جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مرضى خارج الحسابات.. معاناة أصحاب الأمراض غير المدرجة بقائمة العلاج على نفقة الدولة

مواطن
مواطن

مطلع كل إسبوع، يجد "عبدالعظيم" ثلاثيني مريض بالهيموفيليا، نفسه أمام المعاناة ذاتها، التي يواجهها بمفرده منذ سنوات عديدة، وهي أنه مطالب بدفع أكثر من ثلاثة آلاف جنيه أسبوعيًا للحصول على علاج "فاكتور" اللازم لاستمرار حركته وربما حياته بأكملها.

البدائل التي لا تكون بنفس الكفاءة أو ربما الاستدانة والبحث عن رجال أعمال يكفلون العلاج، هي الوسائل التي يعتمد عليها "عبدالعظيم" وغيره من أصحاب ذلك المرض الذي يصفه بالحسّاس للحصول على أدوية وعلاج الهيموفيليا باهظة الثمن.

يقول: "الهيموفيليا مرض مزمن للغاية ولا شفاء له يظل المريض يعاني منه طوال حياته، لكن الأزمة هي غلاء أسعار الأدوية الخاصة به والتي تبلغ ثلاثة أضعاف أدوية أي مرض آخر، ورغم ذلك لازال المرض خارج العلاج على نفقة الدولة ونادرًا ما يخرج لمريض قرار به".

الهيموفيليا ليس المرض المزمن والمكلف الوحيد الذي يخرج عن قائمة الأمراض التي يُسمح لأصحابها بالعلاج على نفقة الدولة، ولكن هناك العديد من أصحاب الأمراض الصعبة التي تتكلف الكثير لعلاجها غير مدرجين في قائمة العلاج على نفقة الدولة، يعانون من أجل الحصول على الأدوية التي تضمن لهم الحياة.

الهيموفيليا هي مرض وراثي يحدث سيولة في الدم ونزيف حاد للمريض، إذ يتحول الجسد إلى ما يشبه الزجاج، إذ يعاني المصابون به من صعوبة في تخثر الدم ويعالجون من خلال تلقي البلازما أو الفاكتور البديل وهما مرتفعان الثمن للغاية، وهناك 3600 ألف مريض في مصر ويتم اكتشاف نحو 250 حالة جديدة كل عام وفق جمعية أصدقاء مرضى النزف في مصر.

 

عبدالعظيم: "مرضنا مزمن ولا يوجد تأمين صحي أو علاج على نفقة الدولة منه"

قبل 15 عامًا اكتشف عبدالعظيم مرضه بالهيموفيليا الوراثي الذي يؤدي إلى سيولة في الدم، ويحتاج إسبوعيًا من عبوة إلى عبوتين من دواء فاكتور اللازم لمرضى الهيموفيليا، والذي يبلغ سعره 2250 وأحيانًا 3 آلاف جنيه، ولا يتم صرفها حكوميًا إلا في حالات العمليات الجراحية.

يقول: "الهيموفيليا غير مدرج في قائمة الأمراض التي تستلزم علاج على نفقة الدولة بالرغم من ارتفاع سعره الشديد، وليس جميعًا لدينا تأمين صحي نصرف منه العلاج اللازم، ونضطر للجوء إلى البدائل مثل الكرايو أو البلازما ولكنها غير كافيان وليسوا بفاعلية الفاكتور".

يشدد عبدالعظيم على ضرورة إدراج الهيموفيليا في قائمة الأمراض التي تستلزم العلاج على نفقة الدولة، بحيث يتم صرف الدواء شهريًا لمنع نزف الدم وليس في حالة العمليات الجراحية فقط: "معاناتنا إذا اصطدم أحدنا في قدمه أو ذراعية صدمة خفيفة يصاب بنزيف شديد لا يوقفه سوى الفاكتور".

البدائل التي يعتمد عليها عبدالعظيم وغيره هي مجموعات فيسبوك التي تضم مرضى النزف الوراثي في مصر، وعلى علاقة بالعديد من رجال الأعمال الذين يتكفل بعض منهم بتوفير تلك العلاجات، أو من خلال التواصل مع رجال أعمال في الخارج يجلبون الدواء مستوردًا.

بحسب الموقع الرسمي للمجالس الطبية المتخصصة التابعة لوزارة الصحة المصرية والمسؤولة عن قرارات العلاج على نفقة الدولة، فهناك 45 مليون مواطن يستفيدون من قرارات العلاج، وتصدر المجالس الطبية من 10 - 14 ألف قرار علاج يوميًا بتكلفة سنوية تصل إلى 2.8 مليار جنيهًا.

لينك الموقع الرسمي

http://www.smcegy.com/Site/about.aspx?par=3&id=4

 

تشمل قرارات العلاج على نفقة الدولة الأمراض المزمنة، والأورام والفشل الكلوي، والدم وحالات العظام والمخ والأعصاب، والأطراف الصناعية، وأضيف 12 مرضًا لها خلال عام 2012 وهم "التهابات العظام- قطع أوتار الكتف - التهابات مفصل صناعي - تليف الجهاز العصبي - الشلل الرعاش - الشلل التيبسي - الجلوكوما - الربو الشعبي - قرحة المعدة النازفة - قرح الفراش - الصفراء الانسدادية - حصوات المرارة".

وأيضًا: "الانسداد المعوي - الكتاركتا - ارتشاحات الشبكة - كرونز - جلطة بالمخ - حصوات الكلى - جلطات الأوردة - قصور بالدورة الشريانية - الأمراض المناعية وأمراض الأنسجة الضامة - تضخم الغدة الدرقية التسممي".

 

سامية: "زوجي قعيد لا يتحرك ولا أستطيع استخراج قرار علاج على نفقة الدولة"

ضمور العضلات أيضًا هو أحد الأمراض المزمنة التي لا تغطيها قرارات العلاج على نفقة الدولة، بالرغم من مطالبات المرضى العديدة لذلك، كما تحكي سامية حجاج، التي يعاني زوجها من مرض ضمور العضلات منذ 10 سنوات وهو المرض الذي يكبدهما مصاريف باهظة للعلاج.

تقول: "نطالب منذ عام 2010 بإدارج ضمور العضلات داخل بروتوكول العلاج على نفقة الدولة، لأن ذلك المرض شرس للغاية ومؤلم ويأكل عضلات الجسد بالتدريج ومن الممكن أن ينهي حياة الأطفال والرجال وأغلبهم لا يستطيعون الحركة".

تؤكد سامية أن زوجها طريح الفراش بسبب ذلك المرض ولا يقوى على العمل أو الحصول على علاج، بسبب ضعف عضلاته الهيكلية إلى درجة أن لديه صعوبة في البلع والتنفس وجميع العضلات حتى عضلة القلب لا تتحرك إلا بصعوبة.

تشير حجاج إلى أن ضمور العضلات خارج نطاق العلاج على نفقة الدولة بالرغم من ارتفاع ثمن الأدوية الخاصة به، ولا يوجد مظلة تأمين صحي بأسعار مناسبة له، 

وفقًا للجمعية الأمريكية للطب، فإن ضمور العضلات هو أحد الأمراض الوراثية التي تصيب الأعصاب، وتظهر من الحبل الشوكي، ويسبب ارتخاء شديد في العضلات مع ضمور الأطراف، وضعف في عضلات الجسم التي تتحكم في التنفس والبلع وغير ذلك، بالاضافة لعدم القدرة على التحكم بها ويوجد في مصر قرابة مليون مريض بضمور العضلات.

ومؤخرًا تقدم النائب أحمد زيدان وكيل لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بطلب إحاطة، لرئيس مجلس النواب، موجه لوزيرة الصحة والسكان، بسبب عدم إدراج العلاج الخاص لمرضى ضمور العضلات ضمن بروتوكول العلاج على نفقة الدولة، وكذلك العلاج على نفقة التأمين الصحي، وبخاصة في ظل ارتفاع القيمة المالية للعلاج المتعلقة بهذا المرض النادر والمزمن.

 

"يوسف" يعاني من الغضروف ولا يستطيع الحصول على قرار علاج

لا تغطي قرارات العلاج على نفقة الدولة مرض الغضروف بالرغم من معاناة أصحابه بشدة، من بينهم "يوسف مجاهد"، ثلاثيني، وأحد عمال اليومية من محافظة بورسعيد، والذي يعاني منذ عام 2006 حين أصيب في عمله بكسر في العمود الفقري، وتلف في عصب الساق اليمنى.

أكثر من 50 ألف جنيه تكبدها يوسف بمفرده لإجراء عملية جراحية تعيده للوقوف على قدميه من جديد: "استمر الألم بعد العملية وتكبدت 7 آلاف جنيه لإجراء فحوصات طبية، فوجدت إنني أعاني من مرض الغضروف واعتلال مزمن في الضفيرة القطنية".

شهريًا يحتاج يوسف أدوية ومسكنات تتكلف 3450 جنيهًا، وهي أضعاف راتبه الشهري من الذي كان يتحصل عليه قبل تقاعده عن العمل: "أصبحت أعاني من انزلاق غضروفي في فقرات الظهر، وعجز في  الفقرات العظمية وأصبح علاجي يتكلف 6 آلاف جنيه شهريًا".

حاول يوسف استخراج طلب للعلاج على نفقة الدولة من أحد المستشفيات الحكومية، وأرفق في طلبه التقارير الطبية وما يثبت إصابته من مرض مزمن يحتاج إلى علاج بمبالغ باهة: "بعد انتظار طويل وإجراءات معقدة قوبل الطلب بالرفض لأن الانزلاق الغضروفي المزمن لا يدخل ضمن الأمراض التي تعالج على نفقة الدولة".

 

شروط العلاج على نفقة الدولة

لا توجد شروط للحصول على قرار العلاج على نفقة الدولة سوى أن يكون المواطن مصري الجنسية ولا يتمتع بمظلة تأمينية (ليس لديه تأمين صحي) وفق الموقع الرسمي للمجالس الطبية المتخصصة، ويتم تقديم صورة البطاقة على الوجهين، وأصل تقرير لجنة ثلاثية معتمد ومختوم من إحدى مستشفيات تقديم الخدمة العامة، وتقرير طبي، وأبحاث وتقارير حديثة.

تقدم خدمات العلاج علي نفقة الدولة (تقارير اللجان الثلاثية) عن طريق المجالس الطبية الفرعية بالمحافظات وعددها 27 مجلس طبي، كما تقدم خدمات العلاج علي نفقة الدولة بموجب القرارات الوزارية رقم 290 لسنة 2010 و206 لسنة 2011 وتضم عدد 250 مستشفى موزعة على محافظات الجمهورية.

مستشفيات تقديم الخدمة

http://www.smcegy.com/Site/about.aspx?par=3&id=36

 

كوثر: "انتكاسات السرطان المؤلمة خارج العلاج على نفقة الدولة"

تفوق الكلفة المادية التي تحتاجها كوثر بنداري، ثلاثينية، هجمات سرطان الثدي التي تتعرض لها كل فترة، لاسيما أن منتكسات سرطان الثدي خارج العلاج على نفقة الدولة، ولا تخرج لهن قرارات سوى مرة واحدة فقط فالمجالس المتخصصة لا تغطي انتكاسات السرطان.

تقول كوثر: "هاجمني سرطان الثدي في عام 2018، وأنا أم ولدي 4 أبناء، أجريت 6 جلسات كيماوي مكثفة تنقسم تكلفت بسببها 4 آلاف جنيهًا للجلسة الواحدة، وتعافيت بعد عامل كامل من المعاناة الجسدية والكلفة المادية الضخمة".

بعد 6 أشهر انتكست كوثر وهاجمها السرطان مرة أخرى، واحتاجت علاج هرموني اسمه "هيربستين" كل عبوة كل 20 يومًا تبلغ تكلفتها من 15 إلى 18 ألف جنيهًا بدل من جلسات الكيماوي: "حاولت الحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة ولكن انتكاسات السرطان خارج تلك القرارات".

إلى جانب ذلك تحتاج لقعار "الفيال 5 مجم" يتكلف نحو 8 آلاف جنيهًا وهناك عقاقير أخرى لانتكاسات السرطان تتكلف 24 ألف جنيهًا للواحد: "أين يذهب منتكسي السرطان بتلك الآلام والتكاليف المادية الضخمة؟ لا بد من دخول السرطان في قرارات العلاج على نفقة الدولة".

 

إجراءات الحصول على قرار بالعلاج على نفقة الدولة

التوجه إلى أقرب مستشفى يقدم خدمة علاج المواطنين على نفقة الدولة بالمحافظة التابع لها.

يتم توقيع الكشف الطبي على المريض بواسطة أطباء المستشفى وتحرير تقرير لجنة ثلاثية وتقرير طبي للمريض.

يتم إرسال أوراق المريض (صورة بطاقة رقم قومي + تقرير لجنة ثلاثية + تقرير طبي + أبحاث حديثة) إلى قسم العلاج على نفقة الدولة بالمستشفى.

 

http://www.smcegy.com/Site/about.aspx?par=3&id=39

 

يقوم الموظف المختص بتسجيل البيانات المقدمة بالنموذج من خلال تطبيقات المشروع  ويقوم بملء نموذج الكتروني عن طريق الشبكة القومية للعلاج على نفقة الدولة.

يتم معالجة الطلب الكترونياً بالمركز الرئيس بالمجالس الطبية بالقاهرة ويتم عرضه علي اللجان الطبية المتخصصة الكترونيا ويتم اتخاذ القرار وإصداره.

يتم إخطار المواطن برسالة قصيرة على الهاتف المحمول للمريض.

يقوم المريض بالتوجه للمستشفى لتلقي الخدمة العلاجية المقررة .

منة: "جراحات التجميل الناتجة عن التشوه ليس رفاهية في مجتمع متنمر"

طوال السنوات الماضية لا يفارق أذن منة يوسف، عشرينية، صوت صريخ ابنها الذي اشتعلت النيران فيه وهو في عمر الأربع سنوات، أدى إلى حريق متفرق في أجزاء جسده من الدرجة الثالثة، يغطي ذراعه الأيمن ووجه ونصف ساقه.

تقول: "إنقاذه كان معجزة، وأجرى وقتها عدة عمليات أقلهم تكلفة كانت 40 ألف جنيه، حتى يعود للحياة ولكن بتشوهات عديدة، ساءت حالته النفسية بسبب نظرات من حوله له وتنمرهم عليه، ورفض الاستمرار في العلاج والأدوية وترفض المدارس إلحاقه بها".

قررت منة أن تجري لابنها جراحة تجميلية لإخفاء التشوهات التي حدثت نتيجة الحريق، فعلمت أن أقل عملية ستتكلف ما يقرب من 120 ألف جنيه: "رحلة علاجه كانت مكلفة للغاية لجأت للاستدانة بسببها وعرضت أثاث منزلي للبيع ولم يعد معي أموال للجراحة التجميلية".

طرقت باب العلاج على نفقة الدولة ولكنها فوجئت بإن الجراحات التجميلية خارجه: "ليست كل الجراحات التجميلية رفاهية لأن ابني تشوه ويحتاج للعملية من أجل الاندماج في المجتمع ثانية، إلى جانب أن التأمين الصحي لا يتكفل بمثل تلك العمليات وأصبحت حياة ابني مرهونة على قرار للعلاج على نفقة الدولة".