جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

مدارس وحضانات

تمييز على طاولة التعليم.. مدارس ترفض قبول أطفال مرضى السرطان بالمخالفة للقانون

تعليم الاطفال
تعليم الاطفال

منذ عامين، وإلى الآن، لازالت تبحث دينا هشام، 29 عامًا تقطن في محافظة الجيزة، عن مدرسة تقبل ابنها زين 7 أعوام، والذي انتهى من مرحلة الحضانة التعليمية وتقف إلى هنا دون جديد، بعدما طافت والدته 6 مدارس خاصة لإلحاقه بها لكنها قوبلت جميعها بالرفض.

تودع دينا أوراق "زين" في مكاتب التقديم بالمدارس والتي من ضمنها تقارير الحالة الصحية له، وتنتظر بلهفة تحديد موعد للمقابلة، وتمر الأيام والشهور دون جديد حتى ضاع من عمر الطفل عامين بلا سبب، سوى أنه مريض بالسرطان:"ابني لا يعيبه شئ هو ذكي ونشيط ومجتهد ويحب الدراسة والتعلم، والسرطان مرض ليس مُعدي على الإطلاق، لكن الواقع كان شديد القسوة معيّ حين رفض ابني في أكثر من مدرسة لمجرد أنه مريض سرطان في مراحل العلاج النهائية".

دينا ليست حالة واحدة، فهناك الكثير من المدارس الخاصة التي ترفض إلحاق الأطفال مرضى السرطان بها، بما يخالف قانون الطفل الذي يضمن الحق في التعليم، ويتناقض مع عدم وجود لائحة أو قرار تمنع الحاق الأطفال المصابين بالسرطان في المدارس.

وخلف ذلك العديد من الأطفال المصابين بالسرطان الذين تضيع عليهم السنوات التعليمية بسب رفض المدارس والحضانات إلحاقهم بالمخالفة للقانون، ويلجأ أولياء الأمور إلى المدارس الحكومية التي لا تتوافق مع طيبعة الأطفال والمرضى، وفق حكايات وقصص استمعت لها "الدستور" هُنا.

دينا: "ابني يتلقى تعليمه في المنزل بسبب رفض المدارس له"

تحكي دينا ما حدث قائلة: "بعد ولادة زين بـ7 شهور اكتشتف عنده ورم في الرقبة عند الغدة الليمفاوية وبعد الأشعة والفحوصات عرفنا أنه مصاب بالكانسر وعمل ورم جنب العمود الفقري، خضع من يومها للعلاج الكيماوي في مستشفى 57 وعمل عملية استئصال ثم رجع مرة آخرى للعلاج الكيماوي المكثف".

ما بين علاج وعمليات جراحية ظل زين على تلك الحالة حتى أتم الشفاء في عامه الرابع والتحق بإحدى الحضانات في منطقة الجيزة: "توقعت أن تسير الأمور طبيعية لكن صُدمت بالواقع في مرحلة التقديم للتعليم الابتدائي جميع المدارس ترفض ابني".

توضح والدته: "ابني له معاملة خاصة لكنها متاحة فهو ممنوع من الإجهاد أو الحزن أو العقاب، وتلك ليست أسباب منطقية لحرمانه من التعليم لأنه ذكي وبينطق الكلام بطريقة طبيعية استجابته مثل الأطفال العاديين فلماذا أودعه مدرسة دمج أو احتياجات خاصة".

بدأت دينا في عام 2019 التقديم له، وطافت على 6 مدارس في مناطق مختلفة، تطلب مع الأوراق إيداع شهادة التطعيمات التي توقفت لدى زين بسبب الكيماوي إلى جانب تقارير طبيعة عن حالته الصحية وتاريخه المرضي وتنتظر تحديد موعد مع المدرس لكن لا يحدث ذلك: "بعض المدارس ردت بالرفض بدعوى أن تلك مسؤولية كبيرة، والبعض الآخر كان يماطل حتى تنقضي مدة التقديم ولم أصل في أي مدرسة إلى مرحلة اجراء المقابلة حتى، لذلك في عام 2020 ومع دخول الكورونا لجأت إلى تعليمه منزلين لمدة عام ونصف وإلى الآن دون أوراق رسمية أو شهادات".

التعليم حق لجميع الأطفال

يتعارض ما حدث لـ"دينا" وابنها "زين" مع المادة رقم 15 من قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، والذي ينص على أن التعليم الأساسي حق لجميع الأطفال المصريين الذين يبلغون السادسة من عمرهم تلتزم الدولة بتوفيره لهم ويلتزم الآباء أو أولياء الأمور بتنفيذه وذلك على مدى تسع سنوات دراسية.

وبحسب المادة فإن المحافظون يتولون كل في دائرة اختصاصه إصدار القرارات اللازمة لتنظيم وتنفيذ الإلزام بالنسبة للآباء أو أولياء الأمور والمدارس على مستوى المحافظة، كما يصدرون القرارات اللازمة لتوزيع الأطفال الملزمين على مدارس التعليم الأساسي في المحافظة.

روان: "ابني تعرض لأقسى أنواع التمييز"

"أقسى أنواع التمييز التي تعرض لها ابني منذ ولادته"، تسترجع روان محمود، 32 عامًا، من محافظة القاهرة، ما حدث لابنها زيادة 10 سنوات، حين حاولت التقديم له في مدارس خاصة تجنبًا لكثافة الفصول في المدارس الحكومية ولطبيتعه غير العادية إلا أن محاولاتها قوبلت برفض عنصري كما تصف:"ابني يعاني من ورم سرطاني في المعدة بعد ولادته بعامين وظل يتلقى العلاج الكيماوي والجلسات حتى أتم خمس سنوات والتحق بالحضانة وكان سعيد للغاية بخطواته تلك، لم نكن نعلم أن التعليم قبل الجامعي يتميز بالعنصرية والتمييز".

بعدما بلغ زياد 6 سنوات حاولت روان الحاقه بمدرسة خاصة ابتدائية إلا إنها رفضت بسبب تاريخه المرضي مع السرطان: "المفروض أن المدرسين يساعدوه يخرج أفضل ما عنده لكن ذلك لم يحدث وضاع عليه أول عامين بسبب البحث عن مدرسة وكان يتلقى تعليمه في المنزل بدون شهادات".

طافت روان على عدد لا تتذكره لكثرته من المدارس في نطاق مصر الجديدة والمعادي، وكانت تقدم ملف الطفل به أوراق الشهادات الطبية والتقارير والتطعيمات، لكن جميع المدارس حين تعلم أنه مصاب بالسرطان ترفض حتى إتمام المقابلة مع أولياء الأمور.

تقول الأم: "أكثر من مدرسة رفضت بحكم أنه مريض سرطان، وحين سألت طبيبه أكد أن المدارس الدولية والخاصة ترفض ذلك بدعوى أنه مسؤولية ومن الممكن أن يصاب بالتعب في أي وقت، الجميع كان يرفض بمجرد أن يعرف أنه مريض بالسرطان".

لم يكن أمام روان حل سوى إلحاقه بمدرسة حكومية حتى لا تمرق سنوات عمره بلا تعليم أو شهادة، إلا أن الأمر كان مجهدًا كما تصف بسبب كثافة الفصول وعدم تفهم المدرسين والطلاب حالته الصحية: "يتابع زياد في مدرسته وحصصه إلى جانب متابعة جلسات العلاج جنبًا إلى جنب".

الحق في التعليم: "3 حلول لمواجهة الأزمة"

يوصف عبدالحفيظ طايل، رئيس المركز المصري للحق في التعليم، ما يحدث من جانب المدارس الخاصة بالتمييز العنصري، خاصة بعد تدخلهم لتحديد المستوى الاجتماعي لقبول الأطفال في مدارسهم، ووضع معايير غريبة للمستوى التعليمي للوالدين ومنطقة سكنهم، بإنه تمييز غير مقبول.

وردًا على بعض المدارس الخاصة التي تدعي رفض قبول ملفات أطفال السرطان بسبب خوفهم من التنمر، يقول: "ما يفعلونه هو التنمر بحد ذاته لأن مسؤولي المدارس يحددون نوع الأمراض التي يقبلونها في المدارس، فإذا قبل المجتمع بالمعايير المادية التي تفرضها تلك المدارس لن يقبل بالتنمر الاجتماعي على أطفال السرطان".

ويطرح طايل ثلاثة حلول أمام أولياء أمور السرطان إما أن يتوجهوا إلى الحق القضائي ورفع قضية على المدرسة، ولكن عيب هذا الحل أنه يحتاج إلى وقت طويل وأموال طائلة تصرف على القضية، وأما الحل الثاني فهو شكوى المدرسة في الوزارة ولكن ستقبل الشكوى في حالة واحدة إذا كانت المدرسة الخاصة هي المدرسة الوحيدة القريبة من منزل الطفل.

ولا يتبقى إلا الحل الثالث وهو البحث عن مدرسة حكومية تقبل أوراق الطفل؛ لأن المدارس الحكومية لا تضع معايير خاصة لقبول الأطفال، ولكن توجد مشكلتين في المدارس الحكومية تتمثل في كثافة الفصول، وجودة التعليم المنخفضة مما يجعل أولياء الأمور يتهربون منها.

وبسبب هذه المسائل العالقة يطالب طايل بمناقشة هذه الأزمة على مستوى وزارة التربية والتعليم حتى لا تنتشر تلك المشكلة في جميع المدارس الخاصة، ويتطور الأمر إلى رفض كل المدارس الخاصة لكل الأمراض المتعلقة بالسرطان والأمراض المناعية ويتعرض الأطفال لأزمات نفسية ترافقهم مدى العمر بسبب رفضهم من المجتمع.

"آدم" طرد من الحضانة بسبب سقوط شعره

كان يحلم آدم بروضة هادئة وأصدقاء ظرفاء يتقاسمون أول خطواتهم في التعليم، يلتمسون طريقًا إلى العلم في رحلة ستجمعهم لأكثر من خمسة عشرة عامًا، خطّط الصغير كثيرًا لأنشطة سيمارسها مع أصدقائه طيلة هذه الأعوام، إلا أن الخوف والوهم جعلا رحلته التعليمية تقتصر على 15 يوم بدلًا من 15 عامًا.

خلال الأشهر الأولى من عام 2019 أصيب الطفل آدم بسرطان في الدم، وتعافى منه إلا أنه بقى البعض من آثاره الجانبية متمثلًا في سقوط الشعر باستمرار، مما جعل رفاقة في الحضانة يعرفون أنه مصاب بالسرطان وقد ينتقل إليهم هذا المرض الخبيث التي تحذر منه الإعلانات التلفزيونية ليل نهار.

تروي والدته نجلاء إبراهيم ما حدث لصغيرها بعد أسبوعين فقط من انضمامه للحضانة، حيث هاتفتها مديرة الحضانة لتطلب منها أن تسحب ملف آدم وتقدمه في أي حضانة أخرى، لأن زملائه وأولياء أمورهم يخشون على أبنائهم من مرض آدم، الذي غير ملامحه وأسقط شعره.

تلك المكالمة الهاتفية جاءت بعد مقدمات مهدت فيها مديرة الحضانة لوالدة آدم أن صغيرها غير مقبول في الوسط المجتمعي لزملائه، فعندما أقيمت حفلة للاحتفال بذكرى السادس من أكتوبر، التقطت صور آدم وحيدًا وأرسلت الصور لوالدته على حسابها الخاص، حتى لا ترسل على الجروب الخاص بأولياء الأمور.

لم تفصح مديرة الحضانة عن السبب الحقيقي وراء فصل آدم من الحضانة، وأكدت لوالدته أنها تخشى عليه من فصل الشتاء لأن مناعته ضعيفة بسبب الميكروب الذي أصابه في الدم، وأنه حتى لو تعافي فلن تعود مناعته كما كانت في السابق.

وهنا أصرت الأم التي تخشى إبلاغ الطفل بالخبر أن صغيرها معافً تمامًا من ميكروب الدم، وأن تساقط الشعر عرض جانبي، سيحتاج إلى الكثير من الوقت حتى يعود لطبيعته، وأنه يقاوم وعلينا تشجيعه بدلًا من إحباطه وهو في خطواته ما قبل الأولى في رحلته التعليمية.

لم تتوقف حرب الأم عند هذا الحد، حيث تواصل معها مسئول من وزارة التربية والتعليم ليحاول الوقوف على حقيقة القضية من البداية، بعدما أصرت مديرة الحضانة أنها تخشى على آدم وعلى زملائه من موسم الفيروسات والإنفلونزا، وأنها تؤدي عملها وتحافظ على جميع الأطفال دون تفرقة.

وفي النهاية اضطرت الأم لمواجهة الحقيقة وإبلاغ آدم بأنه سينتقل إلى حضانة أخرى، ولكنه لم يفهم في البداية، أراد أن يعلم مصير خططه الجامحة مع أول أصدقاء حظي بهم على الإطلاق، ولكن الخوف من المجهول حرمه من أصدقائه ومن أحلامه في آن واحد.

"أمل".. الرفض من 3 مدارس خوفًا من "عدوى وهمية"

لم تختلف قصة أمل عن آدم كثيرًا، فهي الأخرى خاضت طريقًا طويلًا في رحلة البحث عن مدرسة تتقبلها كما هي، طفلة تحارب مرضًا خبيثًا، وتحتاج الدعم والحب من الجميع، ولكنها فوجئت بأن السرطان خطيئة عليها التكفير عنها حتى وإن لم ترتكبها.

شهدت على هذه الرحلة للبحث عن مدرسة ابتدائية تقبل أوراق أمل، صديقة والدتها نسرين أحمد، وهي مسئولة في إحدى الجمعيات المختصة بدعم مرضى السرطان، وتؤكد أن قضية أمل تتكرر كل يوم أمام عينيها في الكثير من المدارس والحضانات.

قدّمت والدة أمل أوراقها في أكثر من مدرسة خاصة وأهلية، وبمجرد أن يصل ملفها إلى إدارة المدرسة، والتي تكتشف من خلالها الإدارة إصابة الفتاة بسرطان في الغدة الدرقية، لتبدأ الأعذار في الظهور تنتهي برفض أوراق أمل.

وبحسب نسرين فإن حجة الرفض في المدارس الثلاث التي قدمت بها أمل أوراقها كانت جاهزة، فكانت بسبب نقص الوعي بمرض السرطان، حيث تظن إدارات المدارس أنه مرض معدٍ قد ينتقل من أمل إلى باقي زملائها بالفصل الدراسي، ورغم أنها حجة بالية لا صحة لها ولا تأويل علمي إلا أنها كانت الإجابة النموذجية لرفض ملف أمل.

أما المدرستين الأخريتين فقد اختارتا طريقة أخرى وهي خوفهم على الفتاة الصغيرة من التنمر، وأنها قد تتعرض لبعض الأحاديث الجانبية من زملائها، وهذا بسبب نقص الوعي بمرض السرطان، فعندما يراها زملائه بملامح متغيرة قد يظنون أنها المادة المناسبة للسخرية طيلة العام الدراسي.

وبين هذا وذاك استمر رفض أمل حتى وجدت أخيًرا مدرسة سمحت لها بالانضمام إلى صفوفها، ولكن حالة أمل ووالدتها النفسية كانت سيئة، وتحتاج إلى الكثير من الدعم والإرشاد النفسي حتى يستطيعا تجاوز فكرة الرفض المجتمعي الذي تلقونه خلال رحلة البحث عن مدرسة.

كان هذا دور نسرين التي رافقت صديقتها وابنتها أمل في رحلة المعاناة للحصول على حق من حقوق الطفلة التي يكفلها لها القانون، ورغم هذا تزعزعت ثقة الفتاة الصغيرة في نفسها ولازالت تتلقى جلسات العلاج والدعم النفسي حتى الآن.

ائتلاف حقوق الطفل: "التمييز في حق التعليم يمثل 20% من الشكاوى السنوية"

يرفض هاني هلال، رئيس الائتلاف المصري لحقوق الطفل، التمييز الذي يحدث في حق الأطفال مرضى السرطان في قطاع التعليم، مبينًا أن التعليم حق لجميع الأطفال دون تفرقة وذلك ليس في المدارس الحكومية فقط ولكن داخل المدارس الخاصة والتي تخضع لسلطة وزارة التعليم بشكل أو بآخر.

هلال يوضح أن الائتلاف رصد عدد من الشكاوى قبل جائحة كورونا، من قبل أولياء أمور يعاني ابنائهم من أمراض لا تعيق قدراته في تلقي التعلم من بينها السرطان، ورغم ذلك يتم رفضهم من قبل المدارس، أو قبولهم وممارسة أنواع شتى من التنمر عليهم.

يمثل الرفض من المدارس الخاصة للأطفال المرضى نحو 20% من الشكاوى التي يتلقاها الائتلاف سنويًا، بحسب هلال الذي يرى أنها ليست نسبة بسيطة أو قليلة أن يتم التمييز بين الأطفال والطلاب على أساس المرض لاسيما أن تلك الأمراض لا تعيق استيعابهم لما يتلقونه.

ماجدة: "المدارس لا تعقد مقابلات للتعرف على ذكاء الطفل"

تشارك ماجدة رجب، 25 عامًا، روان وإيمان المعاناة ذاتها، إذ خاضت رحلة بحث عن مدرسة غير حكومية تقبل ابنها المصاب بسرطان في الدم دون جدوى، إذ اكتشفت إصابته بعد ثلاث أعوام من ولادته لكنها لم تكن تعلم مدى التمييز الذي سيتعرض له.

تقول: "بمجرد أن أودع التقرير الطبي الخاص به والتاريخ المرضي لابني في الملف المقدم للمدرسة ويطلع عليه المدير، أجد تغيير شديد في المعاملة وحديث من نوعية سنقوم بالاتصال لاحقًا دون حتى أن يجري مقابلة معيّ أو مع ابني سيف".

تتعجب ماجدة من أنها كانت تتلقى الرفض دون أن تجري أي مقابلة مع الطفل، حتى تتمكن إدارة المدرسة من التعرف على شخصيته وقياس نسبة ذكاؤه من اختبارات القدارت ومدى قدرته على تلقي التعليم: "السرطان ليس مرض عقلي أو معدي حتى تخشى منه جميع المدارس".

توضح أنها لجأت في النهاية إلى مدرسة حكومية لكنها ذات كثافة عالية، ويبذل فيها الطفل جهد ضخم من أجل الالتزام بكل ما يطلبه المدرسين من واجبات: "الكورونا كانت رحمة لأن ابني عانا من التنمر الشديد بسبب تساقط شعره ومظهره حتى أصبح التعليم إلكتروني وأون لاين".