جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

رحيل المفكر التونسى هشام جعيط صاحب «ثلاثية فى السيرة النبوية»

المفكر التونسي هشام
المفكر التونسي هشام جعيط

رحل عن عالمنا قبل ساعات، المفكر التونسي الكبير هشام جعيط، عن عمر ناهز الخامسة والثمانين، وهو صاحب المؤلفات والأسفار التاريخية الفكرية الكبيرة، ومن  أبرزها  الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي، الكوفة: نشاة المدينة العربية الإسلامية، بيروت، الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر، أزمة الثقافة الإسلامية، تأسيس الغرب الإسلامي، أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة، في السيرة النبوية بأجزائه الثلاثة: الوحي والقرآن والنبوة، تاريخية الدعوة المحمدية، مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام، بيروت وغيرها.

 - كتاب «الفتنة» باب لاستقراء تاريخ الإسلام 

وعن كتابه "الفتنة" يقول المؤرخ العراقي جمال الدين فالح الكيلاني: "يدخل كتاب «الفتنة» لهشام جعيط في زمرة المراجع التاريخية الرئيسة التي لا غنى للباحث عنها، وبرهنت على أنّ المسلمين ولجوا باب العلم الحديث في استقراء تاريخ الإسلام، لقد حاول جعيط أن يمارس تاريخًا تفهميًا إلى حد بعيد، وأن يغوص حتى قلب المناخ الذهني والعقلي للعصر، وأن يسعى لفهم كيفية تفكير أهله، ومـا كانت عليه أصنافهم ومقولاتهم وقيمهم. وحتى أنه حاول ـ كما أشار ـ الكلام بلغتهم. ومن ناحية ثانية، فـإنه في الوقت الذي حاول أن يدرك بوضوح كثـرة المعطيات، وأن يحلل البنى، وأن يكتب تاريخًا شموليًا، إنمـا أراد ايضًا أن يروي، أن يخبر، مكتنهًا من خلال الرواية، هـذه المرحلة الغنية بالرجالات والأحداث، وأن يتوصل في نهاية المطاف إلى أن يعيش مع هؤلاء الناس وهاته الإحداث".

 وقد شدد هشام جعيط في سفره الضخم "الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر"  علي أن اهتمامه بالفتنة الكبرى في السنوات الأولي من عمر الدعوة الإسلامية، في حركتها الصاعدة، منذ الأزمة في عصر عثمان بن عفان حتي المعارك الملحمية التي دارت في البصرة وصفين.

 وتابع أنها  كانت أكثر من حرب أهلية أو حرب دينية، إنها مركب قوي راح يهز عناصر لا متناهية، وشىء ما تطور وطور بني وتراكيب بالغة التنوع، تكاد تكون حديثة مثل ولادة الأحزاب ومؤتمر التحكيم، ومثلها مثل الثورات الكبري، كان للفتنة إيقاع لاهث، وقد أقحمت في مشروعها الأعداد الهائلة من البشر، وبالتالي وسعت مفهوم السياسي، ومن المدهش أنه لم يخصص حتى الآن أي كتاب جدي، ربما باستثناء كتاب "الفتنة الكبرى" لطه حسين المميز بطابعه الأدبي أكثر مما هو تاريخي.  

 -  لم يعد هناك مستشرقون من ذوي الأهمية في الغرب

وفي حوار إعلامي معه قال هشام جعيط عن الاستشراق ومقارنته بين الأمس واليوم،  لم يعد هناك مستشرقون من ذوي الأهمية في الغرب، فأغلبهم قد مات، ولم يأت جيل جديد، وهؤلاء كانوا ينزعجون من أن يدرس عربي مسلم أساسَ الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، ويهتم بتاريخ الإسلام.

 وتابع أعتقد أن المستشرقين في الفترة التي كتبت فيها لم يكونوا متمكنين من علم التاريخ، وكان مسارهم يقوم على تعلم العربية أو الفارسية، وليس لهم تكوين تاريخي نقدي حقيقي. كانت كتاباتهم سردية، وتطغى عليها أحكام مسبقة، واعتبارات خارج الحقل العلمي، وهي مسكونة بفرض تفوق الغرب على الشرق الإسلامي. وأنا كمبرّز في التاريخ كان لي اطلاع على التاريخ، وعلى المنهجية التاريخية، وشخصيًّا انتقدت البعض منهم، ويمكن القول من خلال ثلاثيتي حول السيرة المحمدية: إن الاستشراق انتهى على يد أحد الشرقيين المسلمين.