جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

نكسة أمريكية إلكترونية جديدة

عند بعض الهزائم أو النكسات الأمريكية الإلكترونية، توقفنا أمس، وشاء القدر أن تتعطل، صباح أمس، الثلاثاء، المواقع الإلكترونية الرسمية للبيت الأبيض والحكومة البريطانية، و«بى بى سى»، «سى إن إن»، «أمازون»، «بلومبيرج»، «فاينانشيال تايمز»، «الجارديان»، و.... و... ومواقع إخبارية أخرى عديدة، تابعة لمؤسسات إعلامية كبيرة فى دول مختلفة. 

وصفنا النكسة الجديدة بأنها أمريكية، فى العنوان، لأن الخلل، الذى تأثرت به مواقع فى ٨٢ منطقة، مصدره شركة يقع مقرها فى الولايات المتحدة: شركة «فاستلى»، وهى مزود «خدمة سحابية»، تساعد فى تحسين أوقات التحميل لمواقع الإنترنت، وتدعم المواقع والتطبيقات الإخبارية، التى تعطلت، كما توفر أيضًا خدمات توصيل المحتوى لـ«تويتش» و«بينتريست» و«HBO ماكس» و«هولو» و«ريديت» و«سبوتيفاى» وغيرها من الخدمات.

«الخدمة السحابية» مصطلح يشير إلى المصادر والأنظمة الحاسوبية المتوفرة، التى تستطيع توفير عدد من الخدمات على الإنترنت، مثل مساحة تخزين البيانات والنسخ الاحتياطية، كما تشمل قدرات معالجة برمجية وجدولة للمهام. واكتسبت تطبيقات الحوسبة السحابية ثقة كثير من المؤسسات حول العالم بفضل المزايا الكبيرة التى توفرها فى التعامل مع البيانات.

الشركات والمؤسسات العالمية أنفقت حوالى ٤١.٨ مليار دولار فى الربع الأول من عام ٢٠٢١ بزيادة سنوية قدرها ٣٥٪، للحصول على خدمات الحوسبة السحابية فى الربع الأول من ٢٠٢١. وتعد تلك النفقات، رقمًا قياسيًا يتحقق لأول مرة، أرجعته دراسة نشرتها شركة «كاناليس» إلى الطفرة الكبيرة التى شهدها هذا النوع من الخدمات منذ بدء وباء كورونا المستجد. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن ما يزيد على ثلاثة مليارات ونصف المليار شخص يستخدمون الإنترنت، أى حوالى نصف سكان العالم، أما النصف الآخر، فينضم منهم عشرة تقريبًا كل ثانية.

المهم، هو أن حادث الثلاثاء قد يكون ناتجًا، على الأرجح، عن هجوم إلكترونى، لكن لم يصدر، إلى الآن، أى بيان رسمى، يؤكد ذلك أو ينفيه. فقط، قالت شركة «فاستلى» إنها تواصل التحقيق فى سبب المشكلة. وفى بيان نشرته على موقعها الرسمى، أكدت أنها حددت المشكلة وأصلحتها: «حددنا الخلل الذى طال بعض الإعدادات، وأدى إلى اضطرابات على مستوى العالم.. قمنا بحل هذا الخلل.. وشبكتنا العالمية تعود للعمل بشكل طبيعى». وبالفعل، عادت المواقع، بعد نحو ٣٠ دقيقة من التوقف، إلى العمل بشكل شبه طبيعى.

الحادث الذى أخذ اسم «Error 503» حبس أنفاس العالم، وأعاد إلى الأذهان، هجمات إلكترونية، كان أحدثها استهداف قراصنة، بداية الأسبوع الماضى، أكبر شركة لتعليب اللحوم فى الولايات المتحدة وأستراليا، وكذا هجوم مايو الماضى، الذى استهدف شركة متخصصة فى توزيع الوقود، وأدى إلى توقف حوالى نصف إمدادات البنزين والديزل ووقود الطائرات عن الساحل الشرقى الأمريكى، واضطرت الشركة إلى دفع فدية قدرها ٥ ملايين دولار بعملة مشفرة.

ما يوحى بوجود أصابع خفية وراء حادث «Error 503»، هو أن أمس، الثلاثاء، كان أيضًا يومًا عاصفًا للعملات الرقمية المشفرة، إذ خسرت «بيتكوين» ٩.٥٨٪ من قيمتها، مع تراجع «إيثريوم» بنحو ١٠.٣٨٪، وانخفاض عملة «دوجكوين» بواقع ١٢.٤٪، مقارنة بإغلاق جلسة أمس الأول الإثنين، وقد يكون لذلك الهبوط الحاد، علاقة بإعلان وزارة العدل الأمريكية، مساء الإثنين، عن مصادرة ٦٣.٧ وحدة بيتكوين تقدر قيمتها بنحو ٢.٣ مليون دولار، مرتبطة بالفدية، التى دفعتها شركة لتعليب اللحوم الأمريكية. ومعروف أن القراصنة أو المتسللين الإلكترونيين، يطلبون الفدية بتلك العملات لصعوبة تتبعها عبر المحافظ الرقمية والحدود الوطنية.

الهزائم أو النكسات، الإلكترونية الأمريكية مستمرة، كما أوضحنا فى مقال أمس، وروسيا هى المنتصر أو المتهم الرئيسى، إذ نقلت وسائل إعلام أمريكية عن «خبراء» أنها مقر مجموعتى القرصنة «دارك سايد» و«ريفيل»، المسئولتين عن الهجومين الأخيرين. كما سبق أن وجه إليها عدد من أعضاء الكونجرس، خلال إفادات سرية، أصابع الاتهام بشأن الهجوم على شركة «سولار ويند»، التى تدير وتتحكم فى برامج إدارة شبكات يستخدمها معظم الشركات الكبرى فى الولايات المتحدة ومجموعة من الوكالات الحكومية ومقاولو الدفاع. وفى تصريحات لشبكة «سى بى إس» طالب كريس كريبس، المدير السابق لوكالة الأمن السيبرانى وأمن البنية التحتية، بضرورة اتخاذ تدابير إضافية لدفع روسيا إلى السيطرة على ما يحدث فى أراضيها! 

.. ولا تبقى غير الإشارة، مجددًا، إلى أن قضية النكسات، الهزائم أو الهجمات السيبرانية أو الإلكترونية، التى شهدتها الولايات المتحدة، ستكون على جدول نقاشات الرئيسين الأمريكى جو بايدن والروسى فلاديمير بوتين فى القمة الأمريكية المقرر أن تنعقد فى ١٦ يونيو الجارى. وبينما لم يستبعد مسئولون أمريكيون حدوث «أى شىء» خلال هذه النقاشات، نتوقع أن يفاجئ بوتين نظيره الأمريكى بردود قوية وبأمثلة عديدة على تعرض روسيا لهجمات إلكترونية أمريكية.