جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

هجمة درامية مرتدة «2»

د. محمد الباز يكتب: ضربة «الاختيار».. لماذا تخاف الجماعة الإرهابية من رجال الظل؟

محمد الباز
محمد الباز

المسلسل وفر «ذاكرة بصرية» للعمليات الإرهابية التى نفذتها «الجماعة الملعونة»

العمل كشف لأول مرة عن محاولتى تفجير استاد القاهرة واحتفالات بيان ٣ يوليو

المسلسل رسم ببساطة ودون فذلكة الصورة الحقيقية لضباط الأمن الوطنى بعيدًا عن تشويه الإخوان

 

أعترف لكم بأننى كنت أخشى على الجزء الثانى من مسلسل «الاختيار».

بعد أن انتهينا من مشاهدة الجزء الأول الذى كان يتمحور بشكل أساسى حول شخصية البطل الشهيد أحمد منسى، تصورنا أن صنّاع المسلسل جاءونا بالقصة التى لن تكون بعدها قصة، والأبطال الذين لن يكون دونهم أبطال، ثم إن «منسى» كان قد تحوّل من مجرد ضابط فى الجيش يؤدى عمله الذى اختاره إلى رمز، ومن مجرد شهيد يمكن أن يكون اسمه بين أسماء آخرين فى قائمة طويلة إلى أيقونة.

كنت أقول إن صنّاع «الاختيار» فى جزئه الأول «باهر دويدار وبيتر ميمى ومعهم أمير كرارة»، شقوا طريقًا، جعلوا بعده كل طريق صعبًا على من يأتى بعدهم.

وكنت أقول- رغم معرفتى بقصص عدد كبير من أبطالنا وشهدائنا من الجيش والشرطة - إنه لن تكون هناك فرصة ليلتف الناس حول بطل مثل «منسى»، الذى يبدو أن الله ادخر له كثيرًا من رزقه بعد موته، فمنحه له فى صورة ذكرى طيبة وإعجاب يتنامى ورغبة فى التماهى معه، فكثير من أطفالنا الصغار يتمنون أن يدخلوا الكلية الحربية حتى يصبحوا مثله.

لكن وبمجرد أن بدأت حلقات «الاختيار ٢»، وبدأنا نتابعها، حتى تبددت كل مخاوفى.

ففريق هذا العام «هانى سرحان وبيتر ميمى ومعهما كريم عبدالعزيز وأحمد مكى» ونخبة كبيرة من النجوم، سواء لعبوا أدوارًا أساسية أو عبروا كضيوف شرف، أكدوا أن معين الإبداع المصرى لا يمكن أن ينضب، وأن قدرة المبدعين المصريين على الإبهار لا يمكن أن تتوقف.

«الاختيار ٢» هو إحدى ضربات الهجمة الدرامية المرتدة التى قادتها هذا العام الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، انطلاقًا من مسئوليتها الوطنية بأهمية صناعة تيار من الوعى العام، وهو الوعى الذى لا يتوقف عند معرفة ما جرى فقط، ولكن تحويل هذه المعرفة إلى طاقة هائلة لحماية هذا الوطن مما يراد به، فالمتآمرون كثر، والمؤامرات لن تتوقف أبدًا.

لست هنا فى معرض التقييم الفنى لموجة مسلسلات الهجمة الدرامية المرتدة.

التقييم الفنى له متابعوه ونقاده.

لكن هناك مفارقة لا بد أن يتوقف عندها الجميع، فهذه المسلسلات التى وضعت على عاتقها دخول معركة الوعى متسلحة بمعلومات وأحداث ووقائع وشخصيات لا تزال حية، تمتعت بأكبر قدر من الإتقان الفنى، وتحققت فيها ومنها المتعة المطلوبة، وأعتقد أنه لولا هذا الإتقان الفنى الذى بدأ بنص كتبه هانى سرحان وأخرجه بيتر ميمى وتبارت فى تنفيذه نخبة من عباقرة الأداء فى مصر، لما حظى المسلسل رغم أهميته بكل هذا التفاعل.

يعتقد البعض أن المحتوى الجيد يقدر وحده على أن يقدم نفسه للناس، فيحصل على أعلى درجات التفاعل والمتابعة، ولا يوجد أعظم من محتوى يرتكز على قصص الشهداء وقصص البطولات التى بذلها رجالنا فى الجيش والشرطة ضد الإرهابيين ومن يعاونهم.. لكن هذا المحتوى لا يمكن أن يحقق النتيجة التى نتمناها، إلا إذا كانت هناك صناعة كبيرة تقدمه بالشكل الذى يتناسب معه ويليق به.

ومن هنا تأتى أهمية ما تفعله الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية.

«المتحدة» لا تنتج الأعمال الملحمية الوطنية بمنطق المكسب والخسارة فقط، لأنها تعرف أن هذه الأعمال فى كل حالاتها مكسب كبير وحقيقى، لأنها تخلق تيارًا من الوعى نحتاج إليه فى مواجهة كبرى وممتدة مع من يريدون الإيقاع بهذا الوطن.. ولأن المسئولين عن الشركة يدركون ذلك جيدًا، فهم يقفون بكل قوة خلف هذه الأعمال، ويوفرون لها كل ما يحتاجه صنّاعها، وهو ما يبدو أمامنا على الشاشات، فلا شىء متروكًا للصدفة.

يدفعنى هذا إلى أن أقول إن «الاختيار» ليس مسلسلًا، بل فكرة تلخص ما جرى فى زمن الفتنة الذى بدأ فى مصر مع أحداث يناير ٢٠١١.

لا أنكر أن التجرية كانت صعبة، وقدرة كثير من الناس على الفرز تقريبًا كانت معطلة، ولذلك تاه كثيرون، وضل كثيرون، وتشوه كثيرون، ولم يبق على طريق الوطن الصحيح إلا من اختاروا أرضهم وقرروا الدفاع عنها.

«الاختيار ٢»، ومن الحلقة الأولى، يؤكد على هذا المعنى، وهو ما جرى فى الجزء الأول، ومؤكد أنه سيحدث فى الجزء الثالث، وربما فى أجزاء أخرى، فالاختيار لا يحكى حكايات أبطاله فقط، ولكن يروى حكاية وطن قرر أن يقاوم حتى النهاية.

من السهل علىَّ وعليكم أيضًا- فيما أعتقد- أن نصدق كل ما جاء فى «الاختيار ٢»، وذلك لأسباب عديدة.

منها مثلًا أن أكثر من ٩٠ بالمائة من الوقائع التى وثّقها المسلسل فى حلقاته الثلاثين كنا شهودًا عليها، عرفنا بها فى وقتها وربما لحظتها، هناك مواطنون رأوها رأى العين على الأرض، وعندما نراها مجسدة على الشاشات فهى ليست غريبة علينا.

لن يقول أحد إن المسلسل خيالى.

فالوقائع التى تناولها من اللحظة الأولى كلها موثقة ليس فى محاضر الضبط وتحقيقات النيابة وجلسات المحاكم فقط، ولكن يمكن لمن يريد أن يعرف أن يفتح أرشيف الصحف والمواقع الإلكترونية ليجد كل شىء.

لن يقول أحد إن ما رأيناه كان مجرد حبكة درامية.

فالوقائع التى جرت أمامنا فى الواقع وعلى الشاشة تحوى داخلها تفاصيل إنسانية رهيبة، لا يمكن لأحد أن يتصورها، حبكة الحياة الدرامية أعظم من أى حبكة درامية مصنوعة.

ولن يقول أحد إن أبطال المسلسل من الفنانين الكبار منحوه قيمة كبيرة عندما أدوا أدوار الأبطال الحقيقيين، وأعتقد أنها لن تكون مفاجأة عندما تعرف أن كثيرين من الفنانين النجوم شعروا بالتضاؤل الشديد، عندما تعرفوا عن قرب على قصص الشخصيات الحقيقية التى يؤدونها.

يقف النجم أمام الكاميرا ليؤدى مشهدًا خطيرًا، يواجه رصاص الإرهابيين، أو يقف بالقرب من عبوة ناسفة، وفى اللحظة المناسبة يجد المخرج ينهى التصوير.

لكن البطل الحقيقى الذى وقف فى الميدان الحقيقى يواجه الرصاص الحقيقى والعبوات الناسفة الحقيقية، فلا يملك إلا فرصة واحدة، لن يعيد المشهد إذا لم يعجب المخرج، والفرصة الواحدة هنا معناها الحياة أو الموت.

لا يمكن أن نندهش من سعادتنا نحن بـ«الاختيار ٢».

وبنفس الدرجة لا يمكن أن نندهش من حالة الانهيار التى عانت منها الجماعة الإرهابية بعد كل حلقة من حلقات المسلسل.

ولا يمكن أن نتعجب من الإصرار على مواجهة المسلسل حتى من قبل أن يبدأ تصويره، ثم ملاحقته بالتشكيك فى كل ما جاء به، والإساءة لكل من شاركوا فيه.

«الاختيار ٢» كان ضربة قاصمة لظهر الجماعة.

وهنا يمكننا أن نضع أيدينا على الأثر الحقيقى لهذا العمل الدرامى العظيم.

هل تعرفون ما هو أكثر شىء تخاف منه الجماعة الإرهابية طوال تاريخها الذى بدأ من العام ١٩٢٨؟

أعرف أن لدى كل منكم إجابته الخاصة، لكن هل تسمحون لى بأن أسجل ما عندى، وبعد ذلك من حقكم أن تختلفوا معه أو تتفقوا.

أكثر ما يزعج الجماعة الإرهابية هو أن ينفض الناس من حولها، ألا تجد من يصدقها ويناصرها وينفق من أمواله حتى يموّلها لتستمر فيما تفعله.

كانت الجماعة الإرهابية تراهن طول الوقت على أن الشعب المصرى يرى أنها جماعة الحق، وأنها تدافع عن الإسلام، وأنها جماعة مظلومة، يتعمد النظام وأجهزة الأمن تشريدها ومصادرة أموالها واعتقال شبابها، وهو ما كان يُكسب الجماعة تعاطفًا كبيرًا من قطاعات كبيرة وواسعة من الشعب المصرى الطيب المتسامح.

ربما لهذا تحاول الجماعة الإرهابية أن تعيش فى مظلومية طوال الوقت، لأنها تعرف أن استمرارها فى استمرار إحساس الناس بمظلوميتها.

فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ خسرت الجماعة الإرهابية تعاطف الناس معها، اكتشف الشعب الطيب المسالم أنه كان مخدوعًا فى جماعة كانت تعده بأنها إذا وصلت إلى الحكم فسيتغير كل شىء، فإذا بها، وبعد أن تحقق ما تريد، تتعامل مع هذا الشعب وكأنه شعب آخر.

فشلت الجماعة فى كل شىء، كذبت فى كل شىء، باعت وخانت واستبعدت وأقصت وزرعت الفتنة وحرضت على العنف ومارسته، وعندما تم إبعادها عن الحكم تحوّلت إلى أداة قتل مباشرة، وتحدت شعبًا بكامله رافعة شعار «يا نحكمكم يا نقتلكم».

حاولت الجماعة الإرهابية أن تعوض ما فاتها من انفضاض الناس عنها.

حاولت التشكيك فى ثورة الشعب عليها، صورتها بأنها انقلاب رغم أن الشعب هو الذى خرج عليها.

شوهت صورة كل من أعان الشعب على ثورته، فصورته على أنه طامع، رغم أن من أعانوا الشعب ووقفوا إلى جواره كانوا يخاطرون بأرواحهم ويعصفون براحتهم ويضعون أنفسهم فى المواجهة ليس مع الجماعة الإرهابية وحدها، ولكن مع تنظيمات دولية ودول وأجهزة مخابرات.

أشاعت الأكاذيب حول كل ما يتم إنجازه على الأرض، لزرع الفرقة بين الشعب وجيشه، فى خطة جهنمية لكسر الجيش والاستفراد بالشعب بعد ذلك.

جندت مرتزقة فى منصات إعلامية تنطلق من الخارج، لتحاصر المصريين كل مساء بكل ما هو إفك وضلال.

حرضت منظمات دولية بعدما قدمت لها تقارير كاذبة ومشوهة عمَّا يحدث فى مصر، ولم يكن لديها أى مانع فى تدخل خارجى فى شئوننا الداخلية، فهى جماعة لا مانع لديها من أن تضع يدها فى يد الشيطان نفسه لتصل إلى ما تريد.

فعلت الجماعة الإرهابية كل ذلك بالتوازى مع إحياء أجنحتها المسلحة التى تعددت أسماؤها «حسم ولواء الثورة وأجناد مصر وغيرها»، وهى التنظيمات التى أعملت القتل والتخريب والتفجير ونشر الفوضى؛ لإرهاق الدولة وإرباكها تمهيدًا لإسقاطها.

اعتقدت الجماعة الإرهابية أنها بذلك يمكن أن تسترد الشعب المصرى مرة أخرى، دون أن تدرك أنها خرجت من الضمير الشعبى إلى الأبد.

كانت هناك محاولة أخيرة ويائسة بذلتها الجماعة؛ ليلتف الشعب حولها من جديد، فقد دأبت على التشكيك فيما يتم من بناء وتنمية، حاولت أن تقول للشعب إن كل المشروعات التى تتم على الأرض لا جدوى منها ولا خير فيها، وإن عائدها لن يكون للناس، معتقدة بذلك أننا يمكن أن نصدق ما نسمعه منها ونكذب ما نراه بأعيننا.

كل ما فعلته الجماعة الإرهابية، خلال السنوات الماضية، كان بمثابة الهجمة الكبيرة والطاغية والمستبدة على كل ما يحدث فى مصر، ولم تكن تعلم أن هناك هجمة درامية مرتدة ستعصف بكل ما تفعله، وأنها ستعيدها إلى المربع رقم صفر من جديد.

إننى لم أبتعد بكم عن مسلسل «الاختيار ٢»... فما زلنا فى قلبه وفى صلب موضوعه.

وهنا يمكن أن تتعاقب الأسئلة التى لا آخر لها.

لماذا كرهت الجماعة الإرهابية هذا المسلسل تحديدًا؟

لماذا حاولت تشويهه وإهالة التراب عليه؟

لماذا أزعج الإرهابية كل هذا الإزعاج، للدرجة التى كانت كل حلقة من حلقاته تمثل بالنسبة لها كابوسًا عنيفًا لا تستطيع أن تهرب منه، أو على الأقل تأخذ منه ساترًا؟

هنا نحتاج لبعض التركيز، سواء من الذين شاهدوا المسلسل كاملًا، أو الذين شاهدوا بعض حلقاته بشكل عابر، أو حتى الذين لم يشاهدوه حتى الآن، فيمكن أن يكون ما نقوله هنا دليلًا ومرشدًا فى متابعتهم التى حتمًا ستكون مفيدة لهم.

أهم ما فعله «الاختيار٢» فى اعتقادى أنه وفر للمصريين ذاكرة بصرية، سيحتفظون بها طويلًا للعمليات الإرهابية التى قامت بها الجماعة الملعونة.

كنا نعرف بعض المعلومات عمَّا فعلوه، استهدافهم مؤسسات الدولة، حرق الكنائس ومهاجمة قسم كرداسة وقتل من فيه، تفجيرهم أبراج الكهرباء، استهدافهم مدينة الإنتاج الإعلامى، خلية عرب شركس، وما كان يخطط له عناصرها، اغتيال النائب العام ومحاولة اغتيال وزير الداخلية ومحاولة اغتيال الدكتور على جمعة، ومحاولات اغتيال عبدالفتاح السيسى عندما كان وزيرًا للدفاع وبعد أن أصبح رئيسًا للجمهورية.

كنا نعرف ما فعلوه فى اعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين، وما قام به الإرهابى همام عطية، مؤسس أجناد مصر، وما خطط له محمد كمال، مؤسس الخلايا النوعية جناح الجماعة المسلح.

كنا نعرف تدريباتهم فى دول مجاورة وتجنيدهم الشباب ومحاولات اختراقهم صفوف الداخلية، وتنفيذهم عمليات فى كل مكان فى مصر، فلم تكن سيناء وحدها هى مسرح عملياتهم.

جاء «الاختيار ٢» ليبث الروح فى كل هذه المشاهد، ليمنح الذاكرة المعلوماتية صورًا من لحم ودم، وأعتقد أن هذا كان مقصودًا تمامًا، حتى يتم تدعيم الوعى بخطر وضراوة جرائم الجماعة الإرهابية.

وهنا لا بد أن أشيد بما فعله المخرج ومعاونوه، تحديدًا فى اختيار طاقم الممثلين الذين أدوا أدوار الإرهابيين من عناصر الجماعة الإرهابية وما تفرع عنها من خلايا نوعية.

كان هناك إصرار على أن يكون هناك شبه كبير من الممثلين الذين يؤدون أدوار الشخصيات الحقيقية، حتى تنطبع الصورة فى الذاكرة ولا تغادرها أبدًا، ولو جربنا ووضعنا صور الشخصيات الحقيقية إلى جوار من أدوها على الشاشة فلن نجد فارقًا تقريبًا.

راجعوا مثلًا صور الممثلين الذين أدوا أدوار خيرت السبكى الضابط المنشق، ومحمد كمال، قائد الخلايا النوعية، ويحيى موسى مساعده والمشرف على تنفيذ العمليات الإرهابية، وهمام عطية وغيرهم، تقريًبا لن نجد فارقًا.

سأتوقف بكم فقط عند مشاهد حادث الواحات، الذى عرفنا أطرافًا منه فى أكتوبر ٢٠١٧، قرأنا الأخبار، وتابعنا ما حدث، وانطبعت صور شهداء الأمن الوطنى الأبطال فى ذاكرتنا، لكن لم يتخيل أحد ما جرى على الأرض، كيف تمت المعركة؟ وكيف كان أداء الأبطال وثباتهم؟

فإذا بالمسلسل وبمشاهد متقنة يقدم لنا ما جرى، فينطبع فى أذهاننا.

كانت المشاهد قاسية، وهو ما جعل الشركة المتحدة تعتذر مقدمًا لأهالى شهداء الواحات عن عرض الحلقة، فهى تعرف أن أوجاعهم لم تخف ودموعهم لم تجف، وكم كان قاسيًا أن يرى أهالى الشهداء لحظات استشهاد أبنائهم على يد كلاب جهنم، لكنهم حتمًا يقدرون أن تسجيل البطولة دراميًا يساعد فى تحقيق ما ضحى أولادهم من أجله، وهو أن يبقى هذا الوطن آمنًا مطمئنًا.

لقد حاولت الجماعة الإرهابية تحويل اعتصام رابعة وقصة فضه إلى بقرة مقدسة لا تقبل النقد أو التشكيك، ظلوا هناك ما يقرب من ٤٥ يومًا، وعلى مدار سبع سنوات لم يتوقفوا عن البكاء والعويل والنواح على ما جرى، اجتهدوا فى نسج أكبر قدر من الأكاذيب حول عملية الفض تحديدًا، فإذا بهم أمام حلقة واحدة تنسف كل ما قالوه، وتجعله هشيمًا تذروه الرياح.

سمعنا عن الممر الآمن الذى وفرته قوات الفض لمن يريد أن يخرج، فشاهدناه بأعيننا فى المسلسل، فى إشارة إلى أنه لم يكن أحد يريد أن يكون هناك عنف، لكن الجماعة التى بدأت بإطلاق الرصاص على قوات الفض هى التى قادتنا جميعًا إلى ما جرى.

كان «الاختيار ٢» مزعجًا للجماعة الإرهابية أيضًا؛ لأنه كشف ولأول مرة عن عمليات إرهابية لم يكن أحد يعرف عنها شيئًا.

فلأول مرة نرى محاولات عناصر الجماعة، وهى تحاول تفجير العبوات الناسفة وسط التجمعات التى كانت تحتفل ببيان ٣ يوليو ٢٠١٣، ومحاولاتها إفساد حفل حلف اليمين فى المحكمة الدستورية العليا صباح ٤ يوليو بتفجير أبراج الكهرباء المغذية لها، ورأينا كيف أن رجال الأمن الوطنى سيطروا على الموقف دون أن يشعر أحد.

ولأول مرة نرى محاولة عناصر الجماعة تفجير افتتاح بطولة الأمم الإفريقية فى العام ٢٠١٩، وهى المحاولة التى تم كشفها وإفسادها بالتعاون بين رجال الأمن الوطنى ورجال المخابرات العامة، وتخيلوا لو أن هذه المحاولة نجحت- لا قدر الله- كنا سنجد أنفسنا أمام المئات من الضحايا قررت الجماعة الإرهابية قتلهم بدم بارد.

لا يزال هناك ما هو أعظم وقدمه لنا «الاختيار ٢».

ففى مواجهة محاولات الجماعة الإرهابية التشكيك فى رجال الأمن الوطنى، وتصويرهم على أنهم وحوش بشرية، وضعنا المسلسل وجهًًا لوجه أمام حالتهم الإنسانية الواقعية والحقيقية.

فهم مواطنون مصريون يعيشون بيننا، يعانون مثلنا من المشكلات التى تعترض طريقنا، حياتهم الاجتماعية فيها معاناة كبيرة، يفقدون من يحبونهم، يتعثرون فى قصص حب، عندهم خناقات زوجية مثل الجميع، أولادهم يلحون عليهم أن يأخذوا إجازة فقط ليجلسوا معهم، وأعتقد أن ما جرى فى بيوت زكريا ويوسف ومبروك يؤكد ذلك تمامًا.

رسم المسلسل ببساطة ودون فذلكة الصورة الحقيقية لضباط الأمن الوطنى، الإخوة والأصدقاء والأشقاء والأبناء والمواطنين الذين يعيشون على نفس الأرض.

تظل هناك قيمة مهمة جدًا وضعها أمامنا «الاختيار ٢» دون تهويل أو مبالغة، وهى أن رجال الأمن الوطنى مستعدون فى أى لحظة لأن يقدموا أرواحهم من أجل أن يبقى هذا الوطن، لا يترددون أبدًا، بل يتسابقون من أجل الحصول على الشهادة.

أقول إن هذه هى القيمة الأعظم، لأننا عندما رأينا ذلك أمام أعيننا، أصبحنا أكثر اطمئنانًا أن هناك من بين أبناء هذا الوطن من لن يفرطوا فيه أبدًا، بل سيقدمون أرواحهم من أجل أن يبقى، وأعتقد أن حالة الاطمئنان هذه تزعج الجماعة الإرهابية، لأنها تراهن على فرقتنا، دون أن تعرف أننا على قلب رجل واحد أكثر من أى وقت مضى.