جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

فيلتمان سيتجول مجددًا!

ماجد حبته
ماجد حبته

تفاصيل أولى جولات جيفرى فيلتمان، المبعوث الأمريكى الخاص للقرن الإفريقى، جرت مناقشتها، أمس الإثنين، فى جلسة استماع عقدتها لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ، انتهت إلى ضرورة القيام بجولة جديدة، قريبًا، لمواصلة الجهود الدبلوماسية المكثفة الهادفة إلى نزع فتيل الأزمات السياسية والأمنية والإنسانية المتداخلة: الوضع المتردى فى إقليم تيجراى الإثيوبى، الاشتباكات على الحدود السودانية وأزمة «سد النهضة» الإثيوبى.

الدبلوماسى المخضرم حذر من حرب أهلية فى إثيوبيا تبدو أمامها الحرب فى سوريا مثل لعب الأطفال. ووصف المنطقة بأنها «جزء معقد من العالم فيه الكثير من الأزمات المتداخلة». وأيده السيناتور الديمقراطى كريس كونز، الذى زار إثيوبيا، فى مارس الماضى، لحثها على إتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى إقيلم تيجراى وإخراج القوات الإريترية منه. وأعرب عن شعوره بالإحباط لأن أبى أحمد لم يفِ بأى من الالتزامات التى تعهد بها!

تحدث «فيلتمان»، أمام اللجنة، عن أهمية منطقة القرن الإفريقى للولايات المتحدة، لافتًا إلى ضرورة التنسيق والتعاون لإنجاح مهمته. وأكد أن مصر لن تتسامح مع أى تحركات إثيوبية يمكن أن تقلل حصتها من مياه النيل. وأشار إلى أن إدارة بايدن «جادة فى تسوية هذه القضية الحساسة»، عبر التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة، نظرًا لما تمثله من أهمية بالغة لمصر وللمنطقة. وركز على أهمية العلاقات الاستراتيجية مع مصر، ذات الثقل السياسى والدور المحورى فى محيطها الإقليمى، وشدّد على ضرورة تعزيز أطر التعاون، ثنائيًا وإقليميًا، بين البلدين.

جولة «فيلتمان» الأولى، بعد تعيينه فى المنصب، استمرت عشرة أيام، زار خلالها مصر وإريتريا والسودان وإثيوبيا، وبانتهائها قالت الخارجية الأمريكية، فى بيان، إن «القرارات التى سيتم اتخاذها فى الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون لها تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة وعلى المصالح الأمريكية». وأكدت أن الولايات المتحدة ملتزمة «بمعالجة الأزمات المترابطة»، وأعربت عن «القلق البالغ من زيادة الاستقطاب السياسى والعرقى فى جميع أنحاء البلاد»، ومن «الفظائع التى يجرى ارتكابها فى تيجراى وحجم حالة الطوارئ الإنسانية غير مقبولة».

أزمة تيجراى، بحسب «فيلتمان»، هى أحد أعراض مجموعة أوسع من التحديات الوطنية التى عرضت للخطر الإصلاحات الهادفة، وأمام مجلس الشيوخ أوضح أنه ناقش مع أبى أحمد وقادة إثيوبيين آخرين «إمكان معالجة هذه التحديات بشكل أكثر فاعلية من خلال جهد شامل لبناء إجماع وطنى يقوم على احترام حقوق الإنسان والحقوق السياسية لجميع الإثيوبيين». وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستعمل مع حلفائها وشركائها الدوليين على «تأمين وقف إطلاق النار، وإنهاء هذا الصراع الوحشى، وتوفير المساعدات المنقذة للحياة، ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات».

فى الخرطوم، أكد المبعوث الأمريكى للقيادة السودانية أن الانتقال السياسى «يمثل فرصة» ويمكن أن يكون «نموذجًا» للمنطقة. وفى أديس أبابا دعا أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، إلى بذل «جهد شامل» لبناء إجماع وطنى حول مستقبل البلاد. وحض على إنهاء «الصراع الوحشى» فى إقيلم تيجراى ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات هناك. وأكد للرئيس الإريترى أسياس أفورقى، فى أسمرة، ضرورة سحب قوات بلاده من إثيوبيا «على الفور». 

عن السد الإثيوبى، قال «فيلتمان» إنه ناقش فى القاهرة والخرطوم وأديس أبابا إمكانية «التوفيق بين مخاوف مصر والسودان حيال الأمن المائى وسلامة وتشغيل السد مع حاجات التنمية فى إثيوبيا، من خلال مفاوضات جوهرية وموجهة نحو النتائج». وأعرب عن اعتقاده بأن إعلان المبادئ الذى تم التوقيع عليه فى مارس ٢٠١٥ وبيان يوليو ٢٠٢٠ الصادر عن مكتب الاتحاد الإفريقى «يشكلان أساسين مهمين لهذه المفاوضات». وشدّد على أن الولايات المتحدة «ملتزمة بتقديم الدعم السياسى والفنى لتسهيل التوصل إلى نتيجة ناجحة». مع أن حل الموضوع برمته لا يتطلب غير توقيع الحكومة الإثيوبية على المسودة النهائية أو شبه النهائية للاتفاق، الذى تم التوصل إليه فى واشنطن، بداية العام الماضى، التى تولت الولايات المتحدة، مع البنك الدولى، صياغتها.

جولة جديدة، إذن، سيقوم بها المبعوث الأمريكى إلى منطقة القرن الإفريقى، قريبًا، بعد وقت قصير من جولته الأولى، لمواصلة الجهود الدبلوماسية الهادفة، نظريًا، إلى نزع فتيل الأزمات التى تشهدها منطقة القرن الإفريقى. أما على المستوى العملى، فما زلنا نرجح أن يظل الرجل يتجول ويتجول حتى ينفد صبر مصر والسودان، أو يصدر القرار الأمريكى بإنهاء خدمة أبى أحمد، أو استعماله، باعتباره حلًا وسطًا، يرجئ الملء الثانى لخزان السد، ويسهم فى تهدئة الأوضاع الداخلية، وينهى المواجهات العسكرية بين حكومته وثلثى الشعب الإثيوبى تقريبًا.

.. ولا يبقى غير أن نكرر نصيحة ألكسندر روندوس، الممثل الخاص للاتحاد الأوروبى فى القرن الإفريقى، الذى طالب أى شخص يعتقد أن الولايات المتحدة هى اللاعب الوحيد فى تلك المنطقة، بأن يستيقظ، ويدرك أن هناك لاعبين آخرين.