جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«بيعذبوا الأطفال».. «الدستور» تحقق في وهم علاج التوحد وتعديل السلوك بـ«الحجامة»

الحجامة للاطفال
الحجامة للاطفال

استيقظت آمال على صراخ طفلها الذي اعتادت عليه منذ بدأ علاجه الجديد للتخلص من التوحد باستخدام الحجامة، شهر كامل لم يذق فيه طفلها ذا الخمس سنوات طعم الراحة، ما جعلها تقرر الذهاب به إلى طبيبه النفسي مرة ثانية، والذي أكد لها إصابته باضطرابات نفسية أدت إلى تراجع كبير في قدرته على التعامل مع الآخرين وفقدانه التام للكلام والحركة.

آمال واحدة من كثير من الأمهات تتمسك بأي أمل ولو كاذب لشفاء ابنها من التوحد واندفعت وراء بعض أصدقائها الذين نصحوها بأحد المراكز الذي سوف يعالجه بالحجامة، ولأكثر من أربعة أشهر أنفقت فيها آلاف الجنيهات في مركز الحجامة ولم تجن سوى تدهور حالته.

“الدستور” حققت في استغلال مراكز الحجامة بادعاء قدرتها على شفاء الأطفال المصابين بالتوحد وتعديل السلوك، واستنزاف أموال بعض الأسر الذين لجؤوا لتلك المراكز بسبب قلة وعيهم بأن ذلك يخالف قواعد الطب النفسي في مصر والعالم.

استغلال الأهل

 أنفقت أم أيمن أكثر من نصف دخل أسرتها الشهري لأكثر من ستة أشهر على مراكز الحجامة لشفاء ابنها من التوحد ولكن دون جدوى، وقالت: “اكتشفت إن ابني مصاب بالتوحد وهو في عمر التسعة أشهر وتابعت مع الكثير من الأطباء وتحسنت حالته بعض الشئ فهو يتكلم بعض الكلمات ويفهم ما نقوله، ويستجيب لحديثنا وعندما أتم الرابعة من عمره  بينا نصحتني إحدى صديقاتي بعلاجه بالحجامة وأنها ستخلصه من التوحد تمامًا وبالفعل بحثت عن هذه المراكز عبر الانترنت وتواصلت مع أحدها وبدأنا في الجلسات”.

ستة أشهر دفعت خلالهم أم أيمن 2000 جنيه شهريًا للحجام مقابل 4 جلسات للطفل، ولم يتحسن، وأضافت: “لم أستطع التوقف ففي كل مرة أقول له أن ابني لا يتحسن يؤكد لي أننا في منتصف الطريق والتوقف الآن سيضره، ولكن بعد مرور أشهر طويلة دون فائدة قررت التوقف من نفسي وأدركت أنه استغلني واستغل بحثي عن أي فرصه لعلاج ابني”.

ويعاني مابين المليون والمليون ونصف مصري من التوحد حسب تصريح إنجى مشهور مستشار وزير التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية التي أكدت أن هناك إصابة واحدة من كل 60 شخصا بالتوحد، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بمعدلات التوحد منذ 10 سنوات، حيث كانت النسبة 1 لكل 250 شخصا.

ادعاء الشفاء مقابل 4000 جنيه

عشرات من الإعلانات تنتشر على منصات التواصل الاجتماعي لمراكز حجامة تدعي قدرتها على شفاء التوحد خلال عدة جلسات، “الدستور” تواصلت مع ثلاثة مراكز منها في محافظات هي الإسكندرية والغربية والشرقية، وأجرت اتفاقات لإجراء جلسات حجامة لطفل في الرابعة من عمره مصاب بالتوحد ويعاني من  صعوبات في الحركة والكلام، وأكد أصحابها أنهم قادرون على شفائه تمامًا في عشر جلسات والتي تتراوح أسعارها بين 1500 جنيه حتى 4000 جنيه.

وكان أول هذه المراكز بمدينة  طنطا التابعة لمحافظة الغربية، حيث ادعى صاحبه في منشور على منصة التواصل الاجتماعي -فيس بوك-  قدرته على علاج التوحد والتخلف العقلي والبله المغولي - على حد تعبيره- بالحجامة، وهو ما دفعنا للتواصل معه وإجراء اتفاق لعلاج الطفل الذي يعاني من صعوبات الكلام والحركة بسبب التوحد.

 

 

وأكد لطفي السيد صاحب المركز أن الحجامة قادرة على شفاء كل الأمراض التي استعصت على الطب البشري، موضحًا أنه عالج مئات الحالات من أمراض مزمنة وتم شفاؤهم في جلسة واحدة.

لطفي الذي عمل في الحجامة لسنوات طويلة أشار إلى أن اليقين هو أساس الشفاء وأكد ضرورة إيمان والدي الطفل المصاب بالتوحد بقدرات الحجامة على الشفاء، قائلا"أنا هعمل الحجامة بالشكل الصحيح لكن لو إيمان أهل الطفل بالحجامة ضعيف ومعندهمش يقين بقدرتها مش هيخف".

وحدد لطفي قيمة الجلسة ب400 جنيه وأن الطفل سيحتاج من جلسة إلى جلستين إسبوعيًا وسيتم شفاؤه بعد 10 جلسات ليحصل على 4000 جنيه مقابل شفاءه من التوحد، مشيرًا إلى أن كاسات الحجامة لعلاج التوحد لها أماكن محددة  تختلف عن باقي الأمراض فيتم وضعها على رأس الطفل وتوزيعها على جسده كاملًا.

وعن كيفية عمل الحجامة في شفاء التوحد استفاض لطفي في الشرح قائلا: "أي حاجة في جسم الانسان فيها إفرازات.. الحجامة بتساعد على خروجها.. الحجامة بتساعد على تنشيط خلايا المخ.. بنقول بسم الله وبنطلع الحاجات الفاسدة إلي مانعة خلايا الدم من وصول الأكسجين فربنا بيأمر بالشفاء".

واستطرد: "الحجامة بتعالج كل حاجة إلا الموت.. بتأخر الشيخوخة وبتعالج أي حاجة بتؤدي إلى الموت، ومادام ربنا أمر بالحجامة يبقي هي قادرة على الشفاء، حتى الدكاترة ميعرفوش إيه السر ورا الحاجة بتخليها تشفي الناس".

وأكد في نهاية الاتفاق على ضرورة التزام أهل الطفل بالدعاء والتضرع إلى الله بالشفاء طوال مدة عمل الحجامة، مشيرًا أن الحجامة لا يوجد منها أي ضرر على الطفل وإذ لم تنفع فلن تضر.

 

 تزيد اضطراب التوحد

من جانبها، حذرت  نهال هشام استشاري أمراض التخاطب وعضو الأتحاد الأوروبي لأطباء التخاطب من إجراء جلسات حجامة على الأطفال لتسببها في صدمات عصبية ونفسية وتزيد حالة الاضطراب عند الطفل.

وروت نهال في حديثها مع الدستور عن طفلة كانت تعالجها قبل عام وتحسنت حالتها كثيرًا، لكنها انقطعت فجأة عن جلساتها وعادت بعد ثلاثة أشهر بوضع أكثر صعوبة وخطورة.

واستطردت: “واجهتني حالة مستعصية لطفلة 8 سنوات كانت عنيدة جدًا شديد الصراخ والبكاء وفاقدة لمهارات الحركة والكلام بالرغم من تحسنها الملحوظ قبل انقطاعها، وكانت بدأت في التحدث مع بعض التلعثم، واستدعيت الأباء لمعرفة ما سبب هذا التغير، وكان الرد صادم أن الطفلة تعرضت على مدار 3 شهور ل7 جلسات حجامة  مما جعلها تصرخ بشكل غريب ولا تتحدث ولا تنام وإن نامت تظل تبكي أثناء النوم”، مضيفة: "الأهل عندما حاولوا التواصل مع الحجام لمعرفة أسباب تدهور الحالة، لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه فعادوا إلى عيادتي لنبدأ الطريق من أوله وسط صعوبة شديدة في التعامل مع الطفلة".

ونصحت استشاري أمراض التخاطب الأهل بعدم الانسياق وراء هذه المراكز، مطالبة المسئولين بإغلاقها وتطبيق عقوبات مشددة على العاملين بها لأنهم مجرمين.

ولم يختلف كثيرا عما سبق في محافظة الإسكندرية، فقد كان هناك مركز آخر يدعي قدرته على علاج التوحد بالحجامة، وأعلنت إسراء صاحبة المركز في منشورها على منصة التواصل الاجتماعي - فيس بوك-  قدرتها على علاج التوحد إما بالحجامة أو سم النحل.

الإتفاق مع إسراء كان أقل تكلفة من المركز الأول، فقررت الحصول على ثمن الأدوات التي تستخدمها في الحجامة فقط دون أجرة يدها، فخفضت سعر الجلسة من 250 إلى 150 جنيها  لتصل تكلفة العلاج ل10 جلسات 1500 جنيه.

إسراء الحاصلة على ليسانس آداب قسم آثار رأت أن بعض العاملين في الحجامة غير متخصصين ونتائج جلساتهم لا ترضي زبائنهم، مستطردة "الدراسة ملهاش علاقة بالحجامة دلوقتي بياخدوا كورسات يتعلموا فيها الحجامة وشغلهم وحش الحجامة مش محتاجة دراسة هي محتاجة ممارسة علشان نعرف نحدد بدقة مكان وضع الكاسات لشفط السموم وده إلي بيجيب نتيجة مع أي مرض حتى لو كان ضمور بالمخ".

إسراء أكدت أن 4 سنوات سن مناسب جدًا لعلاج التوحد بالحجامة فكلما كبر الطفل أصبح علاج أصعب علي حد تعبيرها، مشيرة أنها ستجري جلسة حجامة واحدة كل 28 يوم، وإذا كان الطفل يعاني من التوحد فقط ستكون النتيجة 100% وسيشفى تمامًا، أما إذا كان يعاني من ضمور بالمخ ستتراوح معدلات الشفاء بين 50% إلى 70%.

وحددت إسراء السن المناسب للطفل لبدء العلاج بالحجامة عند سن سنة، منوهة "عالجت عشرات الحالات من التوحد وتم شفائهم تمامًا ولدي  طرق أخرى لعلاج التوحد تكمل عمل الحجامة وهو العلاج بسم النحل وتأتي هذه الطريقة بنتائج مجدية جدًا".

تشنجات وزيادة كهرباء المخ

فيما حذر أحمد عبد الغني استشاري  التخاطب والتأهيل النفسي لذوي الاحتياجات الخاصة، من خطورة إجراء الحجامة على الأطفال قائلا “ تكرار جلسات الحجامة على الأطفال تؤثر على  كهرباء المخ وتصيب الطفل بتشنجات وهو ما شاهدته بنفسي على بعض المرضى المتابعين معي، وحاولت كثيرًا التحدث مع الأهالي عن خطورة الحجامة وتحذيرهم من الانسياق وراء مدعين علاج التوحد بها، لكن دون جدوى وأفاجأ بالطفل في الجلسة التالية حليق الرأس وعلى رأسه وجسمه ندبات زرقاء”.

تأثير وهمي وسلبي

محمد محمود إستشاري العلاج السلوكي والأرشاد النفسي والأسري أوضح أن جلسات الحجامة تضر الطفل ولا تنفعه وتأثيرها على الكبار مجرد وهم، مشيرًا إلى  أن الحجامة كاسات توضع على الجسم تساعد في إخراج السموم، فكيف تساعد في علاج خلل في المخ.

 وتابع: المصاب بالتوحد يحتاج طبيب مختص أو أخصائي لتعديل السلوك حتى نتمكن من تطوير الأضطراب ولكن لن يتحول طفل لديه أضطراب التوحد إلى طفل متعافي تمامًا ولكن عن طريق الأنشطة السلوكية فقط وكلما كان التدخل الدوائي والعلاجي المختص مبكرًا كلما كان أفضل.

 عام وتتخلص من الاضطرابات العقلية

بينما في محافظة الشرقية  وبالتحديد في مدينة الزقازيق كان هناك اتفاق مع مركز ثالث لعلاج التوحد بالحجامة، وأكدت أم محمود صاحبة المركز أنها عالجت عدة حالات من التوحد والاضطرابات العقلية وتم شفاؤهم تمامًا، مفسرة “كاسات الحجامة توضع في نقاط محددة برأس الطفل وتسحب الدم الفاسد الذي يمنعه من الحركة والنطق، ومع تكرارها  في عدة جلسات يتم تحديها بعد رؤية الطفل يتم الشفاء الكامل، محددة سعرالجلسة ب 250 جنيه، ومدة العلاج بعام تقريبًا”.

نقابة الأطباء تطالب بالتدخل الفوري لغلق مراكز الحجامة

أسامة عبد الحي  الأمين العام لنقابة الأطباء، أكد أن الطبيب وحده هو المسئول أمام الدولة والقانون في فتح عيادات متخصصة لعلاج المرضى، وأي مركز يدعي قدرته على العلاج لا يديره طبيب ويعمل به أطباء  ويسير وفق مناهج الطب فهو غير قانوني.

 وطالب وزارة الصحة ووزارة الداخلية  بالتدخل الفوري لغلق مراكز الحجامة التي تدعي قدرتها على علاج التوحد، قائلا “ديه مراكز لتعذيب الأطفال وجريمة هدفها  استنزاف أموال المواطنين، والعاملين بها مدعيين ومنتحلي  صفة الطب ويجب على الدولة إتخاذ إجراء حاسم وقوي لوقفها”.