامل. 

وقتها لم تعلن الجماعة عن تفاصيل استغلال خالد علم الدين لمنصبه كمستشار الرئيس، ولا ما الذى جاء فى التقارير الرقابية التى اطلع عليها الرئيس وأخذ بناءً عليها قراره بإقالته، وذلك حتى يترك للمخيلة الشعبية أن تنسج حوله من الحكايات ما تريد. 

كانت إقالة خالد علم الدين جولة من جولات الصراع بين الإخوان وحزب النور، وبدا أن الجماعة نجحت فيما تريده، لولا أن علم الدين تحدث عما جرى. 

عقد علم الدين مؤتمرًا صحفيًا ليعلن من خلاله ما خفى فى أمر إقالته، وبكى بشدة أثناء حديثه، حيث وصف بكاءه بأنه صرخة ألم من طعنة غدر ممن كان يثق فيهم، وأنه أشرف من أى واحد منهم، وصفحته بيضاء تمامًا. 

وعبر أكثر من برنامج تليفزيونى قال علم الدين إنه علم بخبر إقالته من وسائل الإعلام، وإنه لم يُطلب للتحقيق حول ما ذكر أنها اتهامات ضده، وأكد للجميع أنه لا يوجد أى شىء يدينه بالأجهزة الرقابية، وأنه سيقاضى مؤسسة الرئاسة التى سعت إلى تشويهه دون دليل. 

الغريب فى الأمر أن مؤسسة الرئاسة لم تصدر بيانًا بإقالة علم الدين من منصبه، بل جاء خبر الإقالة عبر قناة الجزيرة، ويومها سأل علم الدين: لماذا لم تصدر الرئاسة بيانًا رسميًا، ولماذا تركت «الجزيرة» هى من تعلن قرارًا يخصها دون أن تعلق عليه؟ بل إنها أكدت أنها لم تصدر بيانًا، فكيف وصل الأمر إلى «الجزيرة»، وهل كان هدف الرئاسة هو التشهير فقط؟ 

اتهم خالد علم الدين محمد مرسى بشكل صريح بالانحياز الشديد لجماعته ولمن يعملون معه منها، وألمح إلى مخالفات نُسبت إلى المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، ياسر على، وكيف أن محمد مرسى يثق فى براءته رغم التحقيق معه، بينما لا يثق فى علم الدين رغم أنه لم يتم التحقيق معه، ولم تثبت عليه أى تهمة. 

لم يصمت حزب النور على الشكل الذى خرج به قرار إقالة علم الدين، فلم يكن القرار طعنًا فيه وحده، بل كان طعنًا مقصودًا فى حزب النور كله، ولذلك سارع الحزب عبر متحدثه الرسمى، نادر بكار، وطالب محمد مرسى بالاستقالة من منصبه، واستند فى ذلك إلى أن الرئيس يأخذ بالشبهات دون تحقق، وهو نفسه تدور من حوله شبهات كثيرة، وعليه فلا بد أن يضرب بنفسه المثل. 

لم ترد جماعة الإخوان على غضب حزب النور، بل التزمت الصمت تمامًا، رغم أن الاتهامات تواصلت، وقال علم الدين نفسه: هناك اتهامات واضحة لكثير من الفريق الرئاسى بمعلومات معروفة للجميع، وإذا كان مرسى يريد أن يكون منصفًا فعليه أن يقيل هؤلاء. 

عندما صدر قرار إقالة خالد علم الدين من منصبه، كان لا يزال بسام الزرقا يعمل مستشارًا لمحمد مرسى، لكنه سارع بتقديم استقالته من منصبه بعد أن طلب من مرسى أن يتقدم باعتذار رسمى لعلم الدين، إلا أنه لم يفعل. 

الموقف الغريب فى هذه الأزمة كان موقف عماد عبدالغفور، الذى ورغم خروجه من حزب النور إلا أنه كان لا يزال واقفًا على نفس الأرضية السلفية، ومع ذلك لم يأخذ موقفًا، ولو على سبيل التصريح، اعتراضًا على ما جرى. 

لم يكن طبيعيًا بالنسبة لخالد علم الدين صمت عماد عبدالغفور، واعتبره تخليًا عنه. 

تحدث عبدالغفور متأخرًا عما حدث، واكتفى بأن قال: الإقالة كانت غير لائقة.. وكانت مفاجأة بالنسبة لى، وهو ما جعل علم الدين يرسل إليه برسالة قال له فيها: يااااااااه لسه فاكر يا عماد.. بعد إيه؟.. ده القتيل مات ودفنوه من زمان، عمومًا شكرًا.. أنا كنت أنتظر منك كلامًا بالتفاصيل الحقيقية بما تعلم وفى وقتها المطلوب، فكما تعلم فضيلتكم من قواعد شرعنا أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. 

الأغرب أن عماد عبدالغفور قرأ الرسالة ولم يرد.

غدًا.. حكايات جديدة