جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

متصل الآن

فى القديم كان الناسُ يتواصلون مع بعضهم بعضًا من خلال الزيارات المنزلية واللقاءات وجهًا لوجه، ثم تطور الأمر وأصبح التليفون المنزلى وسيلة من وسائل التواصل وسؤال الناس عن بعضهم بعضًا.

ومع مرور الوقت ومع التطور التكنولوجى، ظهر التليفون المحمول وكثرت وسائل التواصل الاجتماعى مثل: فيسبوك وتويتر وسكايب وواتس آب وتليجرام، وفيبر والبريد الإلكترونى وغيرها من الوسائل. 

ومن المؤسف أنه مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعى، قل الوصال الإنسانى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ظهور عبارة «متصل الآن» على شاشة الماسنجر أو على شاشة الواتس آب، أو غيرها من برامج التواصل. 

هذه العبارة دمرت الكثير من العلاقات الإنسانية، وأفقدت الثقة بين كثير من الأصدقاء والأزواج والأهل، وخلقت الكثير من الخصومات بين الإخوة والأصدقاء، وتسببت فى الكثير من القطيعة بين الأحباء. فالكثيرون يظنون أن عبارة «متصل الآن» تعنى فقط أن الطرف الآخر متاح ومتواصل ويرى الرسائل، ولكنه يتعمد عدم الرد.

بينما فى واقع الأمر أن عبارة «متصل الآن» لا تعنى أنه يتكلم مع أحد غيرك أو أنه يرى رسالتك ولا يرد.

عبارة «متصل الآن» لا تعنى أنه يتجاهلك ويتجاهل رسائلك.

عبارة «متصل الآن» لا تعنى أنه جاهز للرد عليك فى ذات الوقت الذى تكتب له فيه.

عبارة «متصل الآن» لا تعنى أن كل الأوقات من حق الجميع، فهناك ظروف خاصة لدى كل شخص لا يعلمها إلا الشخص نفسه.

عبارة «متصل الآن» لا تعنى صلاحية اقتحام الوقت الخاص للطرف الآخر.

عبارة «متصل الآن» قد تتزامن مع مرور الطرف الآخر بحالة نفسية صعبة، ومن ثم يكون غير مستعد فيها للرد على أحد. 

عبارة «متصل الآن» قد تتزامن مع انشغال الطرف الآخر ببحث ما إلكترونيًا عن شىء لأخذ معلومات سريعة لضرورة يحتاجها.

عبارة «متصل الآن» قد تتزامن مع وجود هاتف الطرف الآخر مع أحد أبنائه أو أقاربه، أو أنه قام بفتح وسيلة التواصل الاجتماعى سهوًا ونام، ونسى أن يغلقه أو نسى أن يخرج من اتصال الواتس أو الماسنجر أو التليجرام، أو غيرها من وسائل التواصل.

إن عبارة «متصل الآن» تحتاج لأن نتعامل معها بافتراض حسن النية فى حالة عدم رد الطرف الآخر فى الوقت ذاته، ومن الضرورى التماس الأعذار للآخرين حتى لو فتح رسالتك، ولم يرد فى وقتها لظروف تخصه، لأن أعقل الناس أعذرهم للناس. 

وفى حالة التماس الأعذار للآخرين، تصبح وسائل التواصل الاجتماعى محققة للوصال الإنسانى، وليس للفصل والتباعد والنزاع الإنسانى.