جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

العبوة بـ700 دولار.. «الدستور» تخترق أوكار الـ«GHB» عقار السرقة والاغتصاب

مخدر الـGHB
مخدر الـ"GHB"

عقار فريد من نوعه، يُستخدم في حالات طارئة فقط، داخل مستشفيات الإدمان والأمراض النفسية، ويُمنع تداوله بين المواطنين، أو بيعه داخل الصيدليات، لقوة تأثيره، وسوء استخدامه في ارتكاب ممارسات إجرامية.

إنه عقار الـ"GHB"، الأكثر استخدامًا في حوادث الاغتصاب الشهيرة، والذي يستقطب ضحاياه بسهولة تامة، بعد دخولهم في حالة من النوم العميق لأكثر من 10 ساعات متواصلة، إثر خلطه بأي مشروب وتناوله.

"الدستور" حاولت الوصول إلى أمكان بيع العقار الخفي، والذي يصعب الحصول عليه كباقي المخدرات الأخرى، كونه يُعد نادرًا، ويخاف تجاره من بيعه في العلن، حتى لا يتم ملاحقتهم من قبل الجهات الأمنية في أوكارهم السرية.

استغرقت رحلة تتبع أوكار بيع العقار 5 أيام للوصول إلى طرف الخيط، بعد محاولات عدة في الحصول عليه من أماكن تجارة المخدرات المختلفة، والتي باءت جميعها الفشل، فهذا المخدر تحديدًا لا يتم بيعه إلا في مناطق معينة.

من مكان لأخر، أجرينا جولات عدة داخل مناطق (فيصل – الدقي – دار السلام)، حيث ظهرت بعض البؤر لتجارة المخدرات هناك، لكننا لم نصل إلى المخدر المذكور، فقط وجدنا باقي الأنواع المعروفة من حشيش وترامدول وبودرة.

وبسؤالنا عن إمكانية الحصول على عقار "GHB"، أبلغنا أحد التجار أن هذا المخدر يتم بيعه في منطقة زهراء المعادي، والمقطم، بل وساعدنا أيضًا في التواصل مع أحد المروجين للمخدر، قائلًا: "هو صعب نلاقيه، بس هتصرف واجبهولك".

طلب منا التاجر العودة إليه مرة أخرى بعد يوم واحد فقط من الاتفاقية الأولى، وحين عدنا ف اليوم التالي، أخبرنا أنه تواصل معه بالفعل، وطلب توفير عبوة من العقار، على أن يتم تسليمها بعد ساعتين في منطقة زهراء المعادي، مقابل مبلغ مالي قدره 10  آلاف جنيه.

توقفنا عند ذلك الحد من الاتفاقية، حتى لا نقع تحت طائلة القانون، لنتجه إلى مكان أخر كان قد أرشدنا إليه أحد التجار في محيط منطقة حدائق الأهرام، وهناك وجدنا سوق كبير لترويج المخدرات، كان من بينها سوائل عدة مدرجة بجدول الممنوعات، وجميعها يتم استخدامها في تنويم الضحايا.

العبوة الواحدة ثمنها 700 دولار

العقار لا يُباع في العلن، يستغرق طلبه وقتًا كبيرًا، ولا يتم تسليمه في نفس اليوم، ويجب أيضًا حجزه مسبقًا، والاتجاه إلى المكان المحدد لتسلمه، وعادة ما يكون هذا المكان سري، لا يعلمه المشتري إلا في يوم التسلم، تلك كانت الشروط التي أبلغنا بها التاجر، الذي أعرب عن مساعدته لنا في الحصول على المخدر، بعد أن أخبرناه برغبتنا في شراء كمية كبيرة منه: "هيطلعك مصلحة حلوة".
"الحفلات الليلية هي أكثر الأماكن ترويجًا للمخدر"، قال التاجر إن عقار "GHB" يكثر استخدامه في الحفلات التي تُقام داخل المراكب النيلية الخاصة، والمناطق السكنية التي يخصصها أصحابها لـ"سهرات الصخب"، موضحًا أن الهدف من استخدام العقار، هو اصطياد الضحايا من الفتيات، ومعاشرتهم جنسيًا دون إدراكهن.

ذلك ما كان يتردد حول المخدر من أخبار، وبالأخص حين كشفت الجهات الأمنية أنه سببًا في ارتكاب جرائم الاغتصاب خلال الفترة الأخيرة، لكن هل يمكن استخدامه في أمور آخرى، هذا ما تجيب عليه "الدستور" في السطور التالية.

استكمل التاجر حديثه، مشيرًا إلى أن عقار "GHB"، يُعد وسيلة سهلة للغاية في ارتكاب جرائم عدة، أبرزها اغتصاب واستدراج الفتيات، بعد وضعه لهن داخل العصائر والمشروبات، لكن هناك عصابات إجرامية تستخدمه في حيل أخرى، مثل وضعه في سائل لشخص ما، والانتظار حتى يتسغرق في نومه العميق، ثم السطو على منزله بكل سهولة.

"عادة ما يحدث ذلك من شخص قريب لك للغاية"، يقول التاجر إن تلك الألاعيب يُخطط لها مسبقًا من قبل أحد المعارف، الذي يمكنه بسهولة وضع هذا المخدر لك في الشراب، ثم ينفذ خطته الإجرامية بشكل بسيط، ودون أي جهد.

أما عن سعره، فقد بلغ ثمن العبوة الواحدة من العقار 700 دولار، وذلك بسبب ندرته في أوكار المخدرات التي يعرفها الجميع، وعن كيفية الحصول عليه من المنبع: "لا معنديش المعلومة دي، أنا أعرف ناس بتتصرف وتجيبه، ولما حد يطلبه بكلمهم"

خرجنا من أوكار المخدرات، التي كشفنا من خلالها طرق بيع  عقار "GHB"، وأسعاره الباهظة، والهدف من استخدامه، متجهين للحديث مع الطبيب الشرعي، الدكتور أيمن فودة، ليوضح لنا أن المخدر هو أحد العقاقير المُصنعة، التي تدخل فى جدول الممنوعات، كونه عقار منوم، وليس تخديرًا كاملًا.

وأضاف: "أعراضه لا تكمن في النوم العميق فقط، بل الهدوء والثبات لمدة لا تقل عن 10 ساعات، وهذا ما يجعل المجرمين يستخدمونه فى ارتكاب جرائم الأغتصاب، كما أنه يتسبب في فقدان الشعور، وليس الوعي، بمعنى أن الضحية تكون هادئة، كونه يمس جزء فى المخ، وهو المسئول عن الإحساس السطحي، ولكن يظل الإحساس العميق فعال، دون الشكل الطبيعي له".

واستكمل الطبيب الشرعي حديثه، موضحًا أن دور الطب الشرعي يأتي في قياس الكتلة والكمية لهذا العقار في جسم الحالة، لأن الطب الشرعي هو الأدق، والفيصل بين المدعي والضحية، لذا نأخذ عينة دم من الضحية، لنبدأ رحلة التحليل، التي يمكنها أن تثبت إن كانت الضحية تناولت مخدرًا أم لا.

أما عن آليات التحليل : قال: " نأخذ العينة إلى أجهزة قياس الكتلة glc max وهي التى تحدد إذ كانت كتلة الدم بها إضافات أم لا، وبعدها ننتقل للمرحلة الثانية، وهي مناظير الدم التى تفصل جزيئات الدم ومكوناتة، لنرى كل مكونات الدم منفصلة عن بعضها".

وتابع: "وحين نجد تلك المادة العقارية، ننتقل مباشرة إلى المرحلة الأخيرة الفاصلة، وهي مدى تركيز ذلك العقار في الدم، الذي يتم بناءً عليه تحديد إن كانت كمية التركيز تجعلة مهدئ أو منوم أو مخدر، وعادة ما تكون نتائج الطب الشرعى الأصدق على الأطلاق".

مخاطر كارثية

واختتم الطبيب حديثه، مناشدًا جميع وسائل الإعلام بضرورة تسليط الضوء على المخاطر الكارثية، التي يتسبب فيها هذا العقار، لتساعد الجهات المعنية في الحد والسيطرة على الجرائم من ذلك النوع، بعد أن تفاقمت ضحايا المخدر، وارتفعت نسبة الجرائم المتركبة على إثره.

وبالتواصل مع استشاري علاج السموم فى المركز القومي للسموم، طارق عبد الفتاح، تحدث معنا عن مدى خطورة العقار، قائلًا: "عقار "GHB"  غير دوائي، ولا يستخدم لعلاج أي مرض أو عرض، فهو  دواء مهلوس يندرج تحت دائرة المخدرات، لأنه يجعل متعاطيه لا يشعر بأي شئ إذ تعرض لفعل معين، خلال فترة توغل المخدر في جسده، لذا يجب السيطرة على أماكن بيعه وترويجه".

يعتبر المركز القومي للسموم هذا المادة سامة للغاية، وتشكل خطورة كبيرة على الفتيات بشكل أكبر، لأن هذا العقار يستخدمه المجرمين بشكل عام في ارتكاب حوادث الاغتصاب، حين يتم وضعه فى المشروبات، وبهذا تكون الضحية غير مدركة لما يفعله المجرم بها لمدة طويلة من الوقت، بحسب "طارق".

واستكمل: "العقار لا يمكن إدمانه، لأنه ليس كالخمور وباقي المخرات، بل يتسبب فقط في غياب ضحاياه عن الوعي، وجين يستفيقون منه لا يتذكرون أي شئ على الإطلاق، وهذه المدة عادة ما تتراوح من 8 إلى 12 ساعة".

واختمم"عبد الفتاح" حديثه، مشيرًا إلى الدور الكبير الذي يقع على الدولة المصرية في محاربة هذه الظاهرة، من خلال توعية بخطورة هذا العقار، والتحذير دائمًا من تناول أي مشروبات داخل الأماكن المغلقة، قد تحتوي على هذا المخدر المؤذي.