جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

ألمانيا تعرض 1.1 مليار يورو تعويضًا عن الإبادة الجماعية في ناميبيا

 الإبادة الجماعية
الإبادة الجماعية في ناميبيا

أفادت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، في عددها الصادر اليوم الجمعة، بأن ألمانيا اعترفت رسمياً بإبادة جماعية ارتكبتها إبان حقبة استعمار ناميبيا، وراح ضحيتها عشرات الآلاف من الناميبيين منذ أكثر من قرن من الزمان، لتعلن تخصيص 1ر1 مليار يورو للدولة الواقعة في جنوب القارة السمراء على سبيل التعويض.

وذكرت الصحيفة- في سياق تقرير نشرته تعليقا على هذا الشأن على موقعها الإلكتروني- أن هذا الإعلان جاء بعد 6 سنوات من المحادثات مع ناميبيا كانت في الشهر الماضي قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بسبب ما إذا كان ينبغي تصنيف هذه الأموال على أنها تعويضات، وهو مصطلح تخشى ألمانيا أن يفتح المجال أمام مطالبات قانونية أخرى، فيما يعد بمثابة سابقة لدول أخرى.

وأشارت الصحيفة، في معرض تقريرها، إلى أن الجنود الألمان قتلوا أكثر من 60 ألفا من سكان قبائل هيريرو وناما الأصليين بين عامي 1904 و1908، وسط انتفاضة شعبية ضد الحكم الاستعماري الألماني؛ في حادثة طالما اعتبرها المؤرخون والأمم المتحدة بأنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين.

وقال وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، في صباح اليوم الجمعة: إن ألمانيا اعترفت رسميًا بأن هذه الأحداث التاريخية تُعتبر "من منظور اليوم" بمثابة "إبادة جماعية".

وأضاف: "في ضوء المسئولية التاريخية والأخلاقية لألمانيا، سنطلب من ناميبيا وأحفاد الضحايا المغفرة والصفح".. مع ذلك، رفض الزعماء التقليديون للهيريرو وناما الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الناميبية مع برلين في هذا الشأن، واعتبروه ضئيلاً للغاية للتعويض عن معاناة أسلافهم، التي انتهت أيضا بالاستيلاء على غالبية أراضيهم.

وقالوا أيضا إنهم استُبعِدوا إلى حد كبير من المحادثات، رغم أن ألمانيا تقول إن بعض أفراد المجتمع قد استشيروا في الأمر.. حيث قال فيكوي روكورو، رئيس قبيلة هيريرو التقليدية، هذا الأسبوع إن عرض ألمانيا يعد "إهانة كاملة لمخابراتنا ويجب على المشرعين الناميبيين رفضه، فهذا لا يكفي للتعويض عن دماء أسلافنا".

كذلك، من المتوقع أن يزور فرانك فالتر شتاينماير، الرئيس الألماني، ناميبيا لطلب الغفران والصفح، غير أن روكورو دعا البرلمان الوطني لرفض "ما يسمى الاعتذار".

وفي هذا الشأن، أبرزت الصحيفة البريطانية أن ألمانيا كانت قد أقرت في وقت سابق "بالمسئولية الأخلاقية" لكنها تجنبت منذ فترة طويلة تقديم اعتذار رسمي للتهرب من مطالبات التعويض.. فيما شدد ماس في تصريحاته اليوم على أن "المطالبات القانونية بالتعويض لا يمكن أن تستمد من ذلك".

وتقول برلين إن اتفاقية الاعتراف بالإبادة الجماعية لعام 1948 لا يمكن تطبيقها بأثر رجعي، لتبدو حذرة من الانفتاح على مطالبات التعويضات الأخرى.. حيث لا تزال اليونان تجادل، على سبيل المثال، بأن برلين يجب أن تسدد حوالي 289 مليار يورو تعويضاً عن الأضرار التي سببتها ألمانيا النازية.

من جانبه، قال زيد نجافيرو، الدبلوماسي الناميبي المخضرم الذي قاد مفاوضي بلاده في المحادثات: "إننا نسعى إلى إعادة الإعمار والمصالحة".. بينما قال هينينج ميلبر، الباحث الناميبي والأستاذ الاستثنائي بجامعة بريتوريا بجنوب إفريقيا، إن المصالحة بين الناس "تتطلب أكثر من مجرد صفقة تفاوضية ثنائية بين الحكومات، وكلاهما لا يشتمل على درجة ذات مغزى من المجتمع المدني".

وأضاف: "مهما كانت الخطوات المقبلة، لا يزال هناك طريق طويل لتحقيق مصالحة حقيقية".

وعلى عكس اعترافها بالجرائم النازية، بما في ذلك الهولوكوست، تجاهلت ألمانيا منذ فترة طويلة إرثها الاستعماري، على الرغم من أنها كانت ثالث أكبر قوة استعمارية في إفريقيا في القرن التاسع عشر قبل أن تفقد السيطرة على أراضيها الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى.