جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الفيتو المجرى!

بيانات الاتحاد الأوروبى، كبيانات مجلس الأمن، تصدر بالإجماع. وعليه، استطاعت المجر المعروفة أيضًا باسم «هنغاريا»، إفشال بيان مشترك يطالب بوقف إطلاق النار والانخراط فى حوار سياسى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، من أجل إعادة إطلاق عملية السلام.

من أصل ٢٧ دولة، هى كل الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، أيدت ٢٦ دولة البيان المشترك. وكانت المجر هى الدولة الوحيدة التى عارضت البيان، خلال الاجتماع الطارئ الذى عقده وزراء خارجية دول الاتحاد، لمناقشة آخر مستجدات التصعيد العسكرى القائم فى الأرض المحتلة، بزعم أن ذلك البيان «متحيز» ضد إسرائيل. كما هاجم بيتر زيجارتو، وزير الخارجية المجرى، ما وصفه بـ«النهج أحادى الجانب» لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبى ضد إسرائيل.

تأسيسًا على ذلك، نشر جوزيب بوريل، مفوض الاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، بيانًا يحمل توقيعه، طالب فيه بوقف إطلاق النار، وأكد أن الاتحاد يعتزم العمل مع الولايات المتحدة وسائر أطراف رباعية الوسطاء الدوليين، أى روسيا والأمم المتحدة، لتسوية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، لأن الحل السياسى وحده، كما يعتقد، كفيل بجلب السلام. 

كان الهدف من الاجتماع هو «بحث وتنسيق الخطوات الممكن للاتحاد الأوروبى اتخاذها من أجل الإسهام بأكبر قدر ممكن فى وضع حد لدوامة العنف فى الأراضى المقدسة»، حسب ما كتبه بوريل، فى حسابه على «تويتر». وفى بيان سابق، قال ممثل الدبلوماسية الأوروبية إن الاتحاد «يشارك بنشاط فى الجهود الدبلوماسية الرامية إلى نزع فتيل العنف»، وبعد أن أدان «الهجمات الصاروخية العشوائية على الأراضى الإسرائيلية من قطاع غزة»، طالب إسرائيل بأن تتصرف «بشكل مناسب» وتتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، خلال ممارستها ما زعم أنه «حقها المشروع» فى حماية سكانها! 

لعبت المجر، إذن، فى الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، الدور نفسه، الذى لعبته الولايات المتحدة فى الجلسات الطارئة الثلاث، التى عقدها مجلس الأمن. وقطعًا، سيعرقل «الفيتو» الأمريكى مشروع القرار، الذى تقدمت به فرنسا، مساء الثلاثاء، بناءً على اتفاق مع مصر والأردن. ولعلك تعرف أن صدور بيان من مجلس الأمن يحتاج إلى إجماع أعضائه الـ١٥، بينما يحتاج القرار إلى ٩ أصوات على الأقل، بشرط عدم استخدام إحدى الدول الخمس دائمة العضوية لحق النقض أو «الفيتو»: الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، الصين، وفرنسا.

بعد يومين من فشل مجلس الأمن الثالث فى إصدار بيان، تقدمت فرنسا بمشروع القرار الذى يدعو إلى «وقف العمليات العسكرية» و«إيصال المساعدات الإنسانية» خاصة إلى قطاع غزة المحاصر. واستباقًا لجلسة مناقشة القرار التى لم يتحدد موعدها بعد، قالت البعثة الدبلوماسية الأمريكية لدى الأمم المتحدة، الأربعاء، إن واشنطن «لن تدعم الخطوات التى تقوض الجهود الرامية إلى وقف التصعيد» فى النزاع الإسرائيلى الفلسطينى. وقالت متحدثة باسم البعثة لوكالة الأنباء الفرنسية: «كنا واضحين فى أننا نركز على الجهود الدبلوماسية المكثفة الجارية لإنهاء العنف وأننا لن ندعم الخطوات التى نعتبر أنها تقوض الجهود الرامية إلى وقف التصعيد».

تشترك المجر مع الولايات المتحدة، أيضًا، فى خرقها للقانون الدولى وعدم اعترافها بأى قرارات أممية. وكما قامت الأولى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها، انتهكت المجر أيضًا القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى، واتفاقيات فيينا المنظمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، وافتتحت ممثلية تجارية لها فى المدينة الفلسطينية المحتلة.

ربما لهذا السبب، تقف المفوضية الأوروبية عاجزة حين تخرق المجر القانون الأوروبى، إذ سبق مثلًا أن أدانت محكمة العدل الأوروبية، وهى أعلى محكمة فى الاتحاد الأوروبى، عمليات الترحيل القسرى، التى تقوم بها السلطات المجرية للاجئين، ورأت أنها تنتهك القانون الأوروبى. ومع ذلك تجاهلت الحكومة المجرية الحكم، وقامت فوق ذلك بتسجيل وتوثيق عمليات الترحيل أسبوعيًا على موقع إلكترونى حكومى بالأرقام والتواريخ!

.. وأخيرًا، لا نعتقد أن هناك تأثيرًا لحجم العفريت، أو ثقله، لأنه يؤدى دوره عادةً باتفاق مع اتحاد ملاك الخرابة، وبتواطؤ من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية التى لا تتحرك إلا بالـ«ريموت كنترول»، ولا تدين أى انتهاكات، حقيقة أو مزعومة، إلا بالأمر أو بالأجر.