جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

المدافع الهداف

الإحصائيات والأرقام، أكلت دماغ الناس، لدرجة إن الأوراق اختلطت، وجهات رسمية وموثوق فيها، بقت بتصدر أرقام لا تخصها، وما ينفعش تصدر عن مؤسسات ليها مصداقية، زي مثلا "المدافع الهداف" ودي فيها إيه؟ 
الأساس يا بيه، الأساس نفسه، دلوقتي حضر تكفي مباريات كرة القدم، أرقام لا نهائية بتحصل على أرض الملعب، لأنه كل همسة قابلة إنها تتحول لرقم. 
لكن هذه الأرقام تتفاوت وتتنوع، حسب حاجات كتير، خلينا نتكلم عن حاجة منهم، وهو إنه يمكننا تقسيم الأرقام اللي بتحصل إلى نوعين (دا من حيث المبدأ) نوع رسمي، ونوع فني.
الأول، معني برصد ما يتحقق بصورة رسمية، قابلة للقياس على نحو دقيق، ولا تحتمل الكثير من وجهات النظر، زي إنه هذا الفريق أحرز كذا واستقبل كذا. أو هذا اللاعب سجل كذا، أو هذا الحارس استقبل كذا، أو هذا اللاعب شارك في كام مباراة، أو هذا الفريق أحرز كام لقب، وإلخ إلخ.
إنما فيه أرقام فنية، زي الفريق دا سدد كام مرة، اللاعب دا عمل كام عرضية، مشاركات اللاعب مؤثرة ولا لأ، عدد مرات استخلاص الكرة، عدد التمريرات، الصحيح منها وغير الصحيح، إلخ إلخ.
كل الأرقام بنوعيها، وارد يكون مهم، وارد يكون له دلالة، وارد يعبر عن إنجاز ما، إنماكل نوع من الأرقام له من يرصده، وله إطار يتحرك فيه، وله قواعد في التعامل معه، الدنيا مش فتة.
طيب، الجهة الإحصائيةالمعنية برصد "الأرقام القياسية"، ومين الأكتر ومين الأقل، معنية فقطبـ النوع الأول من الأرقام، بل إنها معنية بالتدقيق في مدى دقة الرقم، بالتالي، المفروض إنها تعمل تحديد للنطاق اللي بتقيس فيه، وتحدد له أكبر قدر ممكن من الضوابط الرسمية المعتمدة، وما تقولش أرقام عاطل على باطل.
مش المفروض خالص إنه هيئة إحصائية رسمية تنشر مثلا قايمة لأكثر اللاعبين رفعا للعرضيات، ولا استخلاصا للكرة، ولا أكتر فريق مرر، دا مش شغل الإحصاء، دا شغل يقوله طارق الجلاهمة وهو بيحلل الماتش، أو يتولى جمعه وتحليله فريق المعلومات في النادي، أو اللجنة الفنية اللي بترصد مسابقة ما.
دا ليه؟ لأنه مفيش تعريف قانوني دقيق لمفهوم "العرضية" ولا حتى "العرضية الصحيحة"، وغيرها من المفاهيم الفنية، زي التسديدة والتصدي وخلافه.
لما نيجي بقى لقصة "مدافع الهدافين وهداف المدافعين"، هل دا أمر رسمي ولا فني؟ طبعا فني بحت، اللاعب الوحيد في الملعب المميز قانونا، هو حارس المرمى، له زي خاص، وامتيازات معينة، لذلك: لما تيجي حضرتك تقول لي: 
قائمة حراس المرمى الأكثر تسجيلا للأهداف، فدا في صميم عملك كإحصائي، أي لاعب تاني غير حارس المرمى، زيه زي أي لاعب تاني، بل إنه في القانون لما بيستخدم تعبير المهاجم أو المدافع، فهو غير معني بمركز اللاعب، إنما بوضعيته أثناء لعب الكرة.
مثلا، لما عدلوا قانون لمسة اليد، وبقى فيه تمييز بين المهاجم والمدافع، هل دا يرتبط بمركز اللاعب، ولا هو فين دلوقتي؟
يعني القانون قال: إنه أي لمسة يد على المهاجمين تج عنها هدف، تستوجب فاول، بغض البصر عن قوانين لمسة اليد في العموم، هل دا يعني إنه لو عندنا ضربة ركنية، ففيه مدافع متقدم، الكورة جات في إيده، فإنت تقول إن القانون ما يمشيش عليه، عشان هو "مش مهاجم"؟
لأ، لأن هذا اللاعب في تلك الوضعية، بالنسبة لقانون اللعبة "مهاجم"، مالناش دعوة بمركزه في الملعب، ولا التعليمات الفنية اللي واخدها من الكوتش.
لاعب بيشوط بنالتي، يبقى مهاجم، لاعب بيسدد ع المرمى، يبقى مهاجم.
هذا من ناحية، من ناحية أخرى، منذ بداية السبعينيات، ولعبة كرة القدم نفسها لم تعد تعترف بالتقسيمات النظرية للمراكز، وبقى العادي والطبيعي، إن المدافع له مهام هجومية، بما في ذلك التسجيل، والمهاجم له مهام دفاعية.
ثم تطورت الأمور، فبقى فيه مراكز، ما تعرفش أساسا هي هجومية ولا دفاعية، زي الظهيرين ومحاور الارتكاز، ديانج دا مهاجم ولا مدافع؟ حسني عبد ربه كان مهاجم ولا مدافع؟ علي معلول مهاجم ولا مدافع؟ حازم إمام الصغير مهاجم ولا مدافع؟
لما نقيس على كدا، هنوصل إلى إنه كل لاعب في الملعب، له وجهين، وجه هجومي ووجه دفاعي، حسب تعليمات المدير الفني والخطة الموضوعة، فبقى فيه استحالة، إنك تحدد على نحو قاطع "صفة" للاعب في الملعب.
طبعا، دا لا يمنع إنه من الناحية الفنية تعمل قياسات، تساعدك على فهم كيف تجري الأمور، وممكن نبقى نقول حاجات ظريفة في هذا الصدد، إنما ريكورد وإحصائية وقوائم، ما ينفعش، ما ينفعش ما ينفعش
قالها ثلاثا حتى ابتلت لحيته.