جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

في ذكرى رحيل عبد الحي أديب.. مصطفى محرم يحكي قصة لقاءهما الأول

عبد الحى أديب
عبد الحى أديب

يحكى السيناريست مصطفى محرم في مقال له نشر على جزأين بـ"المصري اليوم" بتاريخ الخميس 18\7\2019،  تحت عنوان "فنان السيناريو عبد الحي أديب" عن السينارريت عبد الحي أديب الذي تحل اليوم ذكرى وفاته. 

يقول مصطفى محرم في مقاله: "عرفت الصديق العزيز عبدالحى أديب تقريباً منذ حوالى أربعين عاماً. فقد توطدت بينى وبينه صداقة لم تستطع السنون أن تنال منها رغم الخلافات فى الرأى وفى السلوك التى كانت تعترى هذه الصداقة. كانت الخلافات تتنوع أسبابها وحدتها وقد تصل أحياناً إلى حد المقاطعة، ولكن لأن عبدالحى أديب كان مخلوقاً طيب القلب محبا لأصدقائه فكان دائما هو البادئ بالصفح وإعادة المياه الصافية الى مجاريها، فكنت أشعر بالخجل والندم بينى وبين نفسى على الخلاف معه ومقاطعته. كانت صداقتى لعبدالحى أديب تختلف عن أى صداقة بينى وبين من كانوا يفوقوننى سناً ومقاماً، مثل: صلاح أبوسيف وعلى الزرقانى وكمال الشيخ وحلمى حليم. فرغم صداقتى بهؤلاء الكبار، كانت بينى وبينهم رهبة، وأقرن دائماً لقب «أستاذ» قبل أن أنطق اسم أى واحد منهم عندما أتحدث مع أى واحد فيهم. أما بالنسبة لعبدالحى أديب فإننى بعد فترة قصيرة من صداقتنا اعتبرته أخى الأكبر رغم أننى أصغره بأعوام كثيرة تحول بينى وبين رفع الكلفة معه. إلا أننى وجدت الكلفة تزول من نفسها، فالعلاقة بين الأخ وأخيه لا تستدعى مثل ذلك، ووجدت نفسى أناديه باسمه المجرد «عبدالحى» أو الاسم الذى تعودنا أن ندلله به «بيب» وكان يبدو سعيداً بذلك.

ويضيف: "أذكر أن الفضل فى توطيد صداقتى بعبدالحى أديب يرجع إلى اثنين من المخرجين كانا من أعز الأصدقاء لى وله وهما أشرف فهمى، وأحمد يس، وقد كتب لهما عبدالحى بعض أفلامهما وكلها أفلام كبيرة ورفيعة المستوى «الملاعين - مع تحياتى لأستاذى العزيز» مع أحمد يس و«امرأة قتلها الحب- الوحش داخل إنسان- الخبز المر- سعد اليتيم» مع أشرف فهمى». عندما وجدت نفسى فى وسط الحقل السينمائى كان أول من سعيت إليه هو عبدالحى أديب، خاصة أن تلاميذه أو بمعنى أدق صبيان ورشته من أصدقائى خاصة أحمد عبدالوهاب الذى كان زميلى فى قسم الإعداد والسيناريو بشركة «فيلمنتاج» وبهجت قمر الذى كان يكتب حوار أفلامى فى بعض الأحيان. وكم كنت سعيداً عندما أصبحت قريباً من عبدالحى أديب ولم نفترق بعد ذلك، وحتى إذا فرقت بينا المشاغل والمشاكل، يجمع بيننا الاتصال التليفونى، ولومه لى على أننى لم أحرص على أن أكون أنا البادئ بالاتصال".

أما في الجزء الثاني من مقاله فقال السيناريست مصطفى محرم: "كان بيت عبدالحى أديب الكائن فى 26 شارع شريف هو المكان الأثير الذى نلجأ إليه فى نهاية مطافنا اليومى أنا وأشرف فهمى وأحمد يس الذى كان لا يكف عن الأكل فى أى مكان يكون فيه، وكثيراً ما كنا نجد عند عبدالحى الصديق إيهاب الليثى منتج وموزع الأفلام السينمائية أو أخاه الأشهر ممدوح الليثى. كنا نقضى أجمل الأوقات فى بيت عبدالحى أديب ونستمتع بكرمه الزائد بأشهر أنواع الطعام والدفء الأخوى الذى لا نلمسه فى أى بيت آخر من بيوت الأصدقاء، كانت تدور بيننا الأحاديث الفنية، خاصة نقد الأفلام السينمائية وتحليلها، وتحليل الأفلام الأجنبية التى كنا نشاهدها فى عروض خاصة تقوم بها مكاتب الشركات المنتجة لها، وكنا دائماً نتبادل القفشات والنكت، خاصة أن عبدالحى أديب كان يتمتع بخفة الدم ولديه رصيد كبير من أحدث النكات، كنا نشعر فى بيته بأننا أسرة واحدة، ونعتبر أولاده عماد وعمرو وعادل أولادنا.كان يقول لنا بزهو دائماً بأنه لم يجن ثروة من المال، ولكنه يمتلك ثروة لا تقدر بمال هى أولاده، فقد أنفق على تعليمهم وتربيتهم كل ما كسبه من عمله فى السينما، فوفر لهم أرقى وأرفع مستوى من التعليم الذى آتى ثماره، بدليل ما وصل إليه أولاده".

ويضيف: "كان عبدالحى واسع الثقافة والمعرفة، كانت حجرة مكتبه تزخر بالكتب المتنوعة خاصة الكتب التى تتناول فن المسرح وربما يرجع ذلك إلى دراسته فى المعهد العالى للفنون المسرحية. كان فى فكره شديد المعاصرة ولديه القدرة كمبدع سينمائى على قراءة الواقع الاجتماعى والسياسى والاقتصادى، ويستطيع المرء أن يلمس ذلك فى أحاديثه ومناقشاته، كان من نوع المبدعين الذين يؤمنون بقيمة العلم والثقافة، وكان يرحب بأى مساعدة ثقافية أو فنية تطلب منه، وأذكر أن صديقنا أحمد الحضرى بعد أن انتهى من ترجمة كتاب دوايت سوين «كتابة السيناريو» وعرض علينا أنا وعبدالحى وأحمد عبدالوهاب والمشرف على سلسلة الكتب السينمائية هاشم النحاس مراجعة الترجمة وتصحيح المصطلحات الفنية، ومن ثم اجتمعنا فى بيت عبدالحى، وفى حجرة مكتبه دارت بيننا مناقشات أفادت كل واحد منا وأبرزت ما يتمتع به عبدالحى من معرفة سينمائية".

وختتم السيناريست حديثه عن عبد الحي أديب بقول: "ولم يصل عبدالحى أديب إلى ما وصل إليه من المستوى العالى فى كتابة السيناريو من فراغ، بحيث أصبح إحدى العلامات البارزة فى هذا الفن فهو لم يكتف بالموهبة فقط ولكنه صقلها صقلاً جيداً كما سبق أن ذكرت بالدراسة فى المعهد العالى العالمى للفنون المسرحية، وكانت الرائعة سناء جميل من زميلات دفعته فى المعهد ثم درس السينما بعد ذلك فى ألمانيا الشرقية، وعمل مساعداً للإخراج مع كبار المخرجين فى أكثر من عشرة أفلام، وشاهد تقريباً معظم ما أنتجه العالم من الفن السينمائى. كان حماسه لكل ما يتعلق بفن السينما كبيراً، فشارك فى تأسيس «الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما» وسعى إلى تكوين «نقابة المهن السينمائية» و«جمعية مؤلفى الدراما والسيناريو» وساهم بجهد كبير فى إقامة «مهرجان القاهرة السينمائى الدولى» وأيضاً فى إقامة «مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى» وهو الذى طلب منى وألحّ على انضمامى لـ«جمعية كتاب ونقاد السينما» وأيده فى ذلك الكبير كمال الملاخ الكاتب الصحفى وعالم الآثار وعاشق السينما، وساندنى عبدالحى هو وأحمد الحضرى فى ترشيحى لعضوية مجلس إدارة الجمعية واستمرت هذ العضوية حوالى عشرين عاماً حتى نشب خلاف بينى وبين ممدوح الليثى عندما تولى رئاسة الجمعية فأصدر قراراً بفصلي".