جريدة الدستور
رئيس مجلسي التحرير والإدارة
د. محمد الباز

الصاروخ التائه!

 

 

اليوم، غدًا، أو بعد غد، قد يسقط حطام الصاروخ الصينى التائه «لونج مارش ٥ بى»، بحسب توقعات وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الفضاء الأوروبية ومعاهد فضاء عديدة. وبينما لم تتوقف وسائل إعلام أوروبية وأمريكية عن إطلاق التحذيرات والمخاوف بشأن العواقب والتبعات والخسائر المحتملة، وصفت وسائل إعلام صينية ذلك كله بأنه «مجرد ضجيج غربى»، وأكدت أن تساقط حطام الصواريخ على الأرض أمر شائع فى مجال الفضاء.

يبلغ طول الصاروخ نحو ٣٠ مترًا ويزيد وزنه على ٢١ طنًا، وتم إطلاقه يوم ٢٩ أبريل الماضى حاملًا وحدة أو قطعة من محطة الفضاء الصينية تيانهى، Tianhe، فى واحدة من ١١ مهمة مطلوبة لإكمال بناء المحطة. وبعد انفصال الوحدة أو القطعة، بدأ الصاروخ يدور حول الكوكب فى مسار غير منتظم، ولم يعد بالإمكان السيطرة عليه، أو معرفة نقطة دخوله إلى الغلاف الجوى، أو موعد أو موقع سقوطه على الأرض. 

الصاروخ التائه يدور حاليًا حول الأرض مرة كل ٨٩ دقيقة، بسرعة تقترب من الـ٢٨ ألف كيلومتر فى الساعة، وبالتالى كان طبيعيًا أن يمر على مصر، وكل دول العالم، أكثر من مرة. ومن الدكتور فاروق الباز، عالم الفضاء المصرى، مدير مركز أبحاث الفضاء بجامعة بوسطن الأمريكية، أنه سيسقط، غالبًا، فى أحد المحيطات، ولن يُحدث ضررًا يُذكر لو سقط على اليابسة. واستشهد بسقوط حطام مركبة الفضاء الأمريكى «سكاى لاب»، سنة ١٩٧٩، التى كان وزنها ٧٦ طنًا أى ٣ أضعاف وزن الصاروخ الصينى التائه.

خروج صواريخ وأقمار صناعية عن السيطرة، بإجماع آراء العلماء، شىء عادى، ويتكرر بشكل أسبوعى تقريبًا، لكن بمجرد اختراقها الغلاف الجوى تتحطم وتتناثر، ما يقلل من خطورتها، إضافة إلى أنها تسقط عادة فى المحيطات أو فى أماكن غير مأهولة. ولعلك تعرف أن المياه تغطى ٧١٪ من مساحة الكرة الأرضية، وأن الـ٢٩٪ الباقية بها مساحة كبيرة غير مأهولة.

المهم، هو أن وكالة الفضاء الأوروبية، قالت إن الصاروخ يمكن أن يدخل إلى الغلاف الجوى للأرض فى السابعة والنصف صباح غدٍ، الأحد، بتوقيت جرينتش، التاسعة والنصف بتوقيت القاهرة، مع هامش خطأ زائد أو ناقص ١٨ ساعة. وبشكل أكثر تحديدًا، توقعت وزارة الدفاع الأمريكية سقوط الصاروخ فى العاشرة مساء اليوم، السبت، وأشارت قيادة «القوة الفضائية» التابعة لها، إلى أن نقطة دخول الصاروخ فى الغلاف الجوى للأرض لا يمكن تحديدها إلا قبل دخوله بساعات. 

القوة الفضائية الأمريكية تم إنشاؤها العام الماضى، لضمان هيمنة الولايات المتحدة على الفضاء، الذى صار مزدحمًا بـ«الخصوم»، بحسب تعبير الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب. فى إشارة واضحة إلى روسيا والصين: الأولى تحاول استعادة إرثها وإحياء برنامج الفضاء السوفيتى، الذى توقف منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، والثانية تعهد رئيسها شى جين بينج، بأن تكون، بحلول سنة ٢٠٣٠، قوة عظمى فى مجال الفضاء. 

التاريخ يقول إن الروس تمكنوا، سنة ١٩٥٧، من إطلاق مركبة «سبوتنك»، لتكون أول قمر صناعى يدور حول الأرض، ما أصاب الأمريكيين بما سمّى «صدمة سبوتنك». كما يقول الحاضر إن الصين حين أطلقت، فى مايو ٢٠١٨، أول مسبار إلى الجانب المعتم من القمر، اتهمتها الولايات المتحدة بأنها تريد منع الدول الأخرى من استخدام معدات متمركزة فى الفضاء وقت حدوث أزمات. ولهذا السبب، أو استنادًا إلى هذا الزعم، شهدت سياسة الفضاء الأمريكية تغيرًا كبيرًا، وعادت البرامج المتعلقة باستكشاف القمر مجددًا إلى الواجهة.

مشروعات عديدة يجرى تنفيذها، حاليًا، فى الفضاء، أبرزها مشروع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» لإقامة محطة فضاء، اسمها «جيت واى»، تتيح للإنسان الهبوط على سطح القمر. وتخطط شركة «سبيس إكس»، وهى شركة أمريكية خاصة، للقيام، العام القادم، بأول رحلة سياحية إلى الفضاء. وهناك، أيضًا، مشروع لإقامة قرية أو «تجمع بشرى» على القمر، أعلن عنه يوهان ديتريتش فيرنر، المدير العام لوكالة الفضاء الأوروبية، منذ سنوات، وتجدد الإعلان عنه، بداية ٢٠١٩. وبالإضافة إلى اعتزام رواد الفضاء الروس الهبوط على سطح القمر، فى بداية العقد المقبل، من المنتظر أن تشهد سنة ٢٠٣٠، هبوط أول رائد فضاء صينى.

من المتوقع، إذن، أن نشهد سباقًا أكثر قوة وإثارة من «سباق فضاء» الحرب الباردة، الذى اقتصرت المنافسة فيه على الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق، قبل أن يضطر الأخير إلى إلغاء برامجه، فى سبعينيات القرن الماضى. ولأن السباق الجديد، متعدد الأطراف، سيكون الفضاء أكثر ازدحامًا، وارتباكًا، وستزيد عدد الصواريخ التائهة أو الخارجة عن السيطرة، التى نتمنى أن يتم التعامل معها، إعلاميًا، بشكل طبيعى، دون مبالغة أو تهويل أو غرض سياسى.