جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

«أنسنة» القضية الفلسطينية

ما زالت القضية الفلسطينية تمثل آخر نموذج للاستعمار الاستيطانى والعنصرى فى العالم.. كما أنها أيضًا القضية التى ما زالت تتقاذفها الأيدى التى لا تجيد العمل والتواجد بعيدًا عن المتاجرة بالدين ودغدغة عواطف المتدينين، ولتحقيق مصالحهم الحزبية والتنظيمية والسياسية على حساب ذلك التديين وعن طريقه.. فهل تديين القضية نحو أى دين ينفعها أم يضرها؟ 

هنا أذكر واقعة حدثت لى شخصيًا: كنت ضمن وفد لمناصرة القضية والقدس فى دمشق عام ٢٠٠٩، وفى إحدى ورش العمل، وكانت تضم أغلبية من شباب حماس، كانت جميع المداخلات تؤكد إسلامية القضية، وأنه لا مكان لغير المسلمين هنا!، وقفت قائلًا: أنا اسمى جمال أسعد، مصرى مسيحى ناصرى قومى عروبى، جئت إلى دمشق إيمانًا بالقضية، ولذا، وبعد ما سمعت، أرى أنه لا مكان لى ولا مبرر لتواجدى بينكم، وهذا خطأ يضر بالقضية.. تطاول الشباب علينا أنا والزميل أمين إسكندر وتفجّر الموقف. 

بعد الورشة جاء خالد مشعل، رئيس منظمة حماس حينها، يعتذر لى مبررًا ذلك بأنه حماس شباب!!.. هذا، ولا يزال الطرح وأسلمة القضية قائمًا، وهذا لن يكون فى صالحها، لأنه فى المقابل هناك واقع صهيونى قد فرض الدولة اليهودية الدينية، أى أن هناك طرح دولة دينية فى مقابل دولة دينية، وهذا هو ما تريده إسرائيل.. الأهم أن أسلمة القضية أعطى الفرصة الذهبية لمزيد من اختراقات الصهيونية المسيحية لكثير من المسيحيين فى العالم، والأهم والأخطر مسيحيو الشرق والعالم العربى.. تلك الاختراقات التى تصل بتفسيرات مغلوطة لنصوص العهد القديم تجعل هناك تعاطفًا بل إيمانًا بحق شعب الله المختار «زورًا وتخيّلًا» بأرض الميعاد «وطن الفلسطينيين».. فهل هذا الطرح وذاك التديين سيكون فى صالح القضية؟ وهل هذا سيساعد بالفعل على إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية؟ 

القضية إسلامية لوجود المسجد الأقصى، ومسيحية لوجود كل الأماكن المقدسة التى عاش فيها السيد المسيح، والأهم أنها سياسية فى المقام الأول لأنها قضية شعب سُلبت أرضه وضاع وطنه وحُرم من الأمن والأمان والاستقرار.. تديين القضية حوّلها إلى محاور دينية تتنافس فى ظروف طائفية ودولية تعتمد على إثارة النعرات الدينية والعرقية والجهوية.. ناهيك عن أكذوبة صراع الحضارات أو صراع الأديان، ذلك الصراع المختلق الذى صُنع ونُظر له فى الأساس حتى يكون فى صالح الدولة الصهيونية الدينية الاستعمارية.

القضية إنسانية لكل صاحب ضمير دينى أيًا كان دينه.. فالضمير والأخلاق والدين تحث على مساعدة المظلوم حتى يسترد حقه وكرامته. 

ضع نفسك مكان الفلسطينى أو أى مظلوم حتى تشعر بفداحة الظلم الذى لا يجب السكوت عنه.. وما ضاع حق وراءه مقاوم.