جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

محمد الباز يكتب: وهل ستريحكم استقالة وزير الخارجية؟

محمد الباز
محمد الباز

هل أدلكم على ملمح مهم من ملامح إدارة الصراع فى الحياة؟ 

والصراع هنا، يا رفاقى، ليس بين الدول الكبرى فقط، ولا الجماعات المتنازعة فقط ولا الأجهزة المتنافسة فقط ولكنه صراع، حتى لو كان عابرًا وصغيرًا، لا يخص سوى طرفين يجلسان على مقهى صغير فى شارع جانبى، لا يشعر به أو بهما أحد. 

أما الملمح فهو حكمة صاغها صاحبها فى صورة دعاء: «اللهم اكفنى شر أصدقائى.. أما أعدائى فأنا كفيل بهم». 

ليس مهمًا بالنسبة لى هنا مَن الذى صاغ هذه الحكمة، خاصة أن هناك خلافًا على نسبها.

فهناك من ينسبها إلى الشاعر الهندى طاغور. 

وهناك من ينسبها إلى نابليون بونابرت. 

وأعتقد أنه كانت هناك محاولة للتعامل معها على أنها حديث شريف من بين أقوال النبى، صلى الله عليه وسلم، لكن علماء الحديث الثقات أشاروا إلى أنها ليست حديثًا، ولم ترد عن النبى فى أى مصدر معتبر. 

استرجعت هذه الحكمة العبقرية وأنا أتابع ردود الأفعال على تصريحات وزير الخارجية، السفير سامح شكرى، للزميل نشأت الديهى عن سد النهضة، والتى قال فيها نصًا: «لدينا رصيد من الأمان متوفر بخزان السد العالى، ولدينا ثقة فى أن الملء الثانى لسد النهضة لن يؤثر على المصالح المائية المصرية، ونستطيع أن نتعامل معه من خلال الإجراءات المحكمة فى إدارة مواردنا المائية». 

عندما تقتطع إثيوبيا بعضًا من تصريحات وزير الخارجية وتُخرجها من سياقها لتستغلها فى الترويج إلى أن مصر تقول إنها لن تتأثر من الملء الثانى لسد النهضة، يكون لديها الحق فيما تفعله، وهذا طبيعى جدًا، فإثيوبيا فى النهاية صاحبة مصلحة. 

يهمك أيضًا| 

 ضربنا 6 عصافير بحجر واحد.. محمد الباز يعلق على دور مصر فى قضية غزة

وعندما تقوم لجان الإخوان الإلكترونية بكل انحطاطها وتهافتها وسقوطها بالشماتة فى مصر ووزير خارجيتها عبر تصوير الأمر باعتبار أن مصر تراجعت فى مواقفها، وأنها هُزمت أمام إثيوبيا، وأن المفاوض المصرى أضاع الشعب- فهذا طبيعى أيضًا، فالجماعة الإرهابية لن تكف عن تقليب الناس على النظام، فهى داعية شر ولا يمكن أن ننتظر منها خيرًا. 

لكن ما يستفزك ويدهشك ويحيرك أن تجد ممن نعتبرهم نُخبتنا، من كُتاب ومفكرين وسياسيين، ينساقون انسياقًا أعمى وراء تفسيرات الخصوم لكلام وزير الخارجية، الذى لم يقل شيئًا جديدًا على الإطلاق، ولم يقل شيئًا يمكن أن نعتبره تراجعًا أو هزيمة، لكن الخصوم اقتطعوا من كلامه عبارة واحدة، وقاموا بتصديرها على أنها موقف مصر، دون أن يتحلوا بالشجاعة التى تدفعهم لمعرفة ما الذى قاله سامح شكرى قبل جملته «إن مصر لن تتأثر بالملء الثانى لسد النهضة» ولا ما قاله بعدها. 

لو راجع هؤلاء أرشيف وزير الخارجية لوجدوا هذه الجملة بنصها موجودة فى حديثه إلى مجلس النواب فى ١٥ أبريل الماضى، وهو ما يعنى أن سامح شكرى يتحرك ويتحدث بالثوابت المصرية لا يفارقها أبدًا، لكن هناك من يريد مزيدًا من الشوشرة، حتى يقع الناس فى حيرة، والغريب أن من يفعلون ذلك ممن لا نشك لا فى وطنيتهم ولا فى دوافعهم، وهو ما يجعلنى أقول: «اللهم اكفنا شر أصدقائنا، أما أعداؤنا فنحن كفيلون بهم». 

الأغرب من رد الفعل كان فى مطالبة البعض بإقالة أو استقالة سامح شكرى.. أيهما أقرب. 

والسؤال: وهل عندما يستقيل أو يقال شكرى سيستريح من يكيدون لمصر عن عمد ومن يثيرون حولها الغبار عن سذاجة وربما عن غفلة؟ 

لن يستريحوا بالطبع، كل ما سيفعلونه أنهم سيواصلون عملهم فى التضليل والشوشرة والتشويه، لأن وضوح الرؤية أمام مصر ليس فى صالحهم أبدًا. 

قضية سد النهضة لا تزال مفتوحة، فصولها ستتوالى، المهم أن نثق فى أننا قادرون على تجاوز الأزمة، أما هؤلاء الذين يهتزون فى منتصف الطريق.. فدعوهم وشأنهم.