جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

قصة أغنية أم كلثوم التي صنعت أسطورة الشيخ إمام

أحمد فؤاد نجم والشيخ
أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام

لم يدرك الشيخ المعمم أن صوت أم كلثوم سوف يبدل حياته إلى تلك الدرجة، فبعد أن كان قارئا للقرآن، موظفا في المقر الرئيسي للجمعية الشرعية، وهي واحدة من أهم الجمعيات الدعوية في القاهرة، وبعد أن تنبأ له القارئ الشيخ محمد رفعت بمستقبل مختلف، غيّر صوت أم كلثوم مسار رحلته، ليصبح الشيخ إمام عيسى، المطرب الذي قضى غالبية عمره في السجن، لمجرد أنه أطلق أغنيات يرثي خلالها أخطاء الأنظمة الحاكمة. 

كان الشيخ إمام يسير في اتجاه منزله بحوش قدم، عندما سمع أم كلثوم تغني "ليه تلاوعيني"، نغمات أرسلتها الست عبر أثير الإذاعة، أطربت الشيخ، وهو يمر بجوار دكانة (مزين) بالمنطقة اسمه محمد بيومي، ليتسمر مكانه، وبعد لحظات من وقوفه دعاه (المزين) ليقرأ القرآن على الناس في دكانه، وتلك كانت مهنة الشيخ التي يرتزق منها، لكن وبعد أيام من القراءة صادف أن استمع إليه الشيخ درويش الحريري، الأستاذ في معهد الموسيقى العربية، ومنذ تلك اللحظة لم يتركه الشيخ إمام حتى تعلم منه فنون الموسيقى، وكان ابن الثامنة عشرة في ذلك الوقت.

رحلة عيسى وحياته خلال مائة عام، ربما تكون تأريخا لمصر التي كانت؛ فقراءة متأنية لرحلة صعود الشيخ، منذ بدايته مع القرآن، مرورا بعمله في الجمعية الشرعية، ثم فصله منها عندما اكتشفوا أنه يسمع القرآن عبر أثير الإذاعة؛ وهي مسألة كان الشيوخ يعتبرونها حراما في تلك الفترة، ثم انتقاله إلى حوش قدم، وسماعه لأنغام أم كلثوم، التي سلبت لبّ الشيخ، مرورا بحرب يونيو 1967، بين مصر وإسرائيل، وانتفاضة الشيخ مغنيا من كلمات رفيق دربه أحمد فؤاد نجم، جميعها مراحل، قد نفهم منها شيئا مما حدث!

واحدة من الأخطاء الشائعة عن الشيخ إمام أنه لم يغن سوى أشعار أحمد فؤاد نجم فقط، وتلك معلومة غير دقيقة صوبها الروائي يوسف القعيد في مقال نشر بمجلة القاهرة قبل ثلاثة عقود: "غنّى الشيخ إمام عيسى لشعراء آخرين غير (نجم)، منهم شاعر فلسطين الشهيد توفيق زياد، وشاعر العامية المصري زين العابدين فؤاد، وفؤاد حداد، وفؤاد قاعود، ولكن يبقى مشروعه الفني مرتبطا بالغناء مع نجم فقط، وهذا هو الأساس والقاعدة التي لا ينفيها أي استثناء".